مؤشرات متلاحقة على الصعيد الميداني في اليمن تؤشر إلى احتمالية بدء تدخل قوات برية بعملية “عاصفة الحزم”، بعد مرور ثمانية أيام على بدئها بقيادة السعودية، في إطار تحالف عربي، ما يطرح تساؤلات حرجة حول تكلفة ومخاطر هذا التدخل، وعما إذا كانت تشكل مستنقعًا جديدًا، تتورط فيه السعودية وتحالفها، وهل يمكن أن تتسع رقعته الجغرافية في حال تدخل الطرف الإيراني بمواجهات مباشرة، وهل تصعد الحرب البرية من وتيرة الحرب الأهلية في اليمن؟ وما فاتورة التدخل البري ماليًا وبشريًا ومن يدفعها؟ وهل تطيل الحرب البرية أمد الصراع بفتح جبهة حرب العصابات، التي تعجز عنها القوات البرية نظرًا للطبيعة الجبلية لليمن؟
استعدادات السعودية لبدء التدخل البري
تساؤلات جوهرية طرحتها بقوة التطورات الميدانية لعاصفة الحزم، فقد صرح مصدر عسكري سعودي رفيع اليوم، بـ”أن طائرات استطلاع تابعة للتحالف العربي الإسلامي الذي تقوده السعودية، قامت بعمليات مسح واستكشاف لمدينة عدن وضواحيها من تواجد أي قوى تابعة لميليشيات جماعة الحوثيين، وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وذلك بغرض إنزال الجنود من قوات التحالف إيذانًا ببدء الحرب البرية، والتي ستكون بمسمى آخر غير عاصفة الحزم”- بحسب إرم.
كذلك قالت مصادر إعلامية محلية يمنية اليوم، “إن القوات السعودية بدأت، اليوم، في تفكيك السياج الحديدي بالمناطق الحدودية مع اليمن في محافظة حجة، موضحة أن مثل هذا الإجراء يعني بكل تأكيد أن هناك تدخلًا بريًا سيحدث في القريب العاجل”.
أيضًا ذكرت قناة “المسيرة” المملوكة لجماعة الحوثي (أنصار الله) الشيعة المسلحة، أمس “أن جرافات بدأت تمهد الطرق أمام قوات سعودية باتجاه اليمن”، في الوقت نفسه كانت السعودية قد أعلنت عقب بدء عملية “عاصفة الحزم” العسكرية – استعدادهم لشن عملية برية داخل الأراضي اليمنية إذا استدعى الأمر”.
وقال وزير الخارجية اليمني رياض ياسين، في تصريحات صحفية: “إن الرئيس عبد ربه منصور هادي، تقدم بطلب إلى دول مجلس التعاون المشاركة في قوات التحالف، بالتدخل البري”، مشيرًا إلى أن “هناك استجابة من دول الخليج لطلب الرئيس بشأن التدخل البري، لأن عمليات قوات التحالف، عملية متكاملة، ولا تقتصر على القصف الجوي فقط، وفي حال رأى الخبراء العسكريون والمسؤولون عن دعم الشرعية، بدء الحملة البرية، فهم على أهبة الاستعداد”، حسب قوله.
وكان قد دعا وزير الخارجية اليمني “إلى تدخل بري عربي في اليمن بأسرع وقت ممكن، حتى يتم بالفعل إنقاذ البنية التحتية”.
مخاوف من مستنقع مثل أفغانستان
ورصد محللون المخاطر المحتملة للتدخل البري في اليمن في إطار عملية “عاصفة الحزم”، حيث يري المحلل السياسي، “غريغوري جونسون”، أن الشروع في تدخل بري في اليمن سيكون “خطأ كارثيًا” على السعودية ومصر وغيرها من دول التحالف، لافتًا إلى أن مليشيات الحوثيين جماعة مدربة إلى جانب كونها تقاتل على أرضها.
ولفت “غريغوري” في مقابلة عبر سكايب مع شبكة «CNN»، إلى أن السعودية قاتلت الحوثيين في العام 2009، على خلفية قضايا حدودية وكان أداء الجيش السعودي فقيرًا أمام الحوثيين، وقال: “علينا التذكير بأن الحوثيين يقاتلون الآن لأكثر من عقد من الزمن، وهم مدربون جيدًا إلى جانب كونهم يدافعون عن أراض يعرفونها”.
وحذر “غريغوري” من أن التدخل باليمن يشبه ما قامت به أمريكا في أفغانستان، حيث قال: “التحديات والصعوبات التي واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان ستكون شبيهة بما سيكون في اليمن، إن لم يكن تحديًا أكبر وأصعب”.
ونبه اللواء المصري أحمد رجائي الخبير العسكري، في تصريح صحفي، “إلى أنه إذا كانت الحرب جوية وبحرية بدون التدخل البرى فهو أفضل بكثير، أما الحرب البرية فلها محاذير كثيرة، وهي من أهداف الغرب لإضعاف القوتين، لأن أمريكا تريد أن تدخلنا في حرب طويلة المدى”.
وعورة التضاريس.. وحرب عصابات
ويشير خبراء إلى أهمية تدخل القوات البرية لأنها هي التي ستسيطر على الأرض بمشاة ومدرعات ومدفعية، ولكنهم طالبوا أن يكون تشكيل القوات البرية من اليمنيين أنفسهم، لذا لابد من مساعدة الجيش اليمني نفسه عند الدخول البري فيها، لأنه القادر على ذلك.
وعن تقييم التدخل البري وآثاره، أوضح اللواء المصري حمدي عامر، الخبير الإستراتيجي، أن طبيعة اليمن وتضاريسها صعبة جدًا، خصوصًا جبال نجد وعسير ونجران، التي توجد قضية أزلية حولها بين اليمن والسعودية، كما أن الشعب اليمني لديه خبرة كبيرة بهذه الجبال، من حيث القتال البرى فيها، كما أن دخول الدبابات أو العربات المدرعة مستحيل، لأن طرق اليمن طرق وعرة جدًا، والقليل منها ممهد.
وحذر عامر، في تصريح صحفي، “من أن دخول القوات مترجلة سيجعلها سهلة الاصطياد حتى لو كانت أسلحة اليمن بدائية، فعند دخول اليمن بريًا من أي جهة ستتفوق دائمًا اليمن، ولفت إلى أن القوات المصرية ليست لديها خلفية ولا دراسة لهذه التضاريس، فأين ينام الجنود؟ وأين توضع الأسلحة والذخيرة؟ ومن أين تأت لهم بالتعيينات؟ وهذه كلها متيسرة لليمنيين وغير متيسرة لأي أحد غيرهم”.
وحذر خبراء من أن يجر التدخل البري البلاد إلى حرب عصابات أو حرب أهلية خاصة في ظل امتلاك القبائل اليمنية لأكثر من 60 مليون قطعة سلاح، مما سيصعب للغاية مهمة القوات العربية في اليمن، مما قد يحول المعارك إلى حرب عصابات ستكون القوات العربية هي الخاسر الأكبر فيها والمستنزفة، نظرًا لأن الحوثيين متمرسون على الحروب وماهرون في الكر والفر.
ورصد مركز “ستراتفور”، الأمريكي، المعني بالدراسات الاستراتيجية “أن مزايا غزو اليمن بقوة برية كبيرة واضحة للغاية، رغم ذلك، فإنه في الوقت نفسه يبدو أن الإقدام على غزو بري كبير بمثابة عملية منطوية على مخاطر وتعقيدات بالغة الخطورة. وستكون الإصابات مؤكدة تقريباً وبشكل كبير في تلك الحملة، بل ويحتمل أن تكون بأعداد كبيرة بين صفوف القوات المتحالفة التي تحركت برياً”.
حرب الوكالة قد تتحول لحرب مباشرة
ويخشى مراقبون من تحول الحرب القائمة، التي يصفها البعض بحرب بالوكالة بين السعودية “السنية ” وإيران “الشيعية”، إلى حرب مباشرة مع تدخل مباشر لقوات إيرانية باليمن على غرار تدخلها بالعراق وسوريا، معتبرين أنه إذا أصبحت الحرب بالوكالة حربًا حقيقية فستلتهم الحرب الشرق الأوسط، خاصة في حال التوصل لاتفاق نووي يضر بدول الخليج والسعودية، مؤكدين صعوبة حدوث ذلك.
مخاطر اقتصادية وقلق على المدنيين
ويخشى مراقبون من خطورة اتساع رقعة العملية العسكرية باليمن والتدخل البري فيها، لأنه يحمل مخاطر اقتصادية، نظرًا إلى الأهمية الإستراتيجية لمضيق باب المندب، الذي تمر عبره شحنات النفط الخليجي إلى أوروبا وحوض المتوسط.
ويرى توني نونان، مدير المخاطر بشركة ميتسوبيشي العالمية، “أن المواجهة بين إيران والسعودية تزيد من حجم المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط”، ويخشى “ماساكي سويماتسو مدير وحدة الطاقة بشركة نيو إيدج اليابان للوساطة المالية في طوكيو” من وصول النزاع إلى السعودية، مضيفًا: “إذا تعرضت منشآت النفط السعودية للهجوم سيكون الأثر هائلًا”.
وتثير عاصفة الحزم والتدخل البري القلق على تزايد معاناة السكان المدنيين داخل اليمن، وبالفعل تحذر منظمات دولية وإنسانية من تدهور الوضع الإنساني، وتدعو أطراف الصراع إلى احترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين.
كما أعلن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، عن مقتل أكثر من 60 طفلًا على الأقل وإصابة 30 آخرين في المعارك الدائرة في اليمن منذ أسبوع، لافتًا إلى أن “المعارك أصابت الخدمات الصحية الأكثر بدائية بأضرار كبيرة، وكذلك النظام التعليمي”.
كذلك أعربت منظمة الصليب الأحمر الألماني عن قلقها الشديد جراء تدهور الوضع الإنساني في اليمن، وقالت يوليا مايكسنر، منسقة البرامج الإغاثية للمنظمة في اليمن: “إن الوضع المعاشي والإنساني كان سيئًا حتى قبل المعارك الحالية”، وهي الآن “مهددة بالانهيار، فمنذ أيام يتوسع نطاق المعارك ويهرب المزيد من العائلات من مناطق العمليات، في العاصمة صنعاء وعدن وفي شمالي البلاد”.
المشاركون في القوة البرية
لم تتضح بعد طبيعة وعدد القوات البرية المشاركة في حال اتخاذ قرار بالتدخل البري، إلا أن هناك دولاً عديدة أعربت عن استعدادها للمشاركة بجانب السعودية، أبرزها مصر والسودان وباكستان، كما أعلنت تركيا عن دعم كامل للعملية.
ويرى محلل الشؤون العسكرية لدى شبكة “سي.إن.إن” العقيد الأمريكي المتقاعد ريك فرانكونا، أن حجم قوات السعودية المشاركة في الهجوم يدل على تحرك عسكري واسع وطويل الأمد.
وحشدت السعودية نحو 150 ألف جندي مشاة من كافة القطاعات والأسلحة البرية على الحدود مع اليمن، على حد قول العميد أحمد عسيري، المتحدث باسم “عاصفة الحزم”.
وتتواصل اتصالات الرياض مع حلفائها، فيما اعتبره متابعون استعدادًا لتكوين قوة تدخل برية، في الوقت الذي حشدت المزيد من قواتها البرية قرب الحدود الجنوبية.
وأكد مسؤول باكستاني، الاثنين الماضي، أن بلاده ستشارك في العملية العسكرية في اليمن. فيما أعلن الرئيس السوداني “عمر البشير” أن بلاده جاهزة للمشاركة بلواء مشاة، في حال طلب منها ذلك.
شؤون خليجية