ناقش الإعلامي محمد اليحيائي في ورقة بحثية منشورة في مركز الجزيرة للدراسات، أبعاد مرض السلطان قابوس بن سعيد، قائد البلاد، المفاجئ ورحلة علاجه التي استغرقت ثمانية أشهر في الخارج “يوليو 2014- مارس 2015″، الذي أثار أسئلة وقلقًا عميقين في الداخل والخارج على السواء، وذلك فيما يتعلق بمستقبل الاستقرار السياسي في عُمان وضمانات الانتقال الآمن للحكم، وأيضًا على مستقبل خمسة وأربعين عامًا من مشروع الدولة الحديثة “دولة النظام والمؤسسات”، وبات سؤالا الاستقرار والاستمرارية من الأسئلة الملحة في هذه المرحلة.
الدستور: شرعية السلطان القادم، ودور المؤسسة العسكرية
يذكر اليحيائي في ورقته البحثية أن للمادة السابعة، على وجه الخصوص، دلالة لم تستوقف الكثير من الباحثين، أبرزها أن شرعية السلطان الذي سيخلف السلطان قابوس لن تكون مستمدة من وراثته الحكم ولا من اختيار العائلة المالكة له ولا حتى من خلال توصية السلطان السابق فقط، ولكن أيضًا من خلال المثول أمام ممثلي الشعب وممثلي المؤسسة العسكرية، وأداء القَسَم، المشار إليه في المادة السابعة.
غير أن السؤال الذي تُثيره المادة السابعة وتُجيب عليه في الآن ذاته، هو: ما هي القوة التي تُلزم السلطان الجديد باحترام النظام الأساسي للدولة والقوانين، إذا ما قرر لأي سبب من الأسباب الانقلاب على التزامه الأخلاقي ونكثه بقسم اليمين، كإعلان حالة الطوارئ في البلاد “الأحكام العرفية”، وحل مجلس الشورى الذي يعني توقف جلسات مجلس الدولة تلقائيًّا، ورغم أنه أمر افتراضي مُستبعد حدوثه لما يمثله السلطان قابوس من مكانة رمزية كبيرة في حضوره وفي غيابه، إلا أن ثمة احتمالًا وإن كان ضئيلًا لحدوث أمر كهذا، وثمة تجارب كثيرة للانقلاب على الدستور أو تغييره وحلِّ المؤسسة التشريعية في دول نظام الحكم فيها جمهوري يقوم على الشراكة وإن على المستوى النظري، عكس ما هو عليه الأمر في نظم الحكم الملَكية المطلَقة التي تلغي مبدأ الشراكة في الحكم أصلًا.
إن المشرِّع الذي صاغ المادة السابعة -وفي هذا المقام هو السلطان قابوس ومستشاروه- تنبَّه دون أدنى شك، إلى احتمال عدم التزام السلطان الجديد بالنظام الأساسي للدولة، رغم ضعف هذا الاحتمال، كما أن السلطان قابوس ومستشاريه الذين شاركوا في اقتراح وصياغة مواد النظام الأساسي للدولة، يعرفون عدم مقدرة الشعب على حماية “دستور” لم يكن شريكًا فيه ولا حتى بالرأي غير الملزم؛ لذا ألزمت المادة السابعة السلطان الجديد أن يؤدي قَسَم اليمين أمام ثلاث قوى: دينية، أخلاقية هي “الله”، اعتبارية، أخلاقية هي “الشعب”،والثالثة: مادية قادرة على حماية النظام والنظام الأساسي للدولة هي المؤسسة العسكرية ممثلة في “مجلس الدفاع”.
ويوضّح اليحيائي أن النظام الأساسي للدولة اعطى المؤسسة العسكرية في عُمان دورًا محوريًّا، مهمًّا ومؤثرًا في أمرين:
الأول: قيام “مجلس الدفاع” بتثبيت السلطان الجديد الموصَى به في رسالة السلطان السابق إلى مجلس العائلة المالكة وذلك في حال “لم يتـفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطـان للبلاد”، والثاني: تأدية السلطان الجديد القسم في “جلسة مشتركة لمجلسي عُمان والدفاع”.
إن الدور الذي أعُطي للمؤسسة العسكرية في ترتيبات انتقال الحكم في عُمان يمكن أن يكون ضمانة لانتقال آمن لولاية الحكم، وعامل توازن مطلوبًا بين السلطان الجديد وفريق حكمه من جهة، وبين مؤسسات الدولة القائمة ومشروع السلطان قابوس في بناء دولة تقوم على النظام والقانون والمؤسسات من جهة أخرى؛ ولكن دون اكتمال آليات تشريعية تحمي هذه المؤسسات وذلك المشروع من التعطيل في عهد السلطان الجديد، لكنها تضمن اكتمال المسيرة عبر الانتقال من حالة مؤسسات الدولة التي بلغتها عُمان في عهد السلطان قابوس إلى حالة دولة المؤسسات التي يُراد بلوغها.
في المقابل، يرى الباحث بأنه يمكن أن يُشكِّل الدور المركزي للمؤسسة العسكرية عامل قوة للسلطان الجديد، يُمكِّنه من القيام بما يراه مناسبًا وخادمًا لتوجهاته ورؤيته ورؤية فريق عمله للحكم بما في ذلك التراجع عن بعضٍ من مكتسبات عهد السلطان قابوس، وهذا يتوقف بالطبع على قُرب أو بُعد القادم الجديد إلى سُدَّة الحكم في عُمان من المؤسسة العسكرية وأيضًا على حيادية ومهنية المؤسسة العسكرية.
سيناريوهات التغيير المحتملة
يذكر اليحيائي أن السلطة استجابت بصورة سريعة لمطالب الشعب أثناء احتجاجات 2011، تمكنت من خلالها من امتصاص غضب الشارع لكنها لم تُنتج تغييرًا لا في طبيعة، ولا في طريقة عمل الحكومة التي بقيت مرتبطة، في صغير عملها وكبيره، باسم السلطان الذي يُجرِّم القانون انتقاده أو المساس بشخصه.
ويرى إن واحدة من المشكلات التي تعاني منها السُلطة في عُمان، حالها في هذا حال باقي السُلطات في العالم العربي، هي عدم قدرتها على فهم ومواكبة الحراك الاجتماعي المتسارع والبيئة المعرفية الجديدة التي وفرتها ثورة الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، خصوصًا وسط جيل الشباب، وبالتالي غياب خطاب مشترك بين سلطات ثابتة مغلقة ومجتمع متحرك منفتح. إن تغير البيئة السياسية والمعرفية وانهيار حائط الخوف لدى الشعوب، وفئة الشباب على نحو خاص، بعد أحداث 2011 ، يستوجب من السُلطة في عُمان إدراك حقيقة أن الشباب ليسوا مستعدين لمنح الحاكم القادم الدرجة نفسها من السيطرة التي منحها آباؤهم للسلطان قابوس، بحسب رأي اليحيائي.
يذهب اليحيائي إلى أن تعيين رئيس لمجلس الوزراء من خارج العائلة المالكة، يُطلَب من السلطان تشكيل حكومة تُعرض على مجلس عُمان للمصادقة عليها قبل رفعها إلى السلطان للاعتماد؛ حيث سيحتفظ السلطان قابوس -بحسب بعض المطلعين منه- في حال إقدامه على تعيين رئيس وزراء، لنفسه ولمن سيأتي من بعده بالحق في اختيار وزراء ما يُعرف بوزارات السيادة كالدفاع والمالية والخارجية وديوان البلاط السلطاني ووزارة مكتب القصر.
البعض يستبعد إقدام السلطان قابوس على تعيين رئيس لمجلس الوزراء، لا من عامة الشعب ولا من أعضاء الأسرة المالكة، لأن هذا الإجراء قد يعطي الانطباع بأن صحة السلطان ليست على ما يرام، وهذا ما لا ترغب أجهزة السُلطة المختلفة في الإيحاء به.
يختم اليحيائي البحث بتوقعات عديدة تتأرجح بين تغيير جذري مفصلي يُقرِّب عُمان أكثر من “سلطنة دستورية” يُتوِّج بها السلطان قابوس عهده ويُكرِّسه واحدًا من أهم صُنَّاع التاريخ الحديث لعُمان، إن لم يكن الأهم، وبين تغيير تدريجي يُمهِّد الطريق للمرحلة التي تعقب السلطان قابوس ويترك لمن يأتي بعده ما يُمكِّنه من تثبيت أركان حكمه وتعميق شرعيته عبر قرارات مفصلية ستكون مخططًا لها بعناية فائقة. وبين هذه الوجهة وتلك، يبقى أن قادم الأيام يحمل من الأسئلة أكثر مما يحمل من الإجابات التي يترقبها الداخل والخارج على حدٍّ سواء.
مسقط – البلد