رغم تآمرهم على ثورات الربيع العربي في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا ومحاولاتهم الحثيثة والدؤوبة على وأد التجارب الديمقراطية الوليدة خوفاً على عروشهم، إلا أن حكام الدول العربية المشاركون في القمة العربية التي انعقدت بمصر – التي تشهد انقلابًا عسكريًا مدعومًا من دول الخليج – أكدوا على تمسكهم بـ”الشرعية” في اليمن ودفاعهم عنها، ومواصلة العمليات العسكرية “عاصفة الحزم” لحين تحقيق أهدافها بكسر انقلاب الحوثيين “الشيعة المسلحة” واستعادة الأمن والاستقرار في البلاد.
ويبدو أن الحكام العرب مصابون بالانفصام فهم يعرفون جيداً أن الشرعية بالأساس تأتي من إرادة الشعب الذي يعتبر مصدر السلطات، ورغم ذلك فقد دعموا انقلابًا عسكرياً دموياً في مصر ضد رئيس منتخب د. محمد مرسي وإرادة شعب ترفض هذا الانقلاب بل حضروا لقمة يدعون أنها تدافع عن الشرعية في ضيافة جنرال منقلب على رئيسه جاء للحكم على فوهة الدبابة.
كما أن قادة دول الخليج يتناسون أنهم هم من حموا من قبل الرئيس اليمني المخلوع على عبد الله صالح ضد ثورة الشباب باليمن، واستضافوه وفرضوا المبادرة الخليجية التي ساهمت في عودته واتحاده مع الحوثيين لينقلب الآن عليهم، كما أنهم دعموا الثورات المضادة في تونس وليبيا ويقفون ضد محاولات الإصلاح في أي بلد عربي.
الكويت تعتبر الربيع العربي “فوضى”
اتهم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، خلال كلمته أمس بالقمة العربية، الربيع العربي بأنه أدخل المنطقة في فوضى، وتسببت في تراجع معدلات التنمية.
بينما قال ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إنه قام بتلبية طلب الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس اليمن الشقيق، بالتدخل العسكري الفوري، وبتأييد دولي كبير لإعادة الأمن والاستقرار و”الشرعية” باليمن الشقيق، كإجراء حاسم لابد منه، تمليه علينا المسئولية التاريخية.
فيما قال الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي, إن “عاصفة الحزم” جاءت “في إطار التمسك بالشرعية ورفض الانقلاب عليها وما يكفل عودة الدولة لتمارس سلطاتها على كافة الأراضي اليمنية”، رغم أن السعودية قامت بعلاج الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح، وعمدت إلى احتضان الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وأرسلت قواتها لوأد انتفاضة البحرين.
كما أعربت المملكة عن رغبتها في استضافة الرئيس المصري المخلوع حسنى مبارك وكانت أولى الدول التي أصدرت بيانًا داعمًا لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، كما بادرت بالدعوة لعقد مؤتمر للمانحين لمساعدة مصر في تجاوز أزمتها الاقتصادية، والذي عقد مؤخرًا وأعلنت خلاله كلا من السعودية والكويت والإمارات وعمان عن منح مصر 12.5 مليار دولار أمريكي، فضلًا عن ما سبقه من منح وقروض وتسهيلات وصفقات وصلت في أقل تقدير إلى 35 مليار دولار في عام ونصف العام.
السعودية حمت صالح ومنحته الحصانة
النظام السعودي حمى الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح إبان ثورة 11 فبراير 2011, التي شهدتها اليمن، والتي قمعتها الأجهزة الأمنية وقُتل ما يقارب 52 متظاهراً سلميًا برصاص قناصة في الثامن عشر من مارس حيث طالبت بتنحي صالح عن الحكم.
وتزايدت أعداد المتظاهرين رافضة أي نوع من الحوار مع صالح دون تنحيه بلا شروط من رئاسة البلاد، إلا أن صالح تمسك بالسلطة ووصلت أعداد المتظاهرين في مدينة صنعاء وحدها إلى نصف مليون متظاهر ووصل عدد القتلى بين المتظاهرين من فبراير 2011 إلى أكتوبر إلى قرابة 1500 ووصل العدد إلى ألفين قتيل في فبراير 2012.
وتعرض صالح لمحاولة اغتيال في 3 يونيو 2011 بعد حشد أنصاره في جمعة أسموها جمعة الأمن والأمان، في الوقت الذي اسماها شباب الثورة والمعارضون جمعة الوفاء لتعز الصمود، وتمت محاولة اغتيال صالح في مسجد دار الرئاسة، إثر انفجار قنبلة داخل المسجد بالقصر الرئاسي وفق التقارير الرسمية، وأصيب صالح بحروق بالغة وظهر بعد الحادث بفترة قصيرة عبر مكالمة مع التلفزيون اليمني يشير فيها إلى سلامته من الحادث وبدى الإعياء ظاهراً على صوته.
وتوجه “صالح” للسعودية وعقب نجاح العمليات الجراحية له، تم تهدئة الأوضاع عبر توقيع “المبادرة الخليجية” التي دعمتها السعودية بقوة والتي نصت على تسليم سلطات الرئيس للمشير عبد ربه منصور هادي ومنح صالح حصانة من الملاحقة القانونية.
ووفرت المبادرة الخليجية حصانة لعلي عبد الله صالح من الملاحقة القانونية فأصبحت قانوناً أقره مجلس النواب اليمني واعتبره سياديا لا يجوز الطعن فيه وهو اعترض عليه الكثيرون لأن الحصانة غير قانونية أصلاً ولا يقرها الدستور اليمني ولا القوانين الدولية التي وقع عليها اليمن.
وسلم صالح السلطة رسمياً عقب توقيع المبادرة وبقي أبناؤه على رأس الأجهزة الأمنية في البلاد واستمر صالح بممارسة عمله السياسي كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام, ووجهت له اتهامات من الأمم المتحدة وعدد من السفارات الغربية بمحاولة عرقلة الفترة الانتقالية هو وأبنائه وأقاربه
الإمارات تعادي الربيع العربي
توظف الإمارات هي وشقيقته السعودية، كل ما لديهما من دعم مالي ودبلوماسي وإعلامي لمحاربة ثورات الربيع العربي بمصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا.
فالإمارات متهمة بحسب مراقبين بأنها من أكثر الدول العربية عداء للربيع العربي ودعما للثورات المضادة، حيث إنها كانت ولازالت من أكبر الدول الداعمة للانقلاب العسكري في مصر وكذلك محاولات الانقلاب الفاشلة في ليبيا بقيادة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
ويعرف عن دولة الإمارات دعمها الكبير لقوات اللواء خليفة حفتر في ليبيا المدعوم من برلمان “طبرق” والذي يقود عملية عسكرية تسمى “الكرامة” ضد قوات الثوار والمؤتمر الوطني الليبي في طرابلس منذ يونيو الماضي، حيث تدعمه عسكريا ولوجيستيا، بحسب تقارير دولية، والتي أشارات كذلك إلى مشاركة الطيران الإماراتي في قصف مواقع لقوات الثوار المدعومة من برلمان طرابلس، عدة مرات قبل ذلك.
وأفاد مراقبون أن الإمارات دأبت خلال السنوات الأخيرة على محاولة تقديم دعم مالي كبير لشخصيات سياسية في عدة دول عربية بهدف السعي لدفع تلك الشخصيات للترشح في مناصب قيادية في دولها، لتكون على ولاء للإمارات.
ودلل المراقبون على ذلك بالدعم الإماراتي للمرشح الرئاسي السابق في مصر أحمد شفيق، الذي غادر مصر منذ خسارته الانتخابات في يونيو 2012 ليقيم من حينها في الإمارات، مساهما بشكل كبير في حملة التشويه التي دأبت عليها قنوات إعلامية مصرية طيلة عهد الرئيس المدني محمد مرسي.
كما أكد المراقبون أن الإمارات مولت بشكل كبير عملية الانقلاب التي قادها عبد الفتاح السيسي، الرئيس الحالي للسلطات الانقلابية في مصر، ضد الرئيس محمد مرسي، حيث قدمت دعما اقتصاديا كبيرا للنظام الانقلابي بلغ حتى الآن 18 مليار دورلار.
وفي تونس نشرت معلومات عن تلقي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، أموالا وهدايا منها أسطول من السيارات المصفحة أهديت إليه من أبو ظبي، وذلك قبل إعلانه الترشح للرئاسة، وهو ما أشار إليه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي بالمال القذر في الحملة الانتخابية الرئاسية.
ويرى محللون أن حكومات دول الخليج لم يرق لها تقدم الربيع العربي الذي بدأ من تونس ولم تر في هذا الحراك الشعبي مصالح إيجابية لها انطلاقا من تخوفاتهم من أن تصيب رياح التغيير إذا نجحت عروشهم التي دأبوا منذ زمن في الحفاظ عليها وترسيخ أقدامها لذلك عمدوا لكل ما لديهم من مال ونفوذهم لوأد ثورات الشعوب، والغريب أنهم الآن يتباكون على الشرعية في اليمن ويجيشون لها ويخوضوه المعارك من أجلها في تناقض واضح وصريح لكل ما قاموا به من مؤامرات على الربيع العربي.
شؤون خلبجية