لا يفضل هؤلاء الشبان العمانيون، وهم في العشرينيات من عمرهم، التحدث عن ملكهم المقبل، وقال أحدهم: “إنه أمرٌ سريٌ للغاية“. وأضاف: “نحن لا نتحدث عن هذه المواضيع“. ولا يُعد هذا الأمر مستغربًا هنا؛ حيث يعرف الجميع قصص العمانيين الذين أبقوا أفواههم مفتوحة إلى حين لم يسمع عنهم أحد شيئًا بعدها.
ومع ذلك، لقد أصبحت مسألة من سيخلف السلطان أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وقابوس بن سعيد آل سعيد (74 عامًا) قد حكم عمان لمدة 45 عامًا، وليس لديه أطفال ولا أشقاء.
ولم يمر “الربيع العربي” عام 2011 بدون المساس بعمان. ولكن، على عكس المتظاهرين في تونس والقاهرة؛ طالب العمانيون بـ “الإصلاح”، وليس بسقوط النظام. وطالبت أغلبيتهم بنظام ملكي دستوري يحل محل الملكية المطلقة التي تحكمهم.
وقد استجاب السلطان قابوس من خلال توفير 50 ألف فرصة عمل حكومية جديدة، ومنح فوائد للعاطلين عن العمل، وزيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية. وأطلق السلطان الوعود، التي لم يتم الوفاء بأغلبها، لإعطاء البرلمان المزيد من السلطة.
وأقال أيضًا عددًا من الوزراء، واعتقل العديد من المتظاهرين والنشطاء والمدونين. ووفقًا لمركز الخليج لحقوق الإنسان، لا يزال اعتقال العمانيين لانتقادهم الحكومة مستمرًا، وغالبًا ما يتعرضون لسوء المعاملة وحتى للتعذيب في السجن.
وفي منتصف عام 2014، غادر سلطان عمان إلى ألمانيا؛ حيث أمضى أكثر من ثمانية أشهر هناك لتلقي العلاج الطبي. ولم يتم الكشف عن تفاصيل حول حالته، ولكن مصادر دبلوماسية تكهنت بأنه قد يكون مصابًا بسرطان القولون.
وتقع السلطنة عند مضيق هرمز الاستراتيجي، وهو ممر ضيق عند مصب الخليج العربي بين إيران من الشمال وسلطنة عمان في الجنوب، يستخدم لنقل ما يقرب من خُمس النفط الخام في العالم.
وفي الشهر الماضي، عاد السلطان قابوس فجأةً إلى العاصمة العمانية (مسقط). وكان العلاج قد حقق على ما يبدو “نجاحًا كبيرًا“. وكتبت الصحف عن “فورة عفوية من الفرح” في جميع أنحاء البلاد؛ حيث امتلأت الشوارع بالسيارات، ولوح الناس بالأعلام العمانية.
مواضيع محفوفة بالمخاطر
بالقرب من مسجد سُمي على اسم السلطان في “ولاية خصب”، توجد صورة لقابوس الشاب وهو ينظر إلى البحر بطريقة غامضة. وهذه الصورة معلقة على حائط في منزل متواضع لصياد عجوز، مازال هو وابنته الصغرى يتذكران عندما زار السلطان مدينتهما في عام 2012.
وتقول الفتاة مبتهجة: “ارتدينا أرقى ملابسنا. وكانت الشوارع قد مُلئت بالزهور وبأعمدة الإنارة الملونة بالذهبي“.
ولم يناقش الصياد أو ابنته صحة السلطان أو خليفته المحتمل؛ ويبدو أن نقاش هذه المواضيع غير متاح إلا للعمانيين الذين يعيشون في الخارج.
وبحسب المدون المنشق، نبهان الهانشي، من مرصد حقوق الإنسان في سلطنة عمان، هناك الكثير من الشك حول عودة السلطان معافًا، و”لكنهم لا يتحدثون عن ذلك“، كما يقول.
وفر “الهانشي” إلى بريطانيا بعد اعتقاله في عام 2012. وردًا على سؤال حول الخلافة، يقول: “أظن أن العائلة المالكة تقوم بالتحضيرات اللازمة“. وأما بالنسبة لآماله لبلاده، فيقول الهانشي: “أنا أبحث عن حرية التعبير … أنا أبحث عن دستور جديد يكتبه الناس، وليس السلطان“. ويضيف: “أنا لا أريد أن يسيطر قابوس على كل شيء كما يفعل الآن، بحيث إذا وضع يده على ثروة بلادنا، لا يمكن لأحد أن يسأله لماذا أو كيف. أنا أبحث عن الفصل بين السلطات وعن برلمان حقيقي“.
وبالنسبة للناشط العماني الآخر الذي فر إلى بريطانيا بعد إلقاء القبض عليه في عام 2012 ومرة أخرى في عام 2013، وهو “خلفان البدواوي”، فسقف المطالب أكثر ارتفاعًا، وهو يقول: “أنا أفضل جمهورية ديمقراطية … لا يمكن أن يكون النظام نظامًا يجلس فيه ديكتاتور على العرش لأكثر من 44 عامًا؛ حيث ينجو من خلال شبكته من الطغيان، ومن خلال دعم الدول الغربية“.
وأما الخبير بشؤون عمان “مارك فاليري”، من جامعة إكستر في بريطانيا، فيقول إن الكثير من العمانيين يشعرون بالقلق من المناحرات بين أفراد العائلة المالكة، ومن أن تطفو الخصومات القبلية القديمة على السطح، ومن أن تمتد الفوضى والعنف من اليمن المجاور إلى بلدهم.
هدوء مشوب بالحذر
وبموجب القانون، يجب على العائلة المالكة تعيين خلف للسلطان خلال ثلاثة أيام من وفاته. ويعد أبناء عمومة السلطان قابوس (الأسد، وهيثم، وشهاب، بن طارق آل سعيد) الخلفاء المرجحين.
ولدى “فاليري” شكوك حول ما إذا كان الشباب العماني سوف يكون سعيدًا بإعطاء حاكمه المقبل أكبر قدر ممكن من السلطة كما أعطى السلطان قابوس من قبل. ولم يكن قابوس رئيس الدولة فقط، بل وأيضًا رئيس الوزراء، ورئيس الأركان للقوات المسلحة، ووزير الشؤون الخارجية والدفاع والمالية. ويقول فاليري: “كثير من الشباب عاطلون عن العمل، ويحملون السلطان مسؤولية الصعوبات التي تواجههم كل يوم“.
وبدوره، يقول الهانشي: “آمل أن يدرك الشعب العماني أن الوضع لن يستمر هكذا إلى الأبد. يجب أن يطالبوا بإصلاحات حقيقية وأن يبدؤوا في إدارة البلاد بأنفسهم“.
سيدني مورنينغ هيرالد – التقرير