في السابع عشر من إبريل لعام 1946 خرج آخر جندي فرنسي من العاصمة السورية دمشق بفضل سواعد المقاومين و أبطال الثورة السورية دون قيد أو شرط، ليكون ذلك اليوم هو العيد الوطني للشعب السوري”عيد الجلاء”.
وتأتي ذكرى الجلاء الـ 69 هذا العام وسوريا تعيش مرحلة صعبة، ويُعاني سكانها من شبح الإبادة، فالقتال في كل مكان والأهالي بين خيارين: إما مشردون تُمزقتهم أوطان الأشقاء في بلدان الجوار أو نازحون عالقون على الحدود.
فالشعب السوري حينما انتفض ضد المحتل منذ 70 عاماً لم يكن يتوقع أنه لن يكون له مكان في أرضه التي رواها بدمائه، فهو من صنع الجلاء وطرد الفرنسيين من أرضه، رافضاً كل مشاريع التقسيم المناطقي أو المذهبي، لم يعد له وجود في وطنه.
مشردو سوريا
فمشردو سوريا ممن مزقتهم الأوطان يعشون حياة مؤلمة منذ أربع سنوات، تنتشر مخيماتهم في كل مكان، فمن ألم الحرمان من الوطن، إلى ألم المعاناة في أوطان اضطر فيها لاجئو سوريا إلى العيش في شقاء محرومون من أدنى حقوق الإنسانية.
غارات على إدلب
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيانها، إن ما يقرب من نصف السوريين اضطروا إلى مغادرة ديارهم، والفرار للنجاة بحياتهم، بسبب تعرض السكان في بعض المدن للحصار والجوع، فيما يجري استهداف المدنيين وقتلهم دون تمييز.
وأشارت مفوضية اللاجئين في بيانها إلى أن واحداً من بين ثمانية سوريين على الأقل، فروا عبر الحدود، وهو ما يساوي تماماً مليون شخص منذ أكثر من عام، إضافة إلى وجود نحو 6 ملايين و500 ألف نازح داخل سوريا، وأكدت أن أكثر من نصف هؤلاء اللاجئين والنازحين من الأطفال.
وأضافت المفوضية أن “أعداداً متزايدة من الأسر يصلون وقد بدت عليهم الصدمة، مرهقون وخائفون ونضبت مدخراتهم.. معظم هؤلاء ظلوا هاربين لمدة تتراوح بين عام أو أكثر، يفرون من قرية إلى أخرى، قبل اتخاذ القرار النهائي بمغادرة البلاد.”
إيواء اللاجئين
ولفتت مفوضية اللاجئين إلى أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين لا تزال تتمركز في البلدان المجاورة، حيث يأتي لبنان في المقدمة بنحو مليون و140 ألف، تليها تركيا بـ815 ألف، ثم الأردن بنحو 608 آلاف لاجئ، مما أدى إلى “إثقال كاهل اقتصاديات هذه البلدان ومواردها وبنيتها التحتية.”
سوريا تموت
وكانت سوريا قد خضعت للإنتداب الفرنسي منذ 1920، ولم تصل إلى الاستقلال التام بالرغم من أن المعاهدة السورية الفرنسية لعام 1936 نصّت على ذلك إلا أن البرلمان الفرنسي رفض إقراها.
وفي عام في عام 1940 وقعت سوريا تحت سيطرة حكومة فيشي الموالية لألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. وفي إبريل من العام ذاته أعلن الجنرال دانتز بأن: “فرنسا لم تغفل مطلقًا تطلعات الشعب السوري نحو استقلال بلاده، ولن تألو جهدًا في سبيل تحقيق هذه الرغبة، ولكن فرنسا لم تستطع ولن تستطع تحقيق ذلك ما لم تستقر الأوضاع في العالم”.
وفي يونيو 1941 تمكنت قوات الحلفاء وقوات فرنسا من السيطرة على سوريا وطرد دول المحور منها.
وفي 8 يونيو 1941 حلقت طائرات فرنسية، وألقت بعض المنشورات على السكان بأن “فرنسا بصوت أبنائها تعلن استقلالكم”، وفي 20 يوليو 1941 عقد المندوب الفرنسي السامي الجديد الجنرال كاترو اجتماعًا مع الطبقة السياسية في مدرج الجامعة السورية نص فيه الانتداب عن طريق الاتفاق، وفي 12 سبتمبر أعيد العمل بالدستور واختير تاج الدين الحسني رئيسًا للجمهورية لحين سماح الظروف بإجراء انتخابات، وفي ديسمبر من العام نفسه أعلن الاستقلال في حفل أقيم بدار البلدية.
ضحايا الحرب
وفي عام 1946 كان الاستقلال التام عن سوريا بخروج آخر جندي فرنسي من أراضيها.
في غضون ذلك كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قدرت “حصيلة الأمهات ضحايا الحرب في سوريا بما لا يقل عن 5280 سيدة، فضلًا عن أكثر من 68 ألف أم تحولت إلى أرملة، بسبب مقتل أو فقدان زوجها، مضيفة: “وقتل في سوريا ما لا يقل عن 18572 طفلًا بما يوازي ذلك فقدان الأم لطفلها الذكر أو الأنثى”.
وأشارت إلى أن هناك قرابة 180 أمًا لا تزال داخل مراكز الاحتجاز، يتعرضن للتعذيب والاعتداء.
ويشكل السوريون الآن أكبر عدد من اللاجئين في العالم ممن ترعاهم المفوضية، ويأتون في المركز الثاني من حيث العدد بعد الأزمة الفلسطينية المستمرة منذ عقود طويلة، وتعتبر عمليات المفوضية الخاصة بسوريا “الأضخم حتى الآن” في تاريخ المفوضية، منذ نشأتها قبل 64 عاماً.
أيمن الأمين