ناقش الكاتب ديفيد روثكوف من مجلة “فورين بوليسي” كيف تعمل استراتيجية الرئيس باراك أوباما غير المتماسكة على المساعدة في الحروب والأزمات في الشرق الأوسط.
ويقول الكاتب إن الوضع في المنطقة غير مسبوق، فلأول مرة منذ الحربين العالميتين تنخرط دول المنطقة كلها في نزاعات من أفغانستان إلى ليبيا، والاستثناء الوحيد على ما يبدو هو سلطنة عمان.
ويضيف روثكوف أن الصراعات والتحالفات والعداوات بين الأطراف المتشاركة تحير العقل. ففي الوقت الذي تقاتل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى جانب إيران في العراق، تحارب الولايات المتحدة مع السعودية ضد الحوثيين، الذين يلقون الدعم من إيران في اليمن. وفي الوقت ذاته تتقارب وجهات النظر السعودية مع الإسرائيلية فيما يتعلق بإيران. وفي سوريا تدعم إيران بشار الأسد، أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فقد شجبت أفعال النظام، ولكنها تسامحت مع بقائه في السلطة.
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تريد من دول المنطقة أن تواجه مشكلاتها بنفسها لحماية مصالحها، ليس كما حدث في ليبيا أو بانتظار الإذن من واشنطن.
ويرى الكاتب أن المشكلات التي تعيشها المنطقة تجعل الكثير من الأمريكيين يحاولون الابتعاد عنها وبقدر المستطاع. ويقول الأمريكيون إن مشكلاتها فوق طاقتنا، وإن العداوات التي تشعل الحروب الحالية في الشرق الأوسط قديمة. كما أن النزاعات التي تدور اليوم لا علاقة لها بالحياة اليومية الأمريكية.
ويوافق روثكوف على أن النزاع السني الشيعي، الذي يغذي الحرب في اليمن، وأدى إلى تفكيك دول مثل سوريا والعراق، وصعود تنظيم الدولة، قديم وعمره قرون. كما أن الثورات الحالية تعود إلى إساءة استخدام الأنظمة الديكتاتورية للسلطة. ولكنّ هناك عددا من المشكلات التي تعود إلى السياسات الخاطئة التي تبناها قادة الإمبراطورية البريطانية “الذين لم يكونوا جيدين في عملية بناء الأمم، وهو الدور الذي نصبوا أنفسهم له”. ومع ذلك، فهناك العديد من المشكلات التي ارتبطت بانهيار الصيغ الإقليمية، مثل اتفاق سايكس بيكو، الذي اعتبر صيغة مهجورة بعد قرن من الزمان، ولم يساعد قرار جورج دبليو بوش لغزو العراق في تحقيق الاستقرار، كما لم تساعد سياسات “بيبي” نتنياهو الذي يتصرف كالأحمق.
ويفيد التقرير بأن “الداعين إلى فك الارتباط عن المنطقة يؤكدون أن أمريكا لديها النفط والغاز، وأنه لا حاجة، كما في السابق، إلى الاعتماد على نفط المنطقة. وكما أثبتنا عدم قدرة على بناء الدول والتدخلات العسكرية. والسؤال هنا، لماذا لا نترك المنطقة تحترق؟ وألم تكن تلك خطتنا ولأجل ذلك انتخبنا باراك أوباما؟”.
ويقول الكاتب: “الجواب لا، فالسبب الذي انتخب لأجله أوباما هو إنهاء حربي العراق وأفغانستان، وكانت مهمته حماية أمريكا من تهديدات جديدة تنبع من المنطقة. وكونه رئيسا فهو يتحمل مسؤولية الدفاع عن المصالح القومية الأمريكية في أنحاء العالم كله، وهو ما يعني بقاء أمريكا منخرطة في قضايا الشرق الأوسط”.
ويتابع روثكوف: “أما على جبهة الطاقة، صحيح أن لدى أمريكا وفرة من الطاقة، إلا أن هبوط أسعار النفط العالمي يعني أنها ستؤثر على أمريكا ووضع الطاقة فيها. وأكثر من هذا، ففي حالة تدهور الوضع في المنطقة، واندلاع حروب إقليمية، فسيؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي، وسيتوسع الصراع السني الشيعي. وقد يستفيد تنظيم الدولة المتجذر في المنطقة من الفوضى، ومثله تنظيم القاعدة وجبهة النصرة في سوريا، وحتى فجر ليبيا أو حركة حماس. وقد تتحول ليبيا بسهولة إلى يمن جديد، ما يعني تدخلا إقليميا مثل التدخل السعودي في اليمن”.
ويجد الكاتب أن “انهيار دول مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا قد يؤدي بالتأكيد إلى حرف موازين القوة، خاصة إن أدى إلى ولادة دولة أو دول على غرار تنظيم الدولة. وكما علمتنا دروس 9/11 وكذلك الأحداث الأخيرة في أوروبا وأفريقيا وكندا والولايات المتحدة، فمشكلات العالم التي تبدو بعيدة عادة ما تنتشر سريعا وتصل إلى أبوابنا أو أبواب حلفائنا”.
ويقول روثكوف: “قد راقبنا انتشار تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، فيمكن الآن العثور على تنظيم الدولة في أفغانستان وبوكو حرام في نيجيريا، التي قدمت البيعة لهذه الماركة الشهيرة من الإرهاب. وتم تجنيد مقاتلين من أوروبا وأمريكا، الذين سيعودون بالتأكيد إلى نشر الفوضى إن لم يتم التصدي لتهديدهم. كما ويتعرض الحلفاء المهمون في الأردن وإسرائيل لمخاطر عدم الاستقرار، وفي حالة تعرضهم للمخاطر، فستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لأداء دور عميق في المنطقة”.
ويلفت التقرير إلى أن هناك عوامل جيوسياسية أكبر ستتأثر بأزمات الشرق الأوسط الحالية، فالحروب الطويلة لن تضعف الحكومات فقط، بل ستعقد من مهمة احتواء التهديدات التي تنبع من المنطقة، كما أن الحكومات الناشئة بعد نهاية الحروب ستنظر إلى الدور الأمريكي فيها، وفيما إذا كان بناء أو مدمرا، وسينعكس هذا بالتأكيد على مجال تأثير الولايات المتحدة في الوضع الجديد.
وتذكر المجلة أنه في حالة تراجع الدور الأمريكي في المنطقة فسينمو دور دول أخرى، وقد يبدو الكلام في هذا الموضوع غير مهم في الوقت الحالي، لكن التخلي عن دور في هذه المنطقة المهمة سيكون من التداعيات غير السعيدة.
ويبين الكاتب أنه حتى لو لم يكن للإدارة الأمريكية دور في المشكلات التي تعاني منها المنطقة، إلا أن الإدارة لا خيار أمامها إلا التحرك والمشاركة في حل المشكلات.
ويرى روثكوف أن الطريقة التي تعاملت بها الإدارات السابقة والحالية مع مشكلات المنطقة أسهمت في خلق الوضع الذي نراه اليوم. فقد كان الوضع يتجه نحو الاستقرار في العامين الأخيرين من حكم بوش، وكل هذا بسبب زيادة عدد القوات الأمريكية، والاهتمام بالسنة، ومشاركة الرئيس ومستشاريه وعلى قاعدة أسبوعية بمراقبة الوضع، ومحاولتهم حل كارثة صنعوها بأنفسهم. ويضم هذا محاولة إدارة وضع أساءوا فيه اختيار رئيس للوزراء هو نوري المالكي.
ويجد الكاتب أن تسرع الرئيس باراك أوباما بالخروج من العراق دون معاهدة أمنية هدم الإنجازات كلها، وأدى عدم الانتباه إلى تصرفات حكومة نوري المالكي، والاضطرابات التي نشأت لاحقا بين السنة وصعود تنظيم الدولة فاقما من هذه المشكلات.
ويعتقد روثكوف أن عدم اتخاذ الرئيس القرارات الصائبة، وتجاهل توصيات فريقه الذي دعاه إلى التصدي للمشكلات النابعة من سوريا، قد أسهما في هذا الوضع. وترافق الرد الخامل والمشوش على الربيع العربي بسوء إدارة للعلاقات الحيوية مع مصر. كما إن تردد الرئيس في اتخاذ قرار بشأن ليبيا، ومن ثم مشاركته في الإطاحة بالرئيس القذافي، هو مثال آخر على الجهود غير الصائبة التي خلقت مشكلات أكثر مما قدمت حلولا.
ويشير التقرير إلى أن هناك مفارقة في سنوات حكم أوباما، التي جلبت في بدايتها آمالا لبناء علاقات إقليمية، خاصة عندما ألقى خطابه في جامعة القاهرة، الذي يعد جهده الحقيقي لتغيير العلاقات نحو الأفضل في المنطقة، التي لا يعيش فيها عرب فقط، بل وفرس أيضا. فالولاية الأولى لأوباما التي اتسمت بتشدد حول ملف إيران النووي، تبعتها ولاية ثانية وجوع شديد نحو عقد تسوية مع طهران بشأن الملف النووي، لدرجة أن كل شخص من واشنطن وتوليدو وطهران يعتقدون أن أمريكا هي التي تريد تحقيق الاتفاق أكثر من الإيرانيين، وخسرت نتيجة لهذا النفوذ للتأثير على مسار المفاوضات.
ويذهب الكاتب إلى أن التحول في المواقف لم يرفق بتنسيق كاف مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل إسرائيل ودول الخليج، بشكل يخفف من مخاوف هذه الدول حول التقارب الأمريكي مع إيران، التي حققت مكاسب في المنطقة بسبب الفوضى. وقد حققت حضورا جيدا في اليمن، ومن خلال علاقتها القوية مع حكومة بغداد، أصبحت تعتمد عليها لتوفير القوات البرية والمستشارين لمواجهة تنظيم القاعدة، وزادت من تأثيرها على نظام الأسد، “ويبدو أن الأسد باق في الحكم حتى بعد خروج أوباما من الحكم”.
ويشير روثكوف هنا إلى أن ما قاله قائد القيادة المركزية الجنرال لويد أوستن، الذي شجب فكرة القتال إلى جانب قوات شيعية قتلت الجنود الأمريكيين أثناء حرب العراق مؤثر، ولكنه يظل فارغا؛ لأنه يعبر عن خداع، فالعالم كله يعرف أن الولايات المتحدة تقدم الدعم للميليشيات الشيعية. ويعرف بالرغم من الكلام الأمريكي كله أن طهران تعزز من نفوذها على حكومة بغداد؛ لأنها مستعدة لوضع قوات برية على الأرض، ولهذا السبب يتم التعامل مع الجنرال قاسم سليماني، قائد لواء القدس، على أنه بطل في مناطق الشيعة والأكراد أيضا، ولكن لا يتعاملون مع الجنرال اوستن بالطريقة ذاتها.
ويقول الكاتب: “يجب ألا تنسى أن حالة الإنكار لم تؤد إلى تغذية حالة من عدم الثقة بأوباما وإدارته بين عدد من أهم حلفائنا الحيويين في منطقة الخليج ومصر ومناطق أخرى. ولا تعتقد أن هذا لم يجعلهم على إدراك بأنه يجب عليهم اتخاذ القرارات بأنفسهم في اليمن من أجل مواجهة المكاسب الإيرانية”.
ويذكر روثكوف أن الولايات المتحدة سارعت إلى تفسير الوضع بأنها تقدم الدعم في قتال الحوثيين في اليمن، ولا تعمل في الحقيقة مع إيران في العراق. ومن هنا فتراجع الميليشيات الشيعية التي لم تكن مرتاحة للقتال إلى جانب الأمريكيين في تكريت مثير للشك، وتم إخراجها بطريقة مقنعة، ويقول: “فنحن لا ننسق مع الإيرانيين، ولكننا نؤدي دورا فاعلا على الهاتف مع المسؤولين العراقيين”.
وينوه التقرير إلى أن المحادثات النووية مع إيران تركت أثرا مدمرا على العلاقة مع إسرائيل، فلم يعد نتنياهو شريكا. ولا أحد ينكر قيام البيت الأبيض بسكب الكاز على النار المشتعلة، ما حرق أسس العلاقة التقليدية. وأيا كان ما ستجلبه الأشهر الـ21 القادمة، لكن هناك احتمالا لتدهور العلاقات أكثر. وليس من المبالغة القول إن العلاقات بين قادة الولايات المتحدة وإسرائيل وصلت إلى أدنى مراحلها.
ويقول الكاتب: “يمكنك الحديث عن أصول الفوضى في الشرق الأوسط، ولكن حقيقة تدهور علاقة أمريكا مع كل دولة مهمة في المنطقة يدعو إلى التساؤل”
ويرى روثكوف أن الخيارات السيئة التي اختارتها الإدارة، وسوء الإدارة والدبلوماسية الفاشلة ليست السبب الحقيقي للمشكلات التي تعاني منها في المنطقة، ولكن السبب الأكبر هو عدم التناسق في الاستراتيجية. مشيرا إلى أن الأمريكيين لا رؤية لديهم حول مصالحهم أو عن المستقبل. ويرى أن فكرة “لا تفعل أشياء حمقاء” هي وراء تخبط الإدارة التي لا تريد تكرار تجربة غزو العراق. ويعتقد أن هذا الموقف يعبر عن تحلل من المسؤولية، خاصة أن العلاقات كلها قامت على المصالح التجارية والسياسية والعسكرية.
ويبين الكاتب أن “العلاقات بين القوى الكبيرة يجب أن تقدم لنا الأدوات إن كنا نريد ممارسة دبلوماسية قوية تقود إلى جهود مثمرة”. وما تفعله الولايات المتحدة ليس مهمّا طالما أنها لا تفعل الأمر ذاته مع سوريا وليبيا.
ويعتقد روثكوف أن حديث الرئيس أوباما عن حماية المصالح الأمريكية والدفاع عن الحلفاء ومحاربة الإرهاب لا تكفي؛ لأنه يجب أن يقرن القول بالفعل. ويقول: “ويجب أن ندفع باتجاه الأفكار الصعبة، مثل الإقرار بحقيقة أن إيران يمكن أن تصبح صديقا”، مشيرا إلى أن التهديد النووي هو واحد من التهديدات وليس أكثرها خطورة.
ويؤكد الكاتب أن فشل الولايات المتحدة وعجزها عن اتخاذ أفعال أدى إلى خلق شعور بين الدول دفعها إلى البحث عن دعم من قوى كبرى، من مصر إلى إسرائيل والخليج، بل وكل دولة في المنطقة كلها تتجه نحو آسيا إلى الصين والهند وحتى اليابان، فيما يزداد تأثير روسيا في القاهرة وتل أبيب وطهران.
ويوضح روثكوف أنه “يجب علينا الاعتراف أن بعض النزاعات لا تحل دون التعبير عن استعداد لوضع قوات على الأرض، من مثل مواجهة تنظيم القاعدة. ودون هذه الجاهزية فلن ينظر إلينا على أننا حلفاء حقيقيون”.
وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالتساؤل: هل يجب علينا البحث عن حلول دبلوماسية في العراق وسوريا واليمن وليبيا؟، ويقول روثكوف: “إن الجواب هو نعم، ولكن ستكون الجهود ناجحة لو عرف أعداؤنا أنهم سيدفعون ثمنا باهظا، وسيواجهون تحالفا قويا تقوده أقوى دولة على وجه البسيطة”.