بعد قرابة 8 أشهر من العلاج في ألمانيا عاد إلى مسقط قبل عدة أيام السلطان «قابوس بن سعيد» الذي يحكم عمان منذ 44 عاما في ظل أوضاع غير عادية تشهدها منطقة الخليج العربي بشكل عام.
ومن نافلة القول أن الأوضاع في اليمن تحتل حاليا موقعا متقدما في الأجندة الخليجية وتحديدا على طاولة اجتماعات دول مجلس التعاون والتي تعد عمان واحدة منها، وفي هذا السياق فقد لعبت عمان دور الوساطة في الأشهر الماضية بين الحوثيين والحكومة اليمنية وكان لها جهود في الدفع نحو توقيع اتفاق السلم والشراكة ودعت لمبادرة خليجية ثانية كون الأولى لم تحقق النجاح، ولاقت هذه الدعوات الكثير من المعارضة كونها لا تعني سوى مزيدا من السيطرة السياسية للحوثيين، ولكن هذا كله تبدد مع تطور الأحداث والسيطرة المتواصلة للحوثيين على محافظات اليمن، حيث يتواجدون الآن في 12 محافظة من أصل 22 محافظة يمنية.
وتقتضي الإشارة إلى أن عمان وقفت مؤخرا موقفا على يسار دول مجلس التعاون، حيث لم تدعم مسقط شرعية الرئيس «هادي»، ولم تنقل بعثتها الدبلوماسية إلى عدن، كما تغيبت عن اجتماعات مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق باليمن ولم تشارك في بعثته إلى عدن، علما بأنها الدولة الخليجية الثانية بعد السعودية والتي تتشارك بحدود مع اليمن.
وفيما يسعي الحوثيون للتقدم نحو الجنوب، فإن هناك مصادر أشارت أن مسقط نصحتهم بعدم التقدم، من أجل أن لا يخسروا الانتصارات التي تحققت في الشمال، وكذا فإن مسقط ترتبط بعلاقات جيدة مع شخصيات في الجنوب وهذا الموقف يزيد من حرج موقفها ويشير من جهة أخرى إلى ما أشار إليه البعض من وجود تفاهمات بينها وبين إيران الداعم الأساسي للحوثيين.
وعلى ذكر إيران، يبدو من الضروري الإشارة إلى دور عمان في المفاوضات التي تجري بين إيران وبين مجموعة دول 5+1 بخصوص المشروع النووي والتي أفاد وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا أنها وصلت للتفاهم حول 90% من النقاط.
إن موقف عمان في قضايا مجلس التعاون كان يتم تفسره في السابق على أنه انعكاس لطبيعة السياسة الخارجية التي تميل إلى النأي بالنفس عن التدخل وتميل للعزوف، ولكن مع تطور الأمور ووصولها للتأثير على الأمن القومي الخليجي، مع استمرار الموقف العماني الحالي فإن نزاعات قريبة مرشحة للظهور على السطح بين عمان وبقية دول مجلس التعاون خاصة السعودية.
أما الفاعل الذي تشير كافة الجهات لدوره الأساسي بالتحالف مع الحوثيين فهو الرئيس اليمني السابق علي «عبدالله صالح»، وفيما يتعلق بعلاقته مع عمان فقد أثارت رسالته التي أرسلها لتهنئة السلطان «قابوس» بالشفاء مزيدا من الشكوك حول الدور العماني في اليمن وقد حاول «صالح» التلميح إلى دور عمان ومواقفها المختلفة عن توجهات بقية دول مجلس التعاون الخليجي.
ومما جاء في رسالة «صالح» للسلطان «قابوس»: «إن قيادتكم لمسيرة النهضة العمُانية المشهودة، أثمرت نجاحا كبيرا وتميُّزا لسلطنة عمُان الشقيقة، ومواقفكم المُتعقلة والمسؤولة من كل القضايا والأحداث والتطورات التي يشهدها الإقليم والوطن العربي ومحيطه الإسلامي والدولي، وتمسككم باستقلالية القرار الوطني العمُاني الذي جسدتم من خلاله إرادة شعبكم العظيم وحرصه على مصالحه الوطنية، وتعامله الواضح مع الآخرين، وليس أدل على ذلك موقفكم الحريص على مصلحة الشعب العمُاني والأمة العربية من اتفاقية كامب ديفيد، أو من الحرب العراقية الإيرانية، وحتى على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربي، حين حرصتم على مصلحة الشعب العمُاني ودول المنطقة لتكون فوق أي مصالح أخرى».
«أخي العزيز: أجدها مناسبة لأعبر لجلالتكم أننا في الجمهورية اليمنية كنا ومازلنا ننظر إلى مواقفكم المستقلة والمتفردة من كل القضايا والأحداث بعين الاحترام والتقدير.. كما أن إخوانكم أبناء الشعب اليمني لا ينسون ولا يمكن أن ينسوا مواقفكم الأخوية الصادقة تجاه وطنكم الثاني اليمن».
لا يعرف إذا ما كان سيطرأ تغيير على الموقف العماني بعد عودة السلطان «قابوس» بعد غيبة طويلة، وهل ستعود مسقط للوساطة من مدخل علاقتها الجيدة بالحوثيين، يبدو هذا كله متعلق بالأوضاع الميدانية في اليمن وتطوراتها. ولكن المؤكد أن النظرة إلى الدور العماني أصبحت أكثر توجسا وريبة. ستبدي الأيام القادمة حقيقة الدور العماني فيما يتعلق بالعلاقة مع الحوثيين والرئيس اليمني السابق والتي ما زال الغموض يحف كثيرا من جوانبها.
الخليج الجديد