تكشف الحفاوة الإعلامية وزخمها وطبيعة وعمق التعاطي الإعلامي والصحفي باستقبال الرؤساء والملوك، القضايا السياسية المسكوت عنها وخبايا أخرى، فبالمقارنة بين حفاوة استقبال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي في زيارته للسعودية في 16 فبراير الماضي والتفاعل الإعلامي معه والترحيب به، وبين زيارته أول أمس تتضح أمور أخرى يمكن قراءتها من بين السطور، تؤشر على خلافات سياسية مكتومة بين البلدين خاصة بشأن الأزمة اليمنية التي أدت إلى التدخل العسكري بتحالف عربي تحت اسم “عاصفة الحزم” والتي تعد المتغير الأساسي بين الزيارتين.
وتطرح المقارنة أيضًا علامات استفهام عن العلاقات بين عالم غامض يربط الإعلام والسياسة وكبار المسؤولين والإعلاميين، حيث أكد محللون عن دعم غير معلن للإمارات لعدد من المنابر الإعلامية السعودية بشكل أو بآخر .
تغير كبير بين الزيارتين الأولى والثانية
الفارق الأول والظاهر بين الزيارتين استقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بنفسه، في 16 فبراير الماضي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات.
كما تفاعلت وسائل الإعلام السعودية حينها مع زيارة بن زايد بقوة بينما لم تحظ زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح التي سبقته بيوم واحد للرياض بالقدر نفسه رغم أنه التقى الملك سلمان وعدداً من القيادات السعودية.
ورصد خبراء بالزيارة الأولى ما أسموه بالحفاوة المصطنعة والدعاية الممجوجة للزيارة الأولى لمحمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، في إشارة إلى الدور الإماراتي الخفي واستمالة صحف ووسائل إعلام سعودية، ورؤساء تحرير ومحررين وكتاب بجانب الإعلانات في المناسبات، والزيارات والدعوات السياحية.
بينما في الزيارة الثانية أول أمس لم يستقبل الملك سلمان، بن زايد، بينما استقبله ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، في قصره بالرياض، كذلك لم تنل الزيارة اهتماما إعلاميا كافيا، كما أنها زيارة خاطفة استمرت عدة ساعات.
توتر في العلاقات بين الرياض وأبو ظبي
وفي هذا الإطار رجحت مصادر أن هناك توترا في العلاقات السعودية-الإماراتية انعكست على المراسم الخاصة بالزيارة لتكشف أعماقا أبعد للمسألة حيث قال مصدر سعودي في تصريح صحفي: “إن العلاقات السعودية الإماراتية تشهد توترا متصاعدا، بسبب الاختلاف في مقاربة البلدين تجاه قضايا المنطقة، وخصوصا الأحداث المتسارعة في اليمن”.
وأضاف المصدر -الذي طلب عدم كشف هويته-: “أن بن زايد اضطر للانتظار لمدة عشرة أيام، قبل أن تأتيه موافقة السعودية على الزيارة”.
كذلك التقى ولي عهد أبو ظبي خلال الزيارة فقط بوزيري الداخلية والدفاع السعوديين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، ولم يتمكن من مقابلة ولي العهد أو الملك سلمان، لافتًا إلى أن الزيارة لم تحظ بتغطية إعلامية أو اهتمام سعودي، معتبرًا أن “هذه المؤشرات تحمل دلالات واضحة على تراجع الدفء في العلاقات بين البلدين”.
دعم الإمارات للحوثين وصالح يثير غضب الرياض
وعن أسباب التوتر بين الرياض وأبو ظبي كشف المصدر نفسه، أن الرياض غير راضية عن الموقف الإماراتي من التطورات في اليمن، وخصوصا ما تعتقد أنه “محاولة إماراتية لإمساك العصا من المنتصف، من خلال المشاركة في عاصفة الحزم من جهة، ودعم ميليشيات الحوثيين “الشيعة المسلحة” وعلي عبد الله صالح من جهة أخرى”.
وتتعدد التفسيرات التي تجيب عن تساؤل: لماذا لم يستقبل الملك سلمان، بن زايد في الزيارة الثانية؟ ومنها ما أشارت إليه مصادر دبلوماسية خليجية أن دعم أبو ظبي السابق للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح والحوثيين ومساعدتهم في السيطرة على صنعاء ومناطق واسعة باليمن هي السبب الرئيس.
وذكرت المصادر في تصريحات صحفية أن ما وصفته بـ”جو من عدم الثقة” سيطر على لقاءات ومباحثات الشيخ محمد بن زايد مع المسئولين السعوديين خاصة في ظل تحصل الرياض على معلومات جديدة حول دعم أبوظبي لصالح والحوثيين وتيقنها من أنه لولا هذا الدعم ما كانا قد تمكنا من الهيمنة على اليمن والإطاحة بالحكم الشرعي فيها، الأمر الذي يهدد الأمن القومي الخليجي.
وقد يعزز من صحة هذه التحليلات أنه وبالتزامن مع زيارة ولي عهد أبو ظبي الأخيرة للرياض كشف في 13 إبريل الجاري الباحث الأمريكي والصحفي الاستقصائي، “نفيز أحمد” عن أن دولة الإمارات دعمت مليشيات الحوثيين في اليمن بمبلغ مليار دولار، وذلك عن طريق نجل الرئيس المخلوع “علي عبد الله صالح”.
ونقل الباحث، في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن مصدر مقرب من الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” قوله إن الإمارات لعبت دورًا رئيسيًا في تقدم الحوثيين باليمن من خلال تقديم تمويل العملية لـ”صالح”، مؤكدًا على وجود أدلة متزايدة على أن الولايات المتحدة، من خلال حلفاء لها في الخليج هم كل من الإمارات ونظام الملك السعودي الراحل “عبد الله بن عبد العزيز”، قامت بإعطاء الحوثيين الضوء الأخضر لشن هجومهم باليمن في سبتمبر الماضي”.
كذلك تواترت منذ بدء “عاصفة الحزم” أنباء عن مخاوف سعودية من مشاركة برية محتملة للإمارات ومصر باليمن بسبب الموقف المتناقض لكلا البلدين من جماعة الحوثي بالرغم من إعلان البلدين دعمهما للعملية العسكرية وأهدافها، والرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي.
شؤون خليجية