ربما يكون أمرا عاديا أن تقرر 3 فتيات من بين ملايين غيرهن، في مصر، خلع الحجاب.. لكن أن ترفض نفس الفتيات دعوات للخروج في مظاهرة لخلع الحجاب في ميدان التحرير في قلب العاصمة القاهرة فهذا أمر قد يكون مستغربا.
الفتيات الثلاث، حديثات العهد بخلع الحجاب، قلن إن قرار خلع الحجاب لا يعني قبولهن بالدعوة العامة لخلع الحجاب في ميدان التحرير، ورغم أن كل واحدة منهن لديها أسبابها التي تختلف عن الأخرى في رفض الدعوة، غير أنهن أجمعن على أن الدعوة إلى خلع الحجاب ضد مبادئ الحرية التي طالما كافحن من أجل الحصول عليها.
وأطلق الكاتب الصحفي الليبرالي شريف الشوباشي دعوة عبر وسائل إعلام محلية في مصر للنساء للخروج في مظاهرة لخلع الحجاب بميدان التحرير، في مطلع ماي المقبل.. وقال الشوباشي إن هذه الدعوة هدفها رفض ما يفرضه المجتمع على النساء من تغطية للرأس واستنكار للفتاة التي تخلع الحجاب.
لكن الدعوة، التي قال إنها لاقت استجابة واسعة في أوساط النساء وخاصة اللواتي عانين طويلاً من القهر المجتمعي ولم يتمكن من خلع الحجاب، لم تجد صدى عند الفتيات الثلاث حديثي العهد بخلع الحجاب، حيث اعتبرنها لا تختلف كثيراً عن الدعوة إلى فرض الحجاب بالقوة.
رشا عمار، صحفية من محافظة سوهاج تبلغ من العمر 23 عاما ، قررت خلع الحجاب مثل كثير من الفتيات اللواتي يقررن خلع الحجاب، ويعلن القرار عبر صورهن الشخصية على حساباتهن الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعية، لكنها رفضت بشدة دعوة الشوباشي.
وقالت رشا: “عندما قررت خلع الحجاب كنت، ومازالت، أراه قرارا فرديا يتعلق بحريتي الشخصية، ولا علاقة لأحد به، لذا لم أكن أخشى ردود أفعال المقربين لأن عائلتي وأصدقائي شجعوني على اتخاذ هذه الخطوة، رغم أني كنت مترددة في البداية لأنني مغتربة، وبالتالي فنظرة الغرباء كانت من أكثر الأمور التي تشكل هاجسا بالنسبة لي”..وتابعت: “طلبت من أمي أن تحضر للقاهرة قبل خلعي للحجاب بشهر كامل، حتى يعرف الجميع بمن فيهم حارس المسكن، والبائع الذي اعتاد أن يراني في الصباح أني اتخذ هذه الخطوة بموافقة أهلي، وليس انحلالا أخلاقيا مني”.
هذا الخوف المجتمعي، والذي لا تسميه رشا كذلك، لم يدفعها لتبني دعوة الكاتب الصحفي بل على العكس قالت: “أنا ضد تلك الدعوة لأنه ليس من حق أي شخص أن يقول ماذا نرتدي أو لا نرتدي، ليس من حقه أن يقول للنساء اخلعن الحجاب كما أنه ليس من حقه أن يقول لهن البسن الخمار أو النقاب، بالنسبة لي هذه الدعوة عنصرية زائدة عن الحد لا أقبل بها”.
وعن أسباب خلعها للحجاب أضافت: “لم أخلعه لأني مصابة بفوبيا الإسلام السياسي، كل ما هنالك أني تعرضت لمسائل تقول إن الحجاب ليس فرض، ووجدت أن المعلومات المتاحة في هذا الأمر قدر المعلومات المتاحة في فرضيته، ففعلت ما شعرت براحة نفسية تجاهه”.
ما قالته الفتاة الصعيدية بشأن دعوة الشوباشي لم يختلف عن المدونة المصرية دينا ماهر التي وصفت الأمر بأنه ابتزاز، قائلة: “لا يمكن أن أؤيدها، أنا ضد أي شخص يحاول فرض رأي في مسائل الحرية الشخصية مثل الملبس، وبالنسبة لي هذه الدعوة رجعية ولا تختلف عن دعوة المشايخ الذين يرهبون الناس بالنار من أجل دفعهم لارتداء الحجاب”.
وتابعت ماهر: “الشوباشي وغيره من الداعين لخلع الحجاب، يحاولون ابتزاز الناس بمفهوم الحرية مع إن الحرية نفسها لا تعني التقييد بصورة ما سواء خلع أو ارتداء، ولا يمكن لأحد أن يقيم المرأة بطول الفستان الذي ترتديه، أو يقيمها بكمية القماش التي تغطي به جسدها، كلاهما تعصب وجهل والحرية لا تتجزأ”.
ماهر لم تتحدث عن صعوبة في ارتداء الحجاب، حيث قالت: “لم أتعرض لضغوط في ارتدائه كذلك في خلعه، بل على العكس أنا فتاة محظوظة لأن أهلي لا يتدخلون في شؤوني الخاصة بل يدعموني في أي خطوة اتخذها حتى لو كانت ضد أفكارهم”.
وعلى غرار عمار وماهر، قالت هاجر التهامي، الصحفية والكاتبة، “لست مع الدعوة لخلع الحجاب، لأنها تعني إملاء شيء بالقوة على النساء، ولا يختلف كثيرا عن دعوات ارتدائه بالقوة، بالإضافة إلى أننا لا يمكن أن نقول لأحد أفعل أو لا تفعل”.. وترفض التهامي بشدة أن تخبر صديقاتها بما يتوجب عليهن فعله، مضيفة : “بالنسبة لي الوضع مختلف، شعرت أنني أريد ارتدائه عندما أكون سعيدة به ومدركة له، الأمر نفسه بشأن الإسلام، فأنا لم اختره لذا قرأت كثيراً رغم أنني مسلمة بالفطرة حتى أصبحت مسلمة وفق قناعة”.
دعوة خلع الحجاب، قال عنها صاحبها الشوباشي إن الغرض منها تخفيف الضغوط الاجتماعية والتهديدات التي تعاني منها المرأة في مجتمعنا، مضيفا أنها “ستكون ضربة موجعة للإسلام السياسي، الذي كان ومازال سبباً في تقييد حرية المرأة، ومنعها من سبل التحضر والتحرر”.. واعتبر الشوباشي أن التوقيت الراهن هو أنسب توقيت من أجل القيام بثورة على الحجاب، لاسيما أن هذه الفترة هي فترة التحول الديمقراطي التي لابد أن يصحبها تحول في الفكر والعقول.
الشوباشي قال إن فكرته “ما زالت تتبلور، لكنها لاقت استجابة واسعة من الحركات النسائية في مصر”، دون أن يذكر مزيد من التفاصيل.. وأشار إلى أن من يتهمه بالفسق لم يطلع على مختلف التفسيرات والكتب مثله، حيث قرأ “ما يزيد عن 1400 كتاب”، معتبرا أن الحجاب ليس فريضة.. وأوضح الشوباشي أن موعد التظاهرة لتلبية دعوة خلع الحجاب قابل للتغيير لاسيما أنه تقدم بطلب للأجهزة الأمنية للحصول على تصريح رسمي للتظاهر وهو ما لم يحدث بعد.
في المقابل، كان للأزهر رأي في دعوة الشوباشي، حيث رأى أن الدعوة لخلع الحجاب نوع من امتهان كرامة المسلمات.. وكيل الأزهر عباس شومان قال في بيان له إنه من الأمور المجمع على فرضيتها من فقهاء المسلمين قديما وحديثا ارتداء المسلمة للحجاب متى بلغت، فإذا التزمت المسلمة بفرائض دينها فإن المطالبة بترك الحجاب والتظاهر من دونه يعد من التدخل السافر والاعتداء الصارخ على حرية وكرامة الإنسان فكما لا يجوز لإنسان أن يطلب من المرأة ترك الصلاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يجوز مطالبتها بترك الحق الذي آمنت به من تلقاء نفسها ورضيته لنفسها.. وأضاف أن “أبسط ما يقال في هذا المقام يجب على دعاة الحريات ترك الحرية للفتاة المسلمة لإظهار تعاليم دينها كما تترك غير الملتزمة من دون ملاحقة من أحد على ترك حجابها مع الفارق بينهما”.
ورغم أن الدعوة لخلع الحجاب أثارت جدلاً بين صاحبها، والمؤسسات الدينية من جهة، من جهة أخرى بينه والرافضين لها، لكنها أثارت تساؤلاً بشأن الأسباب التي تدفع إلى تزايد عدد المحجبات في فترة ما أو انتشار ظاهرة خلع الحجاب في فترة أخرى.
سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية قال : “ارتداء الفتيات للحجاب في مجتمع ما يعود للظرف الذي يعيشه المجتمع، فمثلاً في مصر، حينما خرجت هدى شعراوي لتخلع الحجاب، فكان هذا سببه الحماسة والاستقلالية التي أشعرت الجميع بأن خلع الحجاب سيكون نوعا من التقدم، لكن في فترة مثل نكسة 1967 وجدنا موجة انتشار الحجاب وعودته بقوة، وهو ما أطلق عليه عدد من المؤرخين أسلمة المجتمع المصري وسببه أن الهزيمة دفعت الكثيرين للتمسك بالدين، واستمر الأمر كذلك، إلى حين وصل للصورة التي نحن عليها”.
وأضاف صادق: “المشكلة الحقيقة أننا لدينا ثقافة مسمومة، سواء على الصعيد الديني أو على صعيد الحريات، فإجبار الفتاة على ارتداء أو خلع الحجاب هو جوهر تلك الثقافة المسمومة”، لافتاً إلى أن “هناك من اعتاد أن يربط بين الارتداء أو الخلع وبين وجود عائق نفسي أو أخلاقي، لكن يبقى الأمر محصورا بحسب البيئة والطبقات التي تقبل بخلع الفتاة للحجاب، وهو ما لم يصبح ثقافة بعد لدينا”.
* وكالة أنباء الأناضول