في الأسبوع الماضي، اُتهم رسام كاريكاتير ماليزي بالتحريض على الفتنة من خلال نشر تغريدة ينتقد فيها الائتلاف الحاكم. واُتهم ذو الكفل أنور حق، المعروف باسم زونار، بتسع تهم بسبب سلسلة من التغريدات التي تدين السلطة القضائية في البلاد. وجاءت هذه الاتهامات “وسط إجراءات حكومية صارمة ضد المعارضين السياسيين ووسائل الإعلام باستخدام قانون يعود للحقبة الاستعمارية“، الذي “انتقده النقّاد بقوة باعتباره خطوة لقمع حرية التعبير“.
ما مشكلة هؤلاء الساسة والطغاة؟ ألا يتقبلون المزاح؟ لماذا يغضب الجنرالات الأقوياء، والطغاة القتلة، ورجال الدين المتكبرين، عندما يسخر منهم شخص ما؟
“حكمت محكمة تركية على اثنين من رسامي الكاريكاتير بـ 11 شهرًا و20 يومًا في السجن بتهمة إهانة الرئيس رجب طيب أردوغان“. هل يدخل شخص ما السجن لرسم بعض الخطوط التي تجعل الناس يضحكون؟
ربما الحالة الأكثر شهرة لرسام كاريكاتير تعرض لهجوم وحشي من قِبل الطاغية الحاكم بسبب شجاعته ومخيّلته هو رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات. أخبر شقيق فرزات، أسعد، قناة الجزيرة أنّ “شقيقه اُختطف في الساعة الخامسة مساءً على يد خمسة مسلحين من خارج منزله، وأخذوه إلى طريق المطار“. وتعرض لضرب وحشي، كسروا أصابعه، وأخبروه ألّا يسخر من قادة سوريا. نجا فرزات من الهجوم وتمكّن من رسم صورة لنفسه يشير إلى الأسد بإصبعه الأوسط.
وكان فرزات رسام الكاريكاتير السوري الوحيد الذي تحدى وسخر من النظام السوري القاتل. وجاء في أحد التقارير: “لم يكن الكاريكاتير والرسوم المتحركة من الفنون الشائعة في سوريا، ولكنها أصبحت أداة جديدة وقوية للتعبير في ظل استمرار حِدّة القتال. يصوّر رسّامو الكاريكاتير الانتفاضة ضد حُكم بشار الأسد من خلال الرسومات، وكذلك نقل رسائل للشعب السوري وبقية العالم“.
يرغب الأسد وأمراء الحرب المخيفين في الانتقام، وخاصة من أولئك الذين يتجرأون ويسخرون منهم. تم العثور على المغني السوري الساخر وكاتب الأغاني إبراهيم قاشوش مذبوحًا بعد غناء أغنية احتجاجية شعبية يطالب فيها الأسد بالرحيل. تخيل: اقتلاع حنجرة مغني لرسمه ابتسامة على وجوه الناس!
وكان رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي ضحية أخرى لأصحاب النفوذ الذين لا يستطيعون أن يروا كم هم تافهون وحمقى. قُتل ناجي العلي، مبدع الشخصية الأسطورية “حنظلة”، في لندن في عام 1987.
التاريخ المعاصر لإيران مليء بالساخرين ورسامي الكاريكاتير الشجعان في طليعة هذا العمل الاستفزازي، يبقون على أوطانهم في حالة من الإثارة المستمرة. من “علي أكبر ديخودا” في ذروة الثورة الدستورية (1906-1911) إلى المطبوعات الدورية من شيلينغار وتوفيق إلى الشخصية الأسطورية للراحل أردشير محصص (1938-2008)، لم يكن الإيرانيون في حاجة إلى رسامي كاريكاتير مهتمين بهذا المجال، وأكفاء، وشجعان، أو إلى ساخرين يهزون مقاعد السُلطة. واليوم، مانا نيستاني من بين أبرز رسامي الكاريكاتير الإيرانيين، يعيش بأمان في مكان ما في أوروبا، يرسم ويقهقه في سلام.
لا يوجد ترخيص للسخرية
السماح بالسخرية من السُلطة ليس رخصة للسخرية من الضعفاء. مقتل رسامي الكاريكاتير في صحيفة تشارلي إيبدو من قِبل عصابة من القتلة الإسلاميين في باريس لن ولا يمكن أن يخفي حقيقة أن هذه الصحيفة الساخرة متورطة في أعمال قذرة من السخرية والاستهزاء بعقيدة الملايين من المهاجرين المسلمين الذين يعانون من الإهانة أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في العواصم الأوروبية للمستعمرين السابقين. قال إيمانويل تود، عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي البارز والمؤرخ، إنّه، في السياق الحالي في فرنسا، ازدراء الدين الإسلامي يعود إلى إذلال الضعفاء في المجتمع. ومع ذلك، فإن رد الفعل الوحيد تجاه رسم كاريكاتوري تافه، هو الشعور بالملل والإعراض عنه، وليس وضع مسدس فوق رأس شخص ما.
ولكن حتى الرسوم الكاريكاتورية والنكات السخيفة والعنصرية لها مغزى. النمو العقلي المتوقف لـ بيل ماهر، الواضح في نكاته السخيفة والتافهة عن المسلمين والعرب، والنساء، والفلسطينيين، هو في الحقيقة مقياس دقيق لمستوى ذكاء الأشخاص الذين يجدون أنّه شخصية كوميدية مضحكة. وينبغي ألا يرفض أي مجتمع مثل هذا التقييم الدقيق لمستوى ذكاء الأشخاص. إنها علامة جيدة للأمراض التي يجب علينا أن نأخذها على محمل الجد. صحيفة شارلي إيبدو وبيل ماهر هما أعراض لهذا المرض؛ فأنت لا تضحك أو تصمت وتخفي مثل هذه الأعراض، بل تستخدمها لتشخيص المرض.
يقول رسام الكاريكاتير الباكستاني، شهيد محمود: “أعتقد أنّه يجب السماح لأي شخص بالظهور والتعبير عن رأيه”. وأضاف: “لكن لا أعتقد أن العمل الذي أظهرته المجلة الباريسية كان جيدًا، وأنا في الواقع لا أفكر فيه باعتباره هجاء عالي الجودة أو تعليقًا سياسيًا. ولأني نشأت في باكستان، أعتقد أنّ المسلمين عمومًا ينبغي أن يكون لديهم إيمان أكثر في عقيدتهم؛ أعني: دعوا الناس يقولون ما يريدون، إنّه مجرد رأي. ثقوا بعقيدتكم!“.
نأخذ مثالًا آخر: السمات العنصرية المتأصلة في المجتمع الأمريكي عادت إلى الظهور مجددًا في السنوات القليلة الماضية؛ حيث انتشرت رسوم عنصرية ضد الرئيس أوباما، واستخدام التعبيرات التافهة وبعض الصور النمطية القذرة للأمريكان الأفارقة في الولايات المتحدة. وهذه علامات مرضية أنّ مجرد انتخاب رئيس أمريكي من أصل أفريقي في بلد ما، لا يعني أنّ هذا البلد شُفي تمامًا من أمراضه العنصرية.
في كتابه “رابليه وعالمه”، قال ميخائيل باختين إنّ الضحك له تأثير علاجي وتحرري بسبب قدرته على إهانة السُلطة. أحيانًا، يصبح الطغاة التافهين مجرد رسوم كرتونية لذواتهم، دون رسام كاريكاتير يشير لهم بإصبعه (الأوسط). أعترف أن مجرد نظرة واحدة إلى عبد الفتاح السيسي وهو يرتدي نظارته الشمسية تجعلني أضحك ليوم كامل، أكثر من أي رسومات ساخرة أخرى، وأستيقظ في اليوم التالي مع ابتسامة على وجهي!
الجزيرة – التقرير