كشفت إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» أن الولايات المتحدة كانت تشارك في تدخل عسكري آخر في الشرق الأوسط من خلال بيان صحفي صادر عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي. المشاركة هذه المرة في اليمن. وفي وقت متأخر من مساء الأربعاء 25 مارس / آذار نشر البيت الأبيض بيانا جاء فيه: «لقد أعطى الرئيس أوباما إذنا بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للعمليات العسكرية التي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي في اليمن».
لم يكن هناك خطابًا من الرئيس أو وزير الدفاع خلال ساعات المشاهدة القصوى، حيث إنهما هما الوحيدان في سلطة القيادة الوطنية اللذان يملكان القدرة على توجيه أوامر للجيش الأمريكي بالانخراط في أي أعمال عدائية. ولم يصدر بيان من وزارة الدفاع، الوكالة الاتحادية المسؤولة عن تلك القوات المسلحة التي تقدم الدعم لدول مجلس التعاون الخليجي، أو تعقيب من القيادة المركزية الأمريكية، القيادة القتالية التي تشمل مساحتها الجغرافية دول مجلس التعاون الخليجي واليمن نفسها. وبدلا من ذلك، فقد أخبرنا المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بكل بساطة.
وأكد مسؤولون أمريكيون في وقت لاحق إن مساعدة الشركاء الخليجيين في حملتهم في اليمن ليس أكثر من مجرد «توفير الدعم اللوجستي»، على حد قول العميد «مايكل فانتيني»، مدير قسم الشرق الأوسط في مكتب مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، خلال حديثه أمام أحد جلسات الاستماع الأسبوع الماضي. كما أعلن مجلس الأمن القومي أن «قوات الولايات المتحدة لم تشارك في عمل عسكري مباشر في اليمن».
لكن لا ينبغي أن نخطئ، فالولايات المتحدة تقاتل في هذا التدخل.
وتقدم الولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية المرتبطة بقائمة الأهداف كما كشفت ذلك صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقريرها نقلا عن مسؤولين أمريكيين: «يستخدم المخططون العسكريون الأمريكيون المعلومات الاستخباراتية والصور الحية التي توفرها طلعات المراقبة الجوية على اليمن لمساعدة السعودية في تحديد الهدف ومكانه وموعد قصفه». ويتم توفير مثل هذه الأشرطة المصورة عبر طائرات أمريكية بدون طيار، لأن هناك تقارير أفادت بأن الطائرات الأمريكية التي يقودها طياروها طلب منها في الوقت الحاضر عدم الطيران في المجال الجوي اليمني. (وهناك سؤال ملح: هل تساعد الولايات المتحدة بالأشرطة المصورة كوسيلة لتوجيه الضربات التي تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين؟). في كلتا الحالتين؛ فإن المساعدات أخذت، وبشكل واضح، طابعا أبعد من مجرد الدعم «اللوجستي» و«الاستخباراتي». لقد أعلنت وزارة الدفاع السعودية أن فرقة البحث والإنقاذ الأمريكية على متن طائرة هليكوبتر من طراز «إتش إتش – 60» التي أقلعت من قاعدة في جيبوتي أنقذت طيارين سعوديين في خليج عدن. ولا ننس أن الولايات المتحدة تزود الطائرات المقاتلة السعودية بالوقود الجوي.
لقد أصبح هذا هو النمط الروتيني لرئيس جاء خطابه الافتتاحي عام 2013 تحت عنوان «عشر سنوات من الحرب تنتهي الآن». واستهلت إدارة «أوباما» فترتها بعمليات عسكرية (في ليبيا وسوريا / العراق) وتمددت (في أفغانستان) تقريبا من دون نقاش عام أو دور رسمي للكونجرس، وهو الوضع الذي يمكن تلخيصه في أن الشعب الأمريكي وممثليه المنتخبين قد قبلوا ضمنيا هذه التدخلات المتكررة والحرب على الإرهاب بشكل عام.
مبررات وأسباب
ولكن على الرغم من أن حركة «كود بينك» (سيدات من أجل السلام) لم تتظاهر ضد ما أطلق عليه «تمكين» الحملة في اليمن، إلا إنه لا تزال هناك حاجة لمحاولة فهم وتقييم منطق وأهداف الدعم العسكري الأمريكي للتدخل الذي تقوده السعودية. عملية عسكرية تفتقر إلى ورش عمل واضحة وأهداف متماسكة، لن يعدو الأمر مجرد استخدام عشوائي بلا هدف للقوة ضد عدو.
مثل كل التدخلات العسكرية، كان هناك الكثير من المبررات، في بعض الأحيان بدت متناقضة، التي يقدمها المسؤولون الأمريكيون. واكتفى بيان مجلس الأمن القومي بالقول: «الدفاع عن الحدود السعودية وحماية الحكومة اليمنية الشرعية». في حين ذكرت وزارة الخارجية أن القصد كان «تعزيز الانتقال السياسي السلمي وتبادل القلق إزاء الأعمال العدوانية من الحوثيين»، مؤكدة في 27 مارس/أذار أن الولايات المتحدة تدعم دول مجلس التعاون الخليجي «التي استجابت لطلب من الرئيس عبد ربه منصورهادي، الذي هو الرئيس الشرعي لليمن». (ويبدو أن إدارة أوباما لن تدعم تدخلا في مصر لاستعادة الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي).
ثم يقدم البيت الأبيض، مع نائب السكرتير الصحفي «إريك شولتز»، مبررا آخر للحملة بأنها: «للدفاع عن حدود المملكة العربية السعودية»، ومنع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من اتخاذ اليمن كملاذ آمن. وفي وقت لاحق، حول «جوش آرنست»، السكرتير الصحفي، الرسالة مدعيا أن الهدف كان «محاولة جمع الطرفين اللذين يبديان خلافًا كبيرًأ في اليمن حول طاولة المفاوضات في مسعى لتحقيق استقرار الوضع في هذا البلد». ومن غير الواضح بالتحديد من سيجلس حول تلك الطاولة، حيث لم تُبذل جهود واضحة منذ بدء العملية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي أو المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن «جمال بن عمر» أو ممثلي الحوثي لاستئناف المفاوضات.
وفي الوقت نفسه، حاول المشرعون في الكابيتول هيل عرض القضية كما لو كان الأمر هو مسألة صديق ضد عدو. وقال السيناتور الجمهوري «ريتشارد بور»، مبسطا الصورة، إن هناك حاجة إلى التدخل، لأن الدول العربية «لا يمكن أن تسمح لإيران بانتزاع موطئ قدم في اليمن، نحن نسميهم الحوثيون، ولكنها في الحقيقة إيران». أما النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا «آدم شيف» فقد شدد على ضرورة «دعم السعوديين … لأن ذلك قد يعطي السعوديين بعض الراحة أنه حتى في حالة عدم توصلنا إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، فإن هذا لا يعني أننا لن نكون على استعداد لمواجهة ايران في الوقت الذي تحاول فيه توسيع نفوذها الشائن للغاية». وادعى النائب الجمهوري عن أوهايو «جون بوينر» أن الهدف كان «حماية المملكة العربية السعودية لأراضيها وتأمين أجوارها». وأخيرا، أيد النائب الجمهوري عن كاليفورنيا «إد رويس» ما تقدمه الولايات المتحدة من دعم مؤكدا إن الحرب الأهلية «تهدد المصالح الأمنية الوطنية لشركائنا الإقليميين والولايات المتحدة».
أهداف غير معلومة
ولم تحاول وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، على الأقل، ترتيب الأمور. وكان الجنرال «لويد أوستن»، قائد القيادة المركزية، صريحا عندما سئل عن غرض الحملة؛ حيث قال «أنا لا أعرف حاليا الغايات والأهداف المحددة للحملة السعودية، وأود أن أعرف حيث إن ذلك يجعلنا نقيم احتمالات النجاح». وعلى الرغم من الاعتراف المذهل أنه لا يعرف الهدف من وراء التدخل، كما أنه لم يعرف بالأمر إلا قبله بساعات قليلة، إلا إنه أعلن بحماسة تأييده له.
الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية لم تشر إلا يسيرا إلى هدف حماية حدودها، حتى إن سفيرها لدى الولايات المتحدة، «عادل الجبير»، أشار إلى أن الهدف من التدخل كان «حماية الشعب اليمني من المنظمة الراديكالية المتحالفة مع إيران وحزب الله، والتي بسطت سيطرتها فعليا على مناطق في البلاد. والدفاع عن الحكومة الشرعية في اليمن. كما أنها لفتح الطريق أمام محادثات سياسية بحيث يمكن لليمن أن يستكمل فترته الانتقالية والتحرك نحو ما هو أفضل». لقد قال «الجبير» أيضا عن هذه الحرب التي هي بالوكالة: «أود أن لا نسميها حربا بالوكالة لأننا نقوم بذلك لحماية اليمن».
وباختصار، تقدم الولايات المتحدة دعما تشغيليا للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن لأهداف هي: 1) حماية حدود المملكة العربية السعودية وإثبات التزام الحليف الأمريكي بالوقوف في صفها، و2) صد تنظيم القاعدة والقضاء عليه باليمن ومنعه من الحصول على ملاذ آمن، و3) توفير الحماية للمدنيين باليمن، و4) جعل الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي أقل توجسا من التوصل لاتفاق مع إيران بخصوص برنامجها النووي، و5) وقف تزايد النفوذ الإيراني بشكل عام، و6) حماية مصالح الدول المجاورة لإيران، و7) رعاية انتقال سياسي سلمي لضمان استعادة الحكومة اليمنية للسلطة.
كل هذا على الرغم من حقيقة أن قائد القوات الامريكية في المنطقة يجهل «الأهداف والغايات المحددة» لتلك البلدان من وراء قصف اليمن. هذا غير معقول.
قصر نظر
ومن اللافت للنظر أن الإدارة لا تزال تدافع عن ادعاء «أوباما» أن «استراتيجية إزاحة الإرهابيين الذين يهددوننا مع دعم شركاء في الخطوط الأمامية هي استراتيجية تم تحقيقها بنجاح في اليمن». ويتشبث المتحدث باسم البيت الأبيض بهذا التصريح معتبرا «اليمن ليس استراتيجية بناء أمة، لكنه استراتيجية مكافحة إرهاب»، في حين أضافت وزارة الخارجية: «إنه نجاح استمر لسنوات عديدة بسبب جهودنا الرامية إلى دحر ومكافحة تنظيم القاعدة في اليمن». وبعيدا عن هذين التصريحين الرسميين، فإنه من الصعب أن تجد شخصا داخل الحكومة الأمريكية يوافق على هذه الخطة بشكل غير رسمي. تلك الطائرات بدون طيار بمجرد أن تجبر الإهابيين على الخروج إلى العراء تقوم على الفور بإمداد الطيارين السعوديين بالفيديوهات المباشرة لحركتهم. هذا الشريك على خط المواجهة في المعركة ضد تنظيم القاعدة، الرئيس «هادي»، في منفاه الآن في الرياض. وهذا يؤكد أنها استراتيجية لم تحقق نجاحا.
ويتم النظر إلى اليمن حصريا من خلال عدسة أهداف مكافحة الإرهاب الأمريكية، وبالتالي يتم تصنيفها على أنها سياسة خارجية «ناجحة»، ويعد هذا تبلدًا في الإحساس تجاه حالة الفوضى التي يعانيها اليمنيون الآن فحسب، ولكن أيضا قصر نظر لا يمكن تصديقه، إن لم يكن خداعًا صريحًا.
ومن غير المعقول تماما أن سبعة مبررات وأهداف سوف تتحقق في اليمن. وهناك ادعاء كاذب نغذيه نحن بأنفسنا، ألا وهو أن كل هذه الأهداف ستتحقق قريبا. لقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية جيف راتكه يوم الجمعة: «نحن لا نريد أن تكون هذه الحملة العسكرية مفتوحة». بالطبع، لا أحد يريد ذلك، على الرغم من أن قادة حملة القصف تعهدوا أن الحملة لن تنتهي حتى يستسلم الحوثيون ويسلموا سلاحهم. ومما لا شك فيه، أن الكثير من البنية التحتية العسكرية والمدنية التي سيطالها التدمير ستكون بحاجة ماسة لإعادة بنائها. وفي الواقع، هناك حاجة لبناء الأمة من جديد.
وكما كتب «فريد إيكل» في كتابه عام 1971 «كل حرب يجب أن تنتهي»: «إنها نتيجة الحرب، وليست نتيجة الحملات داخلها، التي تحدد مدى خدمة خططهم لمصالح الأمة». وينبغي أن تكون الطريقة والسرعة التي بها قررت إدارة «أوباما» بالكامل دعم جانب واحد في الحرب الأهلية بالوكالة والتي اندلعت مؤخرا في اليمن، مع عدم وجود نتائج واضحة، أن تكون مدعاة للقلق. وللأسف، فقد أصبح ذلك إجراء تشغيل نمطي حول كيفية مواصلة الولايات المتحدة ذهابها إلى الحرب.
ميكاه زينكو – فورين بوليسي