في أعقاب قرار رفض البرلمان الباكستاني المشاركة البرية في حرب اليمن، أشار نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى انحسار المنافسة بين مصر وباكستان لصالح القاهرة، حيث كانت المملكة تخطط للاستفادة من القوة البشرية لأحد الجيشين الكبيرين لصالح حملتها البرية المرتقبة في اليمن، واعتبر البعض الانسحاب الباكستاني فرصة ذهبية للرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» لفرض شروطه المالية على السعودية مقابل المشاركة البرية في الحرب، حال حدوثها.
وحتى المغرد السعودي الشهير «مجتهد» كتب يقول: «بعد الرفض الباكستاني محمد بن سلمان يفكر جديا بتنفيذ الشروط المصرية لإرسال قوات ودفع المبالغ التي يطلب فيها السيسي مقدما»، فمن يدفع فاتورة التدخل البري في اليمن؟ ومن هي الشروط المصرية؟ وهل تستجيب المملكة للشروط المالية المصرية أم تعود للحليف الأمريكي في ظل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة عن عدم ترك أمريكا إيران تفرض نفوذها علي الخليج؟
من يدفع فاتورة التدخل البري؟
فمع دخول قصف التحالف العربي مواقع الحوثيين في صنعاء الأسبوع الثالث، إلا أن قرار التدخل البري لم يحسم بعد، الأمر الذي يعتبره خبراء عسكريون تهديدا بفشل عملية عاصفة الحزم خاصة في ظل استمرار التدخل الحوثي، رغم الضربات الجوية.
ومع الوقت أصبح تأخر التدخل البري لغزاً يحير الجميع، وسط تحذيرات من «وحل» قد تغرق فيه أي دولة تشارك بريا بسبب الطبيعة القبلية اليمينة إضافة إلى طبيعتها الجغرافية الجبلية، إضافة الدعم الإيراني الذي سيطيل أمد الحرب ويحولها إلي حرب استنزاف لأي جيش عربي، مع توقعات باللجوء إلى الحل السلمي التفاوضي بعد إجبار الجميع على الجلوس على طاولة التفاوض، ما يجعل التحالف السني قاصرا على الضربات الجوية على غرار ضربات التحالف الدولي في العراق.
وزاد هذه الحيرة المنافسة المصرية الباكستانية في بداية الأمر حول إرسال قوات برية، وتفضيل السعودية لباكستان قبل أن يرفض البرلمان الباكستاني المشاركة العسكرية، كما زادها رفض دول خليجية التدخل البري مثل قطر، وحياد أو عدم وضوح مواقف دول أخرى مثل الإمارات وعمان، بينما في مصر والسودان والمغرب يجري التحذير من مغبة التدخل البري وخسائره الضخمة وبخاصة أن مصر تحمل سابقة لا تنسى للحرب في اليمن.
وزير الدفاع القطري «حمد بن علي العطية»، قال إن «التدخل البري في اليمن ليس واردا في الوقت الحالي»، ونكتفي بالدعم الجوي للقوات المسلحة اليمنية فقط وفقاً لوكالة خبر الفلسطينية، بينما صوّت البرلمان الباكستاني لصالح قرار يحث الحكومة على التزام الحياد في النزاع الدائر في اليمن وتكثيف الجهود لإيجاد حل سلمي، رافضا طلب السعودية من إسلام أباد المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده ضد الحوثيين.
ومع حسم البرلمان الباكستاني موقفه بشكل نهائي، سوف تضطر المملكة للاستجابة لشروط مصرية مالية، حال أرادت تنفيذ عملية برية في اليمن، وكان الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» قد صرح يوم الأحد 15 مارس/أذار في ختام المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، إن بلاده تحتاج من 200 إلى 300 مليار دولار لإعادة بناء اقتصادها.
وعندما زار وزير الدفاع المصري «صدقي صبحي» باكستان، قبل الرفض البرلماين، قيل إن الزيارة تهدف إلى تنسيق عملية التدخل البري التي قد تلجأ إليها قوات التحالف لإضعاف القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن، والتي ينتظر أن تكون باكستان إحدى الدول المشاركة فيها، وعندما زار السعودية عقب زيارته لباكستان قال إنه بحث مع نظيره السعودي «سبل تعزيز العمل العسكري المشترك في التحالف بما يحقق أهداف العملية العسكرية وعودة الشرعية بشكل كامل في اليمن»، ما يؤشر لنية الرياض الاعتماد على القوات البرية المصرية في حالة التدخل البري.
خيارات محدودة
تبدو خيارات المملكة محصورة بين خيارات ثلاثة، أولها هو الاكتفاء بالضربات الجوية القائمة وتعزيزها لتصبح أكثر فاعليةـ رغم يقينها أن الضربات الجوية وحدها لاتكفي لصناعة نصر حاسم ضد الحوثيين، وأن أقصى ما تستطيع أن تفعله في أفضل الأحوال هو إجبارهم على طرح القضايا موضع الخلاف على مائدة التفاوض.
الخيار الثاني هو تعزيز الضربات الجوية بقوة برية بما قد يحمله ذلك من مخاطر، وإذا كانت السعودية فضلت باكستان في البداية لأسباب تتعلق بسبق تعاون البلدين في حماية قوات باكستانية لمنشأت سعودية، ورغبة السعودية في عدم الخضوع للابتزاز المالي والسياسي الذي يمارسه بحقها الرئيس المصري، إلا أن الأقدار لما يأت بما تشته السعودية، فرئيس الوزراء الباكستاني ليس مطلق القرار في دولته وينبغي عليه الرجوع للبرلمان، أما السيسي فيحكم مصر فعليا منذ قرابة عامين منفردا بدون وجود مؤسسات شرعية أو دستورية تشارك في صناعة القرار.
الخيار الثالث أن تلجأ المملكة لطلب مساعدة الولايات المتحدة في الضربات الجوية وفرض منطقة حظر طيران ممتدة لتوفير الفرصة لقوات الجيش اليمني المعارضة للحوثيين ومعهم القبائل السنية لإحراز تقدم علي الارض، تزامنا مع اللجوء إلي الخيار السلمي عبر قرارات من مجلس الامن تضيق الأمر علي الحوثيين، حيث سيُصوِّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة،الجمعة،على قرار بإدراج كل من «أحمد علي صالح» نجل الرئيس اليمني السابق، وزعيم الحوثيين «عبد الملك الحوثي» على القائمة السوداء، وفرض حظر للسلاح على المقاتلين الحوثيين الذين يسيطرون على معظم أنحاء اليمن، ولكن يبقى أن أي تدخل أمريكي مباشر قد يهدد بتعطيل توقيع الاتفاق النهائي المنتظر بشأن برنامج إيران النووي في يونيو/جزيران.
الولايات المتحدة وعاصفة الحزم
ففي أعقاب توقيعها الاتفاق النووي مع إيران، بدأت واشنطن تبدي اهتماما أكبر بما يجري في اليمن، واعترف وزيرالخارجية الأمريكي «جون كيري» اعترف صراحة الخميس في مقابلة تلفزيونية أن بلاده ستقف في وجه إيران قائلا: «إن إيران يجب أن تعرف أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الايدي أمام زعزعتها استقرار المنطقة».
وأوضح «كيري» أن بلاده تعلم جيدًا دعم إيران لـ«جماعة الحوثي» في اليمن، مؤكدا على عدم سعي واشنطن لمواجهة مع إيران، كما أعلنت وزارة الدفاع الامريكية الأربعاء أن سلاح الجو الأمريكي بدأ تزويد الطائرات المقاتلة التابعة لتحالف دعم الشرعية بالوقود.
من جانبه تساءل الكاتب الفرنسي «جون بيير بيران» بصحيفة (ليبراسيون) أمس الجمعة عن الهجوم الذي تقوده السعودية في اليمن لمواجهة الحوثيين، قائلا: «هل هو حرب جديدة للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة؟».
وبحسب الصحيفة، فإن هناك أنباء ترددت مؤخرا أن الولايات المتحدة أنشأت خلية في السعودية بقيادة الجنرال «لويد أوستن»، قائد القيادة المركزية الأمريكية وقوات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ما يشير لأن «الضباط الأمريكيين هم من يخططون للغارات الجوية في اليمن، والصراع الدائر حاليا هو حرب أمريكية جدية لأمريكا في الشرق الأوسط»، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وقد أشار الكاتب إلى ما أوردته صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلًا عن مسؤول أمريكي أن:«المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين يستخدمون تدفقات المعلومات الاستخباراتية من الطلعات الجوية الاستطلاعية فوق اليمن لمساعدة السعودية في اتخاذ القرار فيما يخص المناطق التي ينبغي قصفها وتوقيت القصف».
وعلى الرغم من أن واشنطن أكدت أنها لا تسعى للمواجهة مع طهران، فإن «كيري» قال صراحة: «لا يمكننا الابتعاد عن تحالفاتنا وصداقاتنا ويجب علينا الوقوف مع أولئك الذين يشعرون بأنهم مهددون نتيجة لاختيارات إيران».
هل تدخل إيران الحرب؟
والملفت أن التصريحات الأمريكية التي تشير لعدم التخلي عن السعودية وحلفائها في الخليج بالتزامن مع أنباء وجود خلية عسكرية أمريكية تدير المعارك هناك، جاءت مواكبه لتصريحات أيرانية وتهديدات ساخنة من مرشد الثورة الإيرانية تحدث فيها عن «عقاب» السعودية و«تمريغ أنفها في التراب»، ما أثار تساؤلات حول الدور الإيراني مستقبلا في الحرب في ظل حشد بوارج حربية في باب المندب وتحركات عسكرية ورحلات جوية لدعم الحوثيين بالسلاح.
فعلي غير المعتاد، وفي نبرة حادة بعد فترة صمت دبلوماسي، استنكر الزعيم الإيراني «آية الله علي خامنئي» التدخل العسكري السعودي في اليمن، واصفا إياه بالإبادة الجماعية، وقال إن «السعودية لن تخرج منتصرة من الحرب في اليمن».
وقال «خامنئي» في كلمة بثها التلفزيون: «عدوان السعودية على اليمن وشعبه البريء خطأ، وقد أرسى سابقة سيئة في المنطقة، هذه جريمة وإبادة جماعية يمكن أن تنظرها المحاكم الدولية»، وأضاف أن «السعودية ستتلقى الضربة فيما يحدث في اليمن، ويمرغ أنفها في التراب».
وكان من اللافت قوله «أن أمريكا ستتلقى هي الأخرى ضربة وتهزم في اليمن»، ما يشير ربما لصحة ما ذكرته الصحيفة الفرنسية عن وجود أمريكي في الرياض لإدارة معركة عاصفة الحزم.
واتهم «خامنئي» السياسية السعودية بتغليب «التوحش على الاتزان»، مقللا من شأن الإدارة السعودية بقوله: «شبان قليلو الخبرة هم من يتولون زمام الأمور في البلاد».
ولا شك أن طبيعة التحركات الايرانية هي التي سوف تحدد طبيعة المعارك مستقبلا، وهل تدار الحرب بالوكالة علي أرض اليمن بين القبائل اليمنية السنية التي كانت تدعمها السعودية سابقا مع قوات يمنية معادية للحوثيين من جانب، والقوات الحوثية من جانب أخر، أم يحدث صدام مباشر بين السعودية إيران، أم يفضل الطرفان اللجوء إلى الحلول السياسية الوسطى.
الخليج الجديد