قبل 36 عاما، وبعد أشهر من المظاهرات والاحتجاجات، أسفرت عن سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، أعلنت إيران نفسها كجمهورية إسلامية، عبر استفتاء شعبي كبير في 1 أبريل 2015 قالت إن نسبة المشاركة في جاوزت 98 بالمائة من الشعب الإيراني.
ويمكن القول إن الثورة الإيرانية التي واجهتها عقبات إقليمية عديدة وعقوبات غربية جمة، لم تكتف بتثبيت أقدامها واقتلاع دولة الشاه العميقة فقط، بل استطاعت أن تنتقل إلى 4 عواصم عربية، وأوصلت حكومات موالية لها إلى سدة الحكم في كل من بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، ولو بقوة السلاح والمليشيات المدربة عسكريا المدعومة إيرانيا.
الاستفتاء الذي دعا إليه سید روح الله موسوی خمینی، الملقب بمؤسس الجمهورية الإيرانية وزعيم الثورة أغلق الباب أمام معارضي الشاه (رفقاء الثورة التي جمعت في بدايتها الجميع) من اليساريين أو الليبراليين، وجعل إيران في النهاية بيد رجال الدين الشيعة الذين استولوا في نهاية الأمر على مسار الثورة وأقاموا جمهورية إسلامية مرشدها الأعلى كان الخميني.
الجمهورية الإسلامية الوليدة استهلت بدايتها بمعركة لي أذرع، سياسية وإيديولوجية مع “الشيطان الأكبر” الولايات المتحدة، من وجهة نظرها، وأعلنت عداءها لواشنطن وتل أبيب، وكثيرا ما ردد الشباب الثائر الموالي للمرشد الأعلى هتافات الموت لأمريكا والموت ﻹسرائيل.
استمرت الثورة الإيرانية عامًا كاملاً، وإن كانت إرهاصاتها بدأت قبل نحو 15 عاما، وسقط خلال عام الثورة أكثرمن (76) ألف قتيل، ووقف الجيش مع الشاه طول الثورة، وفي حالات كثيرة اقتحمت دباباته ومدرعاته وجنوده المدن وحاصرتها وسيطرت عليها. الجيش اضطر للوقوف على الحياد بعد سقوط نظام الشاه.
واستخدمت الثورة الإيرانية عددا من الأدوات التي للإطاحة بالشاه، ويمكن القول بأن التظاهرات والإضرابات العامة، ونشاطات عدم التعاون المنظمة كان لها الأثر الأكبر في نجاح الثورة.
ورغم أن المظاهرات كانت في البداية عفوية، فإنها بدأت تنتظم بسرعة واستغلت جميع المناسبات الدينية (أربعين مقتل أحد الناشطين، أو رمضان أو العيد) للتحضير والتنظيم للمظاهرات والإضرابات قبل إطلاقها بأيام عديدة، وتم تطبيق الإضرابات العامة والعصيان المدني على نطاق واسع جعل الدولة برمتها غير خاضعة لسيطرة النظام، وهو ما حرم الشاه (ورئيس وزارئه بختيار لاحقاً) من أهم الدعائم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعتمد عليها.
كما شملت الإضرابات -التي أطلقتها الثورة- معظم المؤسسات الكبرى كالنفط والطاقة والنقليات، ولم يستطيع الشاه سجن العمال لأنه كان بحاجة لعملهم، أرسل الشاه الجيش لإجبار العمال على العودة للعمل لكنهم بعد مرور مدة قصيرة كانوا يبدؤون إضراباً جديداً وهكذا.
وهدف المعارضون لنظام الشاه لاستقطاب مؤيديه إلى الثورة بشتى الوسائل، فطبقوا المعارضة “استراتيجية التآخي” مع الموالين للنظام وقوات الأمن، وتعمدوا عدم استفزاز قوات الأمن سواء في الهتافات أو المظاهرات بشكل كبير في البداية، وأرسلوا رسائل تدعوهم للانضمام إلى الشعب وقدموا لهم الورود خلال المظاهرات، وكان لهذه الاستراتيجية دور كبير في تزايد الانشقاقات، وتزايد عدد المنضمين للثورة، وتقليل عدد الضحايا بشكل كبير.
كما وفرت الثورة والمعارضون حماية لعناصر الأمن والجيش المنشقين دون تسليحهم، إذ قاموا بتهريب العسكريين وتوفير لباس مدني ومخبأ.
ورغم أن الثورة الإيرانية يطلق عليها الثورة البيضاء، فإنه قد ظهر خلالها معارضة مسلحة نظمت هجمات نوعية ضد النظام، وحاول نظام الشاه ضرب هذه الحركات وإرهاقها واستغلالها في كثير من الأحيان كذريعة لقمع التظاهر السلمي، حتى إن هذه المقاومة المسلحة ضمت حوالي خمسين ألف مسلح، بالإضافة إلى عدة ملايين متظاهر في الحراك السلمي.
في الأيام الأخيرة للثورة، استطاع المعارضون حشد أعداد هائلة من الثوار (من مليونين إلى ست ملايين)، شملت جميع أطياف المجتمع (نساء رجال شباب شيوخ مدرسون مثقفون فنانون ممثلون الخ)، واستفادت هذه الجماهير من شبكة المساجد للتواصل والانطلاق.
كما لعب وجود شخصية معارضة كالخميني تستمع لها الجماهير دورا كبيرا، وتم تسريب أشرطته الصوتية وإذاعتها عبر المساجد، وكان لتبني الخميني مبدأ العمل السلمي -ولو على شكليا – أثره في نجاح هذا الأسلوب.
وفي آخر أيام الثورة، نجحت الحركات المسلحة في القضاء على محاولات الجيش الإمبراطوري السيطرة على الحكم، غير أنه أدى إلى سقوط عدد كبير جداً من الضحايا، (من مئات إلى آلاف)، فاق أي مرحلة من مراحل الثورة السلمية خلال يومين فقط.
ومنذ قيام “نظام الملالي” في أبريل 1979 ، لحقت بإيران انتقادات عديدة باعتبار نظامها “لا يعرف الرحمة” مع معارضيه وعلى تجاوزاته في مجال حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحرية التعبير، من وجهة نظر دولية، كما اتهمت طهران بدعم الإرهاب الدولي وتمويل منظمات مسلحة معادية للغرب.
محمد البطاوي
(مصر العربية)