إذا كانت الإمارات العربية المتحدة تشتهر بأي شيء، فهذا الشيء هو جزرها المصنوعة من قبل الإنسان وفنادقها المطلية بالذهب، وليس عضلات سياستها الخارجية. ولكن، موجة الجنون التي تجتاح المنطقة ككل حاليًا وضعت كلًا من الإجراءات الصارمة ضد التطرف الإسلامي، ومنع التخريب الإيراني، على رأس جدول الأولويات الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي حين تتوافق هذه الأولويات بشكل جيد مع أهداف جارتها القوية وحليفتها الوثيقة، المملكة العربية السعودية، وأيضًا، مع الولايات المتحدة؛ إلا أنها تضع دولة الإمارات على الطريق لتحقيق أهداف متعارضة مع جارة أخرى وحليفة ظاهرية، هي قطر.
وتعد كل من دبي وأبو ظبي، وهما المدينتان الأكبر من حيث عدد السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة، اثنتين من المدن الأسرع نموًا وازدهارًا في العالم؛ ولهذا، فإن الشيوخ الإماراتيين متحمسون لضمان بقاء الظروف مهيأة لتحقيق المزيد من الازدهار. وبالطبع، لن تستمر مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية والعائدات السياحية بالتدفق إلى البلاد كل عام، إلا في حال كانت مراكز التسوق البرجوازية، والمطاعم الخمس نجوم، وساحات التزلج في الأماكن المغلقة، هي ما يتبادر إلى الذهن عند التفكير بالإمارات العربية المتحدة، وليس الجهاديين والانتحاريين.
ولمواجهة كل من الخدع الإيرانية والصخب الإسلامي، اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجية تتمحور حول وضع الرؤوس الحربية في مقدمة الجهود، وذلك من خلال شن غارات جوية على معاقل الثوار الإسلاميين في ليبيا ومعاقل الدولة الإسلامية في العراق. وخلال الأسبوع الماضي، شاركت الطائرات الإماراتية أيضًا في حملة القصف التي تقودها السعودية على اليمن لإجبار التمرد الحوثي على الخضوع. وقد أدى الصراع اليمني إلى قيام جهد موحد من قبل مجلس التعاون الخليجي (GCC) لمواجهة ما يجري النظر إليه على أنه توغل إيراني سافر في شبه الجزيرة العربية.
ولكن، الإمارات العربية المتحدة لم تكن دائمًا على علاقة جيدة مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين. وقد توترت العلاقات الإماراتية مع قطر بشكل خطير على مدى السنوات القليلة الماضية؛ وحدث ذلك إلى حد كبير، بسبب دعم قطر للحركات السياسية الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة.
ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق في أوائل العام الماضي. وفي مارس عام 2014، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، جنبًا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية والبحرين، بسحب بعثاتها الدبلوماسية من الدوحة، بحجة أن قطر تدعم الإسلاميين الذين يشكلون تهديدًا للاستقرار السياسي الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي ترى أن الدوحة قد انتهكت سياسة مجلس التعاون الخليجي. وكان دعم قطر للإخوان المسلمين هو ما دفع إلى حدوث هذا الخلاف، وأدى إلى وقوع شرخ مثير للقلق بين دول الخليج. وقد هيمنت على السياسة الخارجية الإماراتية والسعودية مخاوف مجنونة من جماعة الإخوان المسلمين، التي يعتبرونها خطرًا حقيقيًا على ملكياتهم المطلقة.
وبعد أن أطاح الجيش المصري بنظام الإخوان برئاسة محمد مرسي، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سريعتين في إقامة العلاقات، وإرسال الأموال الطائلة، إلى الحكومة الجديدة في القاهرة. وأصبح القضاء على أي بقايا لجماعة الإخوان أولوية قصوى، حيث وصفت الدول الثلاث الجماعة رسميًا بالمنظمة الإرهابية.
وأصبحت هذه الدول غاضبة حقًا من قطر أيضًا، وذلك لأن القطريين لم يقوموا فقط بتمويل جماعة الإخوان، بل قدموا المأوى لقادتها المنفيين أيضًا. وردًا على ذلك، استغلت المملكة العربية السعودية هذه الفرصة لاستعراض عضلاتها، وكانت الإمارات العربية المتحدة أكثر من سعيدة لدعم المملكة.
وبحلول نهاية صيف عام 2014، بدأ السعوديون بتهدئة العلاقات مع جارتهم المتمردة. وقد زار أمير قطر الرياض لتقبيل رأس الملك في شهر يوليو، وأخرجت قطر قيادات من الإخوان بعد ذلك بشهرين. ورغم ذلك، لم يكن الإماراتيون على استعداد للغفران والنسيان، بل استمروا في دفع الخطاب الذي يصف قطر كراعٍ للإرهاب يحاول زعزعة استقرار المنطقة.
وما يغذي استمرار العداء هنا هو سياسة عدم التسامح مطلقًا التي تتبعها الإمارات العربية المتحدة تجاه جميع أنواع الإسلاميين، من جماعة الإخوان إلى تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية. وقد أدى دعم قطر لمجموعات متطرفة تقاتل نظام الأسد في سوريا، وفشلها في تضييق الخناق على تمويل المواطنين القطريين لعناصر جهادية، إلى ازدياد الاستياء الإماراتي. وفي ليبيا، خاض الإسلاميون المدعومون من قطر، والمتمردون العلمانيون المدعومون من دولة الإمارات العربية المتحدة، حربًا بالوكالة ضد بعضهم البعض في العام الماضي. وبعد أن قامت الدولة الإسلامية باغتصاب مساحات واسعة من العراق وسوريا الصيف الماضي، شعرت دولة الإمارات العربية المتحدة بأن تحذيرها من دعم الإسلاموية، كان مبررًا فعلًا، بغض النظر عن التكلفة السياسية.
ولا يعني هذا أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تلعب بقذارة في هذه المعركة. فهناك مزاعم بأنها تستخدم شركات العلاقات العامة في المملكة المتحدة لنشر المبالغات حول مستويات رعاية قطر للإرهاب في وسائل الإعلام. وهناك جدل أيضًا حول مزاعم تمويل دولة الإمارات العربية المتحدة في السر لمنظمة غير حكومية، هي الشبكة العالمية للحقوق والتنمية، التي نشرت تصنيفات مواتية جدًا لدولة الإمارات العربية المتحدة، بينما أعطت علامات يرثى لها لدولة قطر، في تقريرها “مؤشر حقوق الإنسان” الذي نشرته العام الماضي. وقد اتهمت الدوحة كذلك بتوظيف شركات العلاقات العامة ومراكز البحوث ووسائل الإعلام لتحسين صورتها على حساب دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتبدو هذه الألاعيب أكثر من مجرد محاولة لمواجهة الدعم القطري للإسلام السياسي. وقد تشير هذه الجهود إلى رغبة دولة الإمارات العربية المتحدة بتحسين موقعها داخل دول مجلس التعاون الخليجي، والنظام الدولي ككل. وبواسطة التحريض على المشاعر المعادية لقطر في الغرب، ستكون دولة الإمارات العربية المتحدة قادرة على تقليص الاستثمارات الأجنبية هناك، وعلى خلق تردد في الدعم الدولي لدورها في استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022. وسوف يشكل الحد من قوة قطر الناعمة فوزًا سياسيًا لدولة الإمارات العربية المتحدة في الرياض، وفوزًا ماليًا للمستثمرين في دبي وأبو ظبي.
وعلى الرغم من إعادة دولة الإمارات العربية المتحدة لسفيرها إلى الدوحة في تشرين الثاني الماضي؛ إلا أنه ليس من المحتمل أن تصبح الدولتان أصدقاءً في أي وقت قريب. ومع ذلك، يشير التعاون الحالي في اليمن إلى أن الخلافات بين دول المجلس لن تمنع حدوث الصراعات الكبرى في الجوار، وإلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال قادرة على إدارة خلافاتها في أوقات الأزمات تحت القيادة السعودية. والسؤال الكبير هنا، هو ما إذا كان التنافس بين دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر سوف يجعل هذا التعاون مستحيلًا في نهاية المطاف.
وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، يعتمد مستقبل العلاقات مع قطر على تعاون هذه الدولة ضد كل من إيران والإسلاميين. وإذا واصلت دولة الإمارات العربية المتحدة الشعور بأن مصالحها الاقتصادية والمحلية مهددة من قبل إجراءات قطر، فسوف تصبح العلاقات أكثر سوءًا.
وسوف يستمر نهج دولة الإمارات في السياسة الخارجية هذا لتشابهه مع العديد من السياسات الغربية، من حيث دعم سياسات السعودية، ومعارضة زحف الإسلام السياسي، وخلق ظروف مواتية للنمو الرأسمالي. ويبدو أن لهذا النهج الكثير من المشجعين في واشنطن، وهو ما قد يزيد من تعزيز موقف دولة الإمارات العربية المتحدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
فايس نيوز – التقرير