هناك حرب كارثية تتشكل الآن في اليمن، وهي حرب قد تخرج بسرعة عن نطاق السيطرة يشارك فيها ما يقرب من جميع الحلفاء الرئيسين لواشنطن في الشرق الأوسط ضد إيران ووكلائها.
وقد بدأت حملة القصف بقيادة السعودية بالفعل، وربما ستتدخل قوات من مصر وبعض الدول الأخرى على أرض الواقع قريبًا.
وتم كل هذا من دون تورط أمريكي كبير، وفقًا لمصدر سعودي هو جزء من الدائرة الداخلية في الرياض. وقال المصدر للديلي بيست: “لقد فعلنا هذا لوحدنا“.
وتشارك في هذه الحرب 10 دول عربية، بما في ذلك الأردن ومصر والمغرب والسودان. وقد تنضم إليها أيضًا تركيا، التي لديها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وأضاف المصدر السعودي أنه: “لا بد من الوقوف في وجه النفوذ الإيراني“.
ولكن السؤال الآن، ومع انطلاق ما قد يكون بداية لحرب كبيرة مقبلة في الشرق الأوسط، هو: إلى أي مدى سوف تدعم واشنطن حقًا حلفاءها القدماء؟ وهل ستجازف أمريكا بخسارة شريكها التفاوضي الجديد في طهران؟
وتجد إدارة أوباما نفسها الآن في موقف مليء بالتناقضات، ولا يمكن الدفاع عنه تقريبًا. وبينما تقدم بعض الدعم الاستخباراتي من وراء الكواليس لهجوم الرياض المناهض لإيران في اليمن، تستخدم في الوقت نفسه القوة الجوية الأمريكية لتعزيز هجوم القوات المدعومة من إيران لمكافحة ما تسمى “الدولة الإسلامية” في العراق. والأهم من ذلك، تحاول إدارة أوباما التفاوض على اتفاق مثير للجدل لاحتواء طموحات طهران النووية.
وقال أحد المخضرمين الدبلوماسيين الأمريكيين في إشارة إلى هذه المفارقة المريرة: “لا يمكنك الجمع بين هذه الأشياء!“.
وقد حذرت الدول العربية المحتشدة الآن ضد إيران في اليمن مرارًا وتكرارًا، كما فعلت إسرائيل في الواقع، من أنه سيصبح من المستحيل احتواء طموح إيران بالهيمنة على المنطقة إذا ما أصبحت إيران قادرة على الحصول على أسلحة نووية. وتثبت الأحداث الأخيرة، من وجهة نظر السعوديين وحلفائهم، أن إيران تتقدم نحو الهيمنة حتى من دون امتلاكها بعد للقنبلة النووية.
وفي لبنان وسوريا والعراق واليمن، كانت مكاسب الميليشيات المدعومة من إيران كبيرة لدرجة أن مهندس هذه السياسة التوسعية، وهو قائد قوة القدس “قاسم سليماني”، أصبح مرشحًا في نظر أبناء بلده ليكون منافسًا على الرئاسة الإيرانية في عام 2017. وأما واشنطن، ومن خلال ردها على الأحداث بدلًا من صياغة الأحداث في المنطقة، فكانت تكرر وتعيد نفس الخطأ مرارًا وتكرارًا.
ومن المفارقات أيضًا أنه، وفي العام الماضي فقط، استشهد الرئيس باراك أوباما باليمن كنموذج لنوع السياسات التي يعتقد بأن على الولايات المتحدة اتخاذها في حربها ضد الشراكات التابعة لتنظيم القاعدة. ولكن ما حدث هو أن الطائرات الأمريكية بدون طيار، وقوات العمليات الخاصة للولايات المتحدة، والقوات الخاصة المحلية التي تم تدريبها أمريكيًا؛ ركزت بشكل كبير على قتال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وفشلت في إدراك القوة الصاعدة لإيران وللمتمردين الشيعة الحوثيين الذين تدعهم طهران. وعلى مدى الأيام القليلة الماضية، تم إجلاء القوات الأمريكية من اليمن على عَجَل، ويقال إن هذه القوات تركت وراءها كنوزًا دفينة من الوثائق الحساسة.
وفي مقابلة مع الديلي بيست، قال السيناتور ريتشارد بور، وهو رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، عن الوضع على أرض الواقع في اليمن: “نحن خارج البلاد تمامًا“. وأضاف: “اليمن ستكون، وكما قال الرئيس، نموذجًا. ولكن، ليست نموذجًا للنجاح، بل للفشل الذريع لسياستنا الخارجية“.
ومن وجهة نظر السعودية، تكتسب إيران قوةً في سوريا؛ حيث تتحالف مع نظام الأسد المحاصر، وفي العراق؛ حيث تعمل على دعم الحكومة المركزية الشيعية أساسًا، والآن في اليمن. وكل من هذه الدول على حدود المملكة العربية السعودية. ويبدو أيضًا أن القوى الشيعية الموالية لإيران تكتسب زخمًا، وهو ما يهدد بتعطيل التوازن الهش في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط في المملكة العربية السعودية، التي يسكنها بعض الشيعة.
وقال مسؤول أمريكي في اتصال مع الحكومات في المنطقة للديلي بيست: “السعوديون خائفون الآن. إنهم قلقون بشأن إيران“. وأضاف المسؤول أن الرياض أخطرت الولايات المتحدة بالغارات الجوية، ولكنها أوضحت أنها لا تريد من الجيش الأمريكي أن يأتي لنجدتها.
وقال مسؤول كبير سابق في الاستخبارات الأمريكية للديلي بيست: إن على الأمريكيين “الانضمام إلى فريق” محاربة إيران في اليمن. وأضاف: “كان يجب أن نساعد هادي منذ فترة طويلة ضد تهديد الحوثيين، وليس فقط ضد القاعدة في جزيرة العرب. لو قمنا بهذا، لما كنا الآن فيما نحن فيه“.
وزار الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي وابن الملك، المنطقة الحدودية مع اليمن هذا الأسبوع. وقال بروس ريدل، وهو ضابط المخابرات السابق وزميل بارز في معهد بروكينغز، للديلي بيست: إن الأمير محمد، وبعمر 34 سنة فقط، هو أصغر وزير دفاع في العالم، وهو “النجم الصاعد” داخل الحكومة السعودية.
وليس الغرض من هجوم الرياض هو إعلام إيران فقط، ولكن قادة تنظيم القاعدة وما تسمى بالدولة الإسلامية، بأن الرياض وحلفاءها يستطيعون القيام بالأفعال. وقال المصدر السعودي: “يجب أن يعرف المتطرفون أننا مستعدون للقتال“. وأضاف بتفاؤل: “هذه نواة لقوة عربية للوقوف ضد التطرف الإسلامي“.
والأمل في الرياض، وفقًا لهذا المصدر، هو أن يضطر الحوثيون ومؤيدوهم الإيرانيون إلى الدخول في مفاوضات جدية حول مستقبل اليمن. وفي حين قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لقناة تليفزيونية إيرانية، إن من شأن القصف السعودي أن يؤدي إلى المزيد من الخسائر في الأرواح فقط، ودعا إلى “حوار عاجل” بين الفصائل اليمنية “دون تدخل خارجي”، يبدو الآن أن الوقت متأخر جدًا لفعل ذلك في الواقع.
كريستوفر ديكي – الديلي بيست (التقرير)