“مقامرة السعودية الكبرى” .. تحت هذا العنوان نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا تحليليا للكاتب سايمون هندرسون تناول خلاله تطورات الأوضاع في اليمن في ظل التدخل العسكري من خلال العملية التي أطلق عليها “عاصفة الحزم”.
واعتبر الكاتب تدخل السعودية في اليمن مقامرة كبيرة، خاصة مع تقلد ملك جديد سدة الحكم ووزير دفاع شاب لم يختبر من قبل، وأن ما يزيد المخاطرة هو موقف المملكة من القيادة في العالم العربي.
ويرى الكاتب أن الأحداث في اليمن ليست هامشية بل مركزية لميزان القوى بالعالم العربي وما وصفه بالتوترات داخل الوسط الإسلامي، وأنها في صلب المخاوف في سوق النفط العالمية، لافتا إلى أن القيادة الجديدة للسعودية لاعب رئيسي في تشكيل مسار هذه الحرب الجديدة المضطربة في الشرق الأوسط.
وجاء تص المقال كالتالي:
أخبار عاجلة “الحرب دائرة في الشرق الأوسط” .. حسنا، لقد قرأت ذلك الخبر من قبل.
لكن الضربات الجوية وتحركات القوات والتفجيرات الانتحارية التي تسيطر على العناوين الرئيسية اليوم لن تجدي مع الصراعات طويلة الأمد المتعلقة بإسرائيل وفلسطين وسوريا، أو برنامج إيران النووي.
لا تنظر إلى الأحداث في اليمن باعتبارها هامشية، إنما هي محورية لميزان القوى بالعالم العربي، والتوترات داخل الوسط الإسلامي، كما أنها في صلب المخاوف داخل سوق النفط العالمية.
وتعد القيادة الجديدة للسعودية، التي شنت قواتها العسكرية ضربات جوية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران في 26 مارس بينما تقوم بتعزيز قبضتها على السلطة، لاعبا رئيسيا في تشكيل مسار هذه الحرب الجديدة المضطربة في الشرق الأوسط .. ألم تفزع بعد؟
حسنا، ضع في الاعتبار حقيقة أنه في بؤرة صناعة القرار في السعودية وزير دفاعها الجديد، الأمير محمد بن سلمان، ابن الملك الجديد المفضل، والذي لم يمر على تقلده هذا المنصب أكثر من شهرين، واليوم، تظهر صورته على صدر الصحف العربية وهو يترأس اجتماعا لكبار قيادات السعودية، ولم تخف لحيته الكثيفة ملامح وجهه الشاب، وتشير تقارير إلى أن عمره يتراوح بين 27 و35 عاما، وعلى أية حال، فهو لا يمتلك أي خبرة عسكرية.
وقبل يومين، حضر الأمير محمد الاجتماع الأسبوعي لمجلس الشئون الأمنية والسياسية، وهو أعلى هيئة لصنع القرار والتي شكلها العاهل الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وقد جلس في الجهة المقابلة لوزير الخارجية سعود الفيصل المسئول عن الشئون الخارجية السعودية من قبل أن يولد الأمير محمد، وإلى اليسار من رئيس المجلس ووزير الداخلية ونائب ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ابن عمه الذي يراه مراقبون سعوديون منافسا له يسعى للسيطرة على حقيبة اليمن.
لقد كان محمد بن سلمان، وليس أي من بني عمومته الأكبر منه سنا، هو الذي سافر إلى مطار الرياض لاستقبال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى وصوله إلى العاصمة السعودية.
قد يكون الأمير محمد بن سلمان شابا لا يمتلك الخبرة، لكن هذه العيوب قد يوازنها قربه من والده الملك سلمان البالغ من العمر 79 عاما، والذي يقال إن محمد بالنسبة له ذاكرة وعقل يمشيان على الأرض.
ودور الملك في تطوير السياسة بشأن أزمة اليمن المتسارعة ليس واضحا، ويبدو أن هناك اجتماعا حاسما عقد في 21 مارس عندما زار ولي عهد البحرين والإمارات العربية المتحدة ورئيس الوزراء القطري ونائب رئيس الوزراء الكويتي الرياض، وترأس هذا الاجتماع، الذي حضره محمد بن سلمان، وزير الداخلية ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف. ولابد أن يظهر مؤشر على الدور القيادي الفعلي للملك سلمان في القمة العربية التي تعقد نهاية هذا الأسبوع في شرم الشيخ.
ورغم أن القضية الرئيسية على جدول الأعمال في شرم الشيخ إعادة هادي إلى السلطة في صنعاء، فإن هذا الأمر في تلك المرحلة لا يبدو أكثر من مجرد طموح، ويبدو أن الضربات الجوية اليوم كانت تهدف إلى إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد المدن السعودية، وليس لانتزاع السيطرة منها على العاصمة اليمنية.
وتصل درجة الخوف في السعودية، وليس لدى المسلمين ككل، إلى أن المتمردين المدعومين من إيران سوف يطلقون صواريخ صوب مكة.
ورغم ذلك، فإن الضربات الجوية تثير عداء الحوثيين بدلا من إيقافهم.
وأدان زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي المملكة العربية السعودية بوصفها دمية في يد إسرائيل والولايات المتحدة، قائلا إن جماعته “تواجه حاليا القوات المجرمة وأدواتها في البلاد”.
وتوضح الأزمة في اليمن أيضا إلى أي مدى سيستمر فريق الملك سلمان، أو يتحول عن السياسة الخارجية للعاهل الراحل الملك عبد الله بن عبدالعزيز .. لقد كان الملك الراحل لا يفكر سوى في التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد واحتواء الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان.
وفي إحدى البرقيات الخاصة بوزارة الخارجية الأمريكية التي نشرها موقع ويكيليكس، أعلن الراحل عن رغبته في “قطع رأس الأفعى”، في إشارة إلى طهران.
والاختلاف الرئيسي في القيادة السعودية الجديدة حتى الآن هو علاقة سلمان بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والتي تبدو أنها أفضل بكثير من علاقة الملك عبد الله مع القيادة السابقة للجارة الخليجية الثرية، والوقت سيخبرنا ما إذا كان هذا مجرد أسلوب جديد أم تغير جوهري.
وعلى الرغم من عودة قطر إلى الساحة بعد خلاف دبلوماسي مع الرياض، يبدو مجلس التعاون الخليجي، المكون من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وكأنه مكون من خمسة أعضاء بدلا من ستة، نتيجة السلوك العماني غير المنتظم.
ويبدو أن القائد العماني المنعزل، السلطان قابوس، الذي عاد هذا الأسبوع بعد ثمانية أشهر من العلاج في ألمانيا، يستمتع بكونه الرجل الذي يغرد خاج السرب، فعندما استولى الحوثيون على صنعاء الشهر الماضي، أعلنوا على الفور تقديم 28 رحلة أسبوعيا بين اليمن وإيران (لم يكن هناك مثل هذا النوع من الرحلات مطلقا)، وهذه الرحلات، التي من المحتمل أنها كانت تحمل أسلحة إيرانية وربما مستشارين، تطير فوق سلطنة عمان، وهو ما يعني الكثير بالنسبة لتماسك مجلس التعاون الخليجي.
والسؤال الكبير هو إلى أي مدى ستدعم إيران الحوثيين، وهل تنظر طهران إلى سيطرة الحوثيين على صنعاء على أنها هدف استراتيجي أم مجرد نتيجة عرضية للأحداث .. بكل تأكيد، تعرف إيران كيف تلعب على وتر الفوبيا العربية، فتصريح برلمانيين إيرانيين العام الماضي بأن ثلاثة عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت، باتت بالفعل تحت السيطرة الإيرانية، أدى إلى اعتقاد شاع بأن صنعاء أصبحت الرابعة.
وقد تعني القمة العربية أيضا سعي مصر للعودة كقائد إقليمي في الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي كان فيه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يتقدم في السن ويتداعى اقتصاد بلاده، قدمت السعودية نفسها كقيادة فاعلة للعالم العربي بجانب قيادتها المعروفة للعالم الإسلامي، وتسارعت وتيرة هذه المكانة خلال العام الذي اتسم بالفوضى لقيادة محمد مرسي في مصر، لكن منذ ظهور الرئيس عبد الفتاح السيسي وانتقال السلطة في المملكة من عاهل مسن إلى آخر لا يصغره كثيرا، ناهيك عن انهيار أسعار النفط، فإن هناك سعيا حثيثا من القاهرة لتعود للدور القيادي مجددا، ويبدو أن القاهرة الآن على وشك الدخول في الحرب باليمن هي الأخرى.
ربما لا يستمر التنافس الدبلوماسي على القيادة الإقليمية، ولكن كلا البلدين لديه مصالح جغرافية في التأكد من انتهاء الأزمة في اليمن، فالسعودية تنظر إلى اليمن باعتبارها ساحتها الخلفية، وتواجه تهديدا إرهابيا محتملا من الجهاديين الذين استقروا في المناطق النائية في البلاد، ورغم أن مصر بعيدة عن اليمن، إلا أن اليمن تتحكم في مضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وهناك ميزة مثيرة للدهشة في عملية “عاصفة الحزم” في اليمن، كما أطلقت عليها السعودية، وهي عدد وحجم القوات التي انضمت للتحالف، فالسعوديون يساهمون بـ100 مقاتلة و150.000 جندي، وبعض وحدات بحرية، وتنشر البحرين 15 طائرة مقاتلة، وتعهدت الكويت بنفس العدد، وتنشر قطر 10 طائرات مقاتلة، وتساهم الأردن بستة، وحتى السودان وعدت بثلاث طائرات.
وتنشر مصر وحدات من القوات البحرية والجوية غير محددة الحجم، وستقوم بنشر قوات برية “إذا لزم الأمر”، وبمقارنة تلك المساهمات من المشاركين مع تلك التي أسهموا بها في حربهم ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، يتضح أن الأخيرة تكاد تكون لا شيء.
ورغم ذلك، يبدو حتى الآن أن تلك الدول جميعها ليس لديها “خطة بديلة” حال فشل محاولات إعادة هادي إلى قصره الرئاسي، ومثل هذا الفشل سيكون في أحسن الأحوال محرجا للمملكة العربية السعودية، وبخاصة وزير دفاعها الجديد الذي وجد نفسه بعد شهرين من تقلد منصبه يتخذ قرارا بالحرب.
أما بالنسبة للسيسي، سيكون مسار الأحداث بهذه الطريقة فرصة لإعادة تأكيد القيادة المصرية في منطقة الشرق الأوسط.