رأى الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” في مقاله، اليوم، أن تقدم الحوثي في عدن كان بمثابة خط أحمر بالنسبة للسعوديين، وقد تندم إيران على تورطها يجري في حرب أخرى على أرض عربية.
عندما أعلن السفير السعودي في واشنطن شنَ الضربات الجوية والتدخل العسكري في اليمن مساء الأربعاء، فاجأت المملكة بهذا الجميع، ومنهم إيران.
تقدم الحوثيون وقوات عسكرية من الموالين للمستبد المخلوع علي عبد الله صالح وابنه أحمد باتجاه مدينة عدن الجنوبية بسرعة كبيرة حتى إن الرئيس عبد ربه منصور هادي اعتبر سقوطها مسألة وقت فقط.
وقال الكاتب إن للمملكة العربية السعودية تاريخا طويلا من التدخل العسكري –أكثره كان مضرا- في ما تعتبره حديقتها الخلفية، ولكن المنطقة اعتادت على أن يتخذ دور السعودية شكل لاعب مؤثر في الحروب بالوكالة في سوريا والعراق، بحيث إن أي حسم عسكري مباشر بدا كما لو أنه من حقبة ماضية.
ولكن هذه المرة، كان خطأ الحوثيين وإيران كبيرا، مما اضطر الرياض للرد عسكريا، وذلك لثلاثة أسباب:
إذا سقطت عدن ومعها المضيق الإستراتيجي، باب المندب، الذي تمر عبره حركة النفط المرتبطة بقناة السويس، فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع الجزء الأكثر كثافة سكانية في اليمن سيكون في أيدي الميليشيات المدعومة من إيران، وبهذا تشكل تهديدا مفتوحا للسعودية نفسها.
وقد قال محمد البخيتي، وهو عضو في المجلس السياسي لحركة الحوثي لقناة الجزيرة يوم الاثنين الماضي: “أقول للمملكة العربية السعودية سوف تتحمل مسؤولية أي تدخل، ونؤكد أن أي تدخل سيكون بمثابة نهاية نظام آل سعود في شبه الجزيرة العربية”
فيما صرح النائب الإيراني علي رضا زاكاني: “إن الثورة اليمنية لا تقتصر على اليمنيين وحدهم، وإنما ستمتد بعد نجاحها إلى الأراضي السعودية”، معتبرا أن “الشعب في المنطقة الشرقية السعودية سيقود تلك الاحتجاجات”، وأضاف: “إن الأحداث في اليمن امتداد طبيعي للثورة الإيرانية، وإن 14 من أصل 20 محافظة يمنية ستكون تحت سيطرة الحوثيين في وقت قريب”. وكانت هذه، وغيرها، تهديدات مباشرة للرياض.
وهذا يقود إلى العامل الثالث، وهو الأكثر أهمية: هل يمكن لأي حاكم في الرياض الجلوس ومشاهدة قادة الملايين من العرب السنة ينهارون أمام القوة الإيرانية المنسقة في العراق وسوريا والآن اليمن؟ هل يمكن أن يسلم مهمة حماية السنة إلى تنظيم القاعدة وحركة الدولة الإسلامية في خضم صراع من أجل السيطرة الإقليمية؟ إذا فضلت المملكة الجلوس على يديها، فإنها قد تفقد شرعيتها في نظر مواطنيها وتدفع بها شبابها إلى أحضان تنظيم الدولة الإسلامية.
نعم، الوضع أكثر تعقيدا مما توحي تلك التساؤلات. توسع النفوذ الإيراني إلى أربع دول عربية -إما عبر وكلائها أو قادتها وقوات نخبتها- كان انتهازيا أكثر مما كان مخططا له، وجاء نتيجة لفراغ السلطة، مثلما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي في عام 2003.
الحوثيون متهمون بخدمة مصالح أطراف داخل البلاد وخارجها. ومما لا شك فيه، فإنهم استُخدموا كغطاء للمخلوع صالح لتثبيت سلطة عائلته، وبصورة رئيسية ابنه أحمد، وهو السفير اليمني لدى دولة الإمارات العربية المتحدة ويطمح للعودة رئيسا قادما لليمن.
وكما ذكر الكاتب في العام الماضي، كان للأمير المخلوع حاليا بندر والإمارات يد في فتح اتصالات سرية مع الحوثيين. وكان هدفهم وقف التجمع اليمني للإصلاح، الحزب المرتبط بالإخوان الذي دعم الرئيس هادي. ومثل هذه المجموعة من حكام الخليج كانت تخطط وتعمل لإفشال الربيع العربي.
وبعد أن توفي الملك الراحل وأُبعد أقرب مستشاريه المسؤولين عن هذه الكوارث، واجه خليفته سلمان تبعات فشل السياسة الخارجية التي اعتمدها سلفه.
عشية الهجوم السعودي، حذر نجل الملك سلمان أحمد عبد الله علي صالح من الاقتراب من عدن. عندما تجاهلت وحدات الحرس الجمهوري الموالية لأحمد هذا التحذير، ورأت الرياض أنه تخطى الخط أحمر.
في اليمن، كما كتب “هيرست”، أفسد التجمع اليمني للإصلاح الخطة الأولية برفضه محاربة الحوثيين وحده. ونتيجة لذلك، توسع الحوثيون في سيطرتهم.
ولكن تظل الحقيقة أن المستفيد الرئيس من الهيكل المفكك للعالم العربي السني هو إيران. نفوذها وكذلك مجال عمليات الحرس الثوري قد ازداد. والسؤال الرئيس الذي يطرحه التحالف الذي شكلته السعودية هو ما إذا كانت إيران قد أدركت أنها قد بالغت في التمدد والتوسع.
كل من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وإيران يمكنهما الآن إثارة الاضطرابات في أراضي كل منهما. وإذا كان للإيرانيين تأثير في الشيعة بالمنطقة الشرقية في السعودية وكذلك الشيعة في البحرين، فإن الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الأقليات العربية في إيران.
من الواضح أنه ليست هناك إيران واحدة، ولتكتلات القوى داخل النظام أحيانا أجندة متناقضة، وتزايدت الانتقادات الموجهة لقادة الحرس الثوري الذي يشرفون على عمليات التوسع والتمدد.
ففي العراق، توقفت معركة استعادة تكريت من تنظيم الدولة بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها ميلشيات الحشد الشيعي.
وفي سوريا، تحقق المعارضة السورية انتصارات كما في بصرى الشام في درعا وتتوالى بهذا خسائر نظام الأسد المدعوم من إيران.
ورأى الكاتب أنه مع رحلات سليماني المكوكية بين العراق وسوريا، والآن فتح جبهة واسعة النطاق في اليمن، فإن القادة الأكثر حكمة في طهران قد خلصوا إلى أن الحرس الثوري قد أفرط في التمدد.
وإذا كانت إيران على وشك التوصل إلى اتفاق تاريخي مع واشنطن بشأن برنامجها النووي، الأمر الذي سيرفع عنها العقوبات الاقتصادية، فأين تكمن مصالحها بعيدة المدى؟
هل في الدخول مجددا في الاقتصاد العالمي كبلد مصدر للنفط، أم خوض حروب مريرة في قلب العالم العربي؟ هل تريد حقا العمل بأجندة يمكن أن تؤدي إلى فتنة طائفية أكثر تدميرا بين الشيعة والسنة، أم ينبغي أن توفق بينها وبين جيرانها العرب في المنطقة التي تشكل إيران فيها جزءا حيويا؟
خدمة العصر