رغم اشتراك طائرات البلدين في ضرب مواقع الحوثيين وقوات الجيش اليمني الموالية لهم والتابعة للرئيس السابق علي صالح؛ إلا أن الخلافات السياسية بين “أبوظبي” و”الرياض” تتعاظم، في الوقت الذي تواجه فيه عاصفة الحزم مرحلة الحسم، مع انتهاء بنك الأهداف الجوية والاستعدادات لتحرك بري قد يكون لا مفر منه لو لم تنجح الجهود الدبلوماسية الجارية حاليًا للبحث عن حل سلمي.
محور الخلافات والعلاقات المرشحة لمزيد من التأزم يتلخص في أمرين:
هل تفشل عاصفة الحزم
الأول: تخوف الإماراتيين من الخطط السعودية الحالية للعودة لما قبل الانقلاب السياسي على الإخوان في اليمن؛ ما شجع الحوثيين على انقلابهم العسكري، والتي تقوم على التعاون مع إخوان اليمن (حزب الإصلاح) والقبائل اليمنية السنية ذات العلاقة القوية مع الإخوان، وتسليحهم من أجل قيادة العملية البرية على الأرض، في حالة عدم التدخل البري للتحالف العربي في ظل الرفض الباكستاني والتململ المصري.
حيث يعتبر الإماراتيون أن هذا التوجه السعودي سيصب في مصلحة عودة إحياء الإخوان داخل الساحة اليمنية مرة أخرى، وقد يكون تمهيدًا لعودتهم في دول أخرى؛ إذ أنفقت الإمارات المليارات -خصوصًا في مصر وتونس- لإبعادها خلال ما عرفت بـ “الثورات المضادة للربيع العربي”، وبما يهدد مستقبلًا مصالحهم ومصالح الغرب أيضًا ويعيد انتعاش التيار الإسلامي بما يؤثر على خطط مواجهة تنظيم “داعش” بالمنطقة، الذي تضعه الإمارات في خانة واحدة مع الإخوان كتنظيم إرهابي.
الثاني: رغبة الإماراتيين في عدم إقصاء الرئيس السابق علي صالح ونجله (أحمد) من اللعبة السياسية في اليمن، وأن يكون لهم دورٌ، والسعي لإقناع السعوديين بإلغاء الفيتو (الرفض) الذي يفرضونه على مشاركة آل صالح في الحياة السياسية اليمنية مرة أخرى باعتبار أنه هو الذي وقف وراء إفشال المبادرة الخليجية التي دعمتها السعودية، وهو الذي عاون الحوثيين في انقلابهم باليمن ضد النفوذ السعودي وحول اليمن إلى ساحة إيرانية شيعية تشكل تهديدًا للسعودية من الجنوب، مثلما يشكل الإيرانيون وشيعة العراق وداعش سويًا خطرًا على السعودية من الجهة الشمالية.
ولهذا؛ تُثار مخاوف من أن تتصاعد هذه الخلافات، خاصة مع اقتراب انتهاء مرحلة الحزم الجوية، سواء لصالح حلول دبلوماسية أو تدخل بري لن تشارك فيه الإمارات، والقلق من أن تؤثر الخلافات بين أكبر حليفين خليجيين على فشل عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها النهائية بعدما نجحت في تقزيم دور الحوثيين وقوات الجيش الموالية لهم بفعل الضربات الجوية.
لغز الإمارات وعلي صالح
وتقول مصادر دبلوماسية وإعلامية سعودية إن هناك لغزًا حول أسباب احتضان الإمارات لـ “آل صالح”، وسعيهم لإثناء السعودية عن رفضها انخراطه في العملية السياسية، بينما ترى السعودية أنه خارج الترتيبات المستقبلية في اليمن، وأنه خلال زيارة ولي عهد “أبوظبي”، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، العاصمة السعودية (الرياض) 13 من أبريل الجاري حاول إقناع السعوديين بتغيير موقفهم الرافض لـ “صالح”، ولكن ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، أبلغه رفض الملك سلمان عبدالعزيز (الذي لم يستقبله) أن يكون صالح جزءًا من أي حل في اليمن.
وبحسب مصادر سعودية، حاول ولي عهد “أبوظبي” إقناع مسؤولي الرياض أن صالح وابنه أحمد ليست لهما علاقة بالحوثيين، وأنه مستعد للتعاون مع السعودية وانضمام القوات الموالية له للتحالف ضد الحوثيين، ولكنه فشل؛ فحاول، أمام الإصرار السعودي على الرفض، أن يلقي “بن زايد” ورقته الأخيرة للتوصل لاتفاق بمغادرة صالح وأسرته اليمن والإقامة في “أبوظبي” مع وقف أي مصادرات أو التنقيب وراء ثروته البالغة أكثر من 60 مليار دولار، معظمها في بنوك إماراتية، وهو ما رفضته السعودية أيضًا بحزم؛ وهو ما يفسر خروج صالح لاحقًا ليقول إنه لن يغادر بلاده على عكس محاولاته الهرب خارج اليمن لعمان أو الإمارات.
وفي 14 من سبتمبر الماضي 2014، ألمح الرئيس اليمني “هادي” لتورط “أبوظبي” وأن الإمارات تدعم الحوثيين للتخلص من الإخوان، وأشار لتقارب وتعاون بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه صالح، عندما قال: “أنا وأولادي وأفراد أسرتي هنا في صنعاء وسنبقى في مقدمة المدافعين عنها ولن نذهب إلى دبي“.
وكان يشير بهذا لأن الإمارات تستضيف (بحسب مصدر دبلوماسي يمني) 80 شخصًا من عائلة الرئيس المخلوع “علي عبد الله صالح” على أراضيها، بينهم نجله أحمد، وهو السفير اليمني في الإمارات، ومغادرة أعداد أخرى من أقرباء وعائلة الرئيس السابق علي عبد الله صالح (بحسب موقع “مأرب برس”) قبيل “عاصفة الحزم” بيوم وبعضهم بيومين، وفي مقدمتهم العميد أحمد علي عبد الله صالح وأخيه المقدم خالد علي عبد الله صالح، متوجهين إلى الإمارات.
وعقب الانقلاب الحوثي، تحدثت مصادر في الرئاسة اليمنية عن أن الإمارات العربية طلبت من الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” مطالب مباشرة بإقصاء حزب الإصلاح (إخوان اليمن) من الوزارات السيادية، بينها الداخلية والمالية والتخطيط، وأن هذا هو هدف دعم أطراف إماراتية للانقلاب الحوثي واستقبالها “علي البخيتي” أحد رموز الحوثيين لهذا الغرض نهاية 2014.
وعقب الانقلاب الحوثي الذي دعمه الرئيس السابق علي صالح بقواته، كتب الخبير “جيمس دورسي” في صحيفة “هافينغتون بوست”، 17 من أكتوبر الماضي 2014، يقول إن ما جرى في اليمن جزءٌ من الثورة المضادة التي تقودها الإمارات لإسقاط ثورات الربيع العربي؛ مُشيرًا إلى أن الجهود المبذولة تستهدف جماعة “الإخوان المسلمين” هناك كما حدث في مصر وليبيا وتونس.
بينما كتب “ديفيد هيرست”، في مارس الماضي، على موقع “ميدل إيست آي”، موضحًا ما قال إنه “الدور الإماراتي”؛ بقوله: “إن الإمارات دعمت جهود الإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح لاستخدام أعدائه -لاحقًا- من المتمردين الحوثيين؛ لإفساد عملية انتقال السلطة في اليمن، وإفشال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تضم أعضاء لحزب الإصلاح (التابع لجماعة الإخوان المسلمين)، وأشار لدور نجل الرئيس السابق صالح (أحمد علي صالح) وقائد الحرس الجمهوري السابق وسفير بلاده لدى الإمارات في سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء”.
والتقارير التي نُشرت في الصحف الغربية ووسائل إعلام يمنية عن دور (العميد أحمد علي صالح)، رئيس الحرس الجمهوري السابق وسفير اليمن في الإمارات، في دعم الحوثيين تمهيدًا لعودة أبيه أو عودته هو لقمة السلطة كرئيس جديد؛ كانت تشير بوضوح لرغبة الإمارات في إجهاض ثورة اليمن عبر دعم صالح والحوثيين.
وكان التصور الذي يراه صالح، بحسب المقربين منهم، هو أن يعود إلى السلطة بعد “ثورة” الحوثيين المزعومة، على طريقة “ثورة السيسي” في مصر، عبر مظاهرات 30 يونيو، التي لعبت حركة “تمرد”، المدعومة أيضًا إماراتيًا (بحسب التسريبات الأخيرة)، دورًا فيها؛ بحيث يعود صالح للسلطة بعد انهيار الثورة، أو يعهد بهذا لنجله أحمد، الذي كان مرشحًا بالفعل لوراثة الحكم من والده، مثل جمال مبارك وسيف الإسلام القذافي، بحسب تقرير لمعهد بروكنجز 2010.
ولكن مصادر يمنية وغربية قالت إن الإمارات كانت ترجح وجهًا جديدًا هو أحمد علي صالح، حتى قبل إطاحة الحوثيين بالرئيس هادي من القصر الرئاسي، ولهذا؛ انتشرت -ولا زالت- حسابات على مواقع التواصل تتبنى ما أسمته “المرشح الرئاسي العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح”.
ولكن، لأن السماح بسقوط صنعاء أدى إلى مخاطر تهدد أمن الخليج، وخصوصًا السعودية، وانفجارات اجتماعية هائلة في الخليج قد تغير شكله وخرائطه، وسط مخاوف من تكرار سيناريو سوريا والعراق في اليمن قرب الحدود السعودية؛ فقد بدأت الرياض تخرج من صمتها على المخطط الإماراتي وتعادي الحوثيين، ولكنها حاولت الإبقاء على دور لصالح.
ويفسر هذا، اقتراح “صالح” في المبادرة التي طرحها لحل الأزمة بأن تعقد المفاوضات في الإمارات أو القاهرة بدلًا من الدوحة والرياض، وقول مقربين من صالح إنه يفكر في طلب اللجوء السياسي للإمارات بعدما بدأت عاصفة الحزم، علمًا أن الاتفاق الخليجي لحل الأزمة اليمنية عقب ثورة الربيع اليمنية تضمن أن يتم نقل إقامة صالح إلى الإمارات؛ ولكن، بعد فترة قصيرة، تمت مكافأة نجله “أحمد علي عبد الله صالح” بمنصب سفير لليمن في الإمارات، وكمقدمة لانتقال والده الرئيس السابق علي عبد الله صالح للإقامة في دار زايد.
وقد كشف الكاتب السعودي “جمال خاشقجي” عبر حسابه على “تويتر” عن أن “أحمد علي صالح”، نجل الرئيس اليمني المخلوع، هو من يقود الميليشيات المسلحة المتقدمة في عدن؛ لافتًا إلى أن مسؤولًا سعوديًا كبيرًا حذره من أن قواته ستفنى إذا لم تنسحب فورًا. وترددت أنباء عن قصف رتل عسكري يقوده موالون لنجل صالح، أمس (الجمعة)، في طريقه لعدن بالفعل.
وأضاف “خاشقجي” أن عملية “عاصفة الحزم” قطعت الطرق أمام مشروع سياسي يتوج به أحمد علي صالح زعيمًا، بدخوله منتصرًا لعدن، كما أنها قطعت الطرق على إيران للقيام بعملية إنزال بحري بميناء عدن، كضمانة لتولي ابن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
تنسيق إماراتي أمريكي
وقد ترددت معلومات غير مؤكدة عن محاولات إماراتية للتنسيق مع أمريكا للإبقاء على “علي صالح” أو نجله في الحل السياسي في اليمن؛ بسبب المخاوف من إخلاء الساحة للإخوان أو لتنظيم القاعدة الذي استفاد من الانقلاب الحوثي في تعظيم قواته على الأرض.
وذكرت مصادر خليجية مسؤولة في الرياض لموقع “بوابة القاهرة” أن “بن زايد” قرر اللجوء للولايات المتحدة و”اللوبيات الصهيونية” بها لوقف ما يسميه بـ “التصلب السعودي”؛ حيث سيقوم بزيارة لم يكن مخططًا لها من قبل لواشنطن، يلتقي خلالها يوم الاثنين المقبل بالرئيس باراك أوباما والعديد من قيادات اللوبيات الأمريكية وشخصيات أمريكية نافذة في الكونجرس وغيره؛ بهدف طلب الضغط على الرياض فيما يخص ملفي التعاون مع إخوان اليمن والفيتو ضد علي صالح.
وسبق لـ “بن زايد” أن حذر من أن نتيجة السياسة السعودية ستصب في مصلحة عودة الإخوان إلى الساحة السياسية باليمن مرة أخرى، وربما عودة الإسلاميين في دول أخرى، كما يتردد أن هناك سعيًا إماراتيًا لرفع الحظر عن أموال صالح وأسرته بعد قرار مجلس الأمن الأخير، بينما طالب كتاب خليجيون -منهم عثمان العمير رئيس تحرير موقع “إيلاف”- بمصادرة هذه الأموال (60 مليار دولار)؛ لتمويل عاصفة الحزم.
ويتفق الطرح الإماراتي، المتخوف من أن يجني الإخوان أرباحًا من عاصفة الحزم ضد الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين، مع ما قالته مجلة “الإيكونوميست” البريطانية في عددها الصادر اليوم، السبت 18 من أبريل، من أن التحالف السني الذي تقوده المملكة السعودية ضد المتمردين الحوثيين وضمنه تحالفهم مع حزب الإصلاح (إخوان اليمن)، وكذلك قيادتهم معركة إزالة بشار الأسد من السلطة بالتعاون مع تيارات ثورية إسلامية، منها إخوان؛ “قد يعود بالنفع على الإسلام السياسي“، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وتؤكد الصحيفة البريطانية، تحت عنوان “الإخوان المسلمون يأملون في الحصول على هدنة“، على أن: “التحالف السني الذي تقوده السعودية ضد التمدد الإيراني في المنطقة، خاصة في اليمن؛ قد يعود بالنفع على الإخوان، الذين تعرضوا في أوقات سابقة لهجوم شديد من حكام دول الخليج خشية أن تطال ثورات الربيع العربي (التي برزوا فيها) دول الخليج“.
ويبدو أن ما يقلق الإماراتيين هو قول الإيكونوميست أيضًا إن: “معظم قادة الإخوان المسلمين في المنطقة أيدوا بحذر العملية التي تقودها السعودية في اليمن، ولكنهم ذكروا الخليجيين بأخطائهم في اليمن وأن أزمة صعود الحوثيين ترجع إلى (قمع الربيع العربي واضطهاد الإرادة الشعبية)، وهي رسالة موجهة للخليجيين الذين دعموا نظام السيسي في مصر؛ حيث النزاع الدموي وتطبيق عشرات أحكام الإعدام”، بحسب الصحيفة.
السعوديون أمام خيارين
إذ إن ثلاثة أسابيع من القصف الجوي لم تحقق أيًا من الأهداف السياسية الرئيسة حتى الآن، بحسب ما كتبه ديفيد هيرست؛ فالحوثيون لم يتخلوا عن المدن التي سيطروا عليها، ولم يتمكن هادي من العودة إلى صنعاء لممارسة صلاحياته من العاصمة ولم يبدأ إلى الآن الحوار الوطني لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
والمأزق الحالي يترك السعوديين أمام خيارين: إما محاربة الحوثيين بقوة قتالية محلية أو تجميع قوة أجنبية للسيطرة على عدن، ويفرض كلا الخيارين تحديات كبيرة.
إذ إن دعم القوات القبلية سيؤدي بالضرورة إلى تسليح حزب الإصلاح، وهو مزيج من العشائر اليمنية وجماعة الإخوان، وهو ما ترفضه الإمارات، رغم استقبال الرياض بالفعل لمسؤولين من حزب الإصلاح لهذا السبب. أما الغزو البري، وعلى الأرجح، من خلال عدن؛ فهو يتطلب الاعتماد على دول أخرى، خصوصًا بعد رفض البرلمان الباكستاني والتململ المصري في ظل التخوف الشعبي من تجربة 1962.
وهناك اثنتان من الدول قادرتان على القتال من غير العرب في التحالف: تركيا وباكستان؛ ولكن تركيا لن تنشر قوات قبل الانتخابات، وباكستان لديها أسبابها الخاصة للتأجيل. وإذا رفضت مصر طلب السعودية؛ فإن هذا سيكون القشة الأخيرة بالنسبة للممول الرئيس لنظام عبد الفتاح السيسي، وما يقلق الإمارات هنا هو الحفاوة السعودية بالحليفين التركي والقطري وهي على خلاف معهما لدعمهما الإخوان.
عاصفة الحزم بالتالي في طور الانتقال عاجلًا أو آجلًا لمرحلة جديدة على الأرض أو طاولة التفاوض، بعد انتهاء العمليات الجوية، وهذا الانتقال يفترض أن يشارك في التخطيط له حلفاء التحالف العربي. ولكن، يبدو الحليفان البارزان (السعودية والإمارات) مختلفين حول المستقبل السياسي في اليمن ومشاركة القوى المختلفة في الحل؛ فهل يؤثر هذا على النتيجة النهائية للعاصفة؟ أم يتحرك السعوديون وحدهم في المرحلة المقبلة؟
ربما كان ما ذكره الكاتب السعودي “جمال خاشقجي”، المقرب من دوائر صنع القرار السعودي، في مقاله اليوم (السبت) بجريدة الحياة: “لدي خبرٌ جيدٌ لليمنيين، لقد باتت السعودية ملتزمة باليمن حتى بعد الانتصار في الحرب وسقوط الحوثيين والرئيس المخلوع ودولته العميقة“، مؤشرًا على المرحلة المقبلة وتحمل الرياض الملف بأعبائه وأشواكه.
جمال محمد – التقرير