تظهر الرسائل المهربة من السجون وشهادات الأسر تعرضَ المعتقلين في جميع أنحاء مصر لأشكال شديدة من التعذيب الجسدي والجنسي في سجون البلاد ومراكز الشرطة.
كان التعذيب يمارس منذ فترة طويلة على أيدي قوات الأمن في مصر، وهو ما أدانته جماعات حقوق الإنسان الدولية على مدى عقود. لكن الرسائل الجديدة التي كتبها المعتقلون واطلعت عليها صحيفة ميدل إيست آي تشير إلى أن انتشار التعذيب لا يقل في مصر، سواء في درجة انتشاره أو في شدته.
ووفقًا للجنة المصرية للحقوق والحريات، منذ بداية عام 2014 كان هناك ما لا يقل عن 120 حالة وفاة في الحجز.
ففي أحد الخطابات، حصلت ميدل إيست آي على نسخة منه، وصف “حسن علي أحمد”، 29 عامًا، المعتقل في الحبس المشدد بسجن طرة، تعرضه للتعذيب سواءً في السجن أو في مركز الشرطة الذي اقتيد إليه بعد اعتقاله.
وتظهر الرسالة، المكتوبة بتاريخ 19 ديسمبر من عام 2014، تفاصيل المعاملة التي تعرض لها “أحمد” في مركز شرطة البساتين عام 2012، ومن ثم في سجن طرة. ويقول أحمد إنه تعرض للتعذيب في مركز الشرطة بناءً على أوامر من رئيس المركز “خالد عبد المنعم الدمرداش”.
وأكد أحمد تعرضه للتعذيب بشكل مستمر في سجن طرة، أحد أهم أماكن الاحتجاز سيئة السمعة في مصر. وقال أحمد إنه قد تعرض للضرب والاعتداء الجنسي وإن ذراعه اليسرى كسرت خلال ذلك.
وأضاف أحمد أنه أجبر على “شرب خليط من الماء والزيت والملح، ومسحوق الغسيل، والحليب والتبغ” الذي جعله يتقيأ لعدة أيام، وذلك بناء على أوامر من مأمور سجن طرة، الذي قال أحمد إنه يدعى “أحمد إسماعيل”.
كما يمضي أحمد في وصف مكان داخل العنبر؛ حيث تم الاعتداء جنسيًا على السجناء. وأضاف: “إنهم يقومون بتجريدنا من ملابسنا، ويحملون الأنابيب أو الخراطيم ويعتدون بها علينا، ومن أجل الهروب من هذا عليك أن تدفع المال“.
ويكتب أحمد: “وبناء على أوامر من الحراس، فإن المعتقلين الجنائيين يضربوننا بالأسلاك الكهربائية … ويقومون بتعليقنا من أكتافنا عراة، وهم يضحكون ويسخرون منا“.
العشرات من الحالات الحديثة
وتظهر الرسائل والحسابات التي جمعتها عايدة سيف الدولة، مديرة مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب في مصر، واطلعت عليها ميدل إيست آي، تفاصيل عشرات الحالات الأخرى من التعذيب وسوء المعاملة وحتى القتل في السجون المصرية في الأشهر الأخيرة.
وقال أندرو هاموند، الزميل البارز لفرع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “ينبغي أن يكون لقصص التعذيب هذه تأثيرها على سمعة مصر ووضع السيسي الدولي، ولكن هذا ليس هو الحال“. وأضاف أن المشكلة هي قرار الدول الغربية بدعم نظام السيسي وأنه من الصعب أن نتصور أن يجبرهم شيء على إعادة النظر في ذلك.
في 1 فبراير الماضي، اعتقل “خالد مصيلحي” من مظاهرة بالقرب من منزله، وفقًا لعائلته. وفي اليوم التالي، اتصل مركز الشرطة المحلية بعائلته وطلبوا منهم الحضور لاستلام جثته.
وعندما ذهبت زوجة مصيلحي إلى مركز الشرطة في الزقازيق، اكتشفت أن وجهه ملطخ بالدماء. وقالت الشرطة للأسرة إن مصيلحي قد توفى بعد سقوطه من أعلى مبنى كان يحاول السطو عليه، وهو ما وصفته العائلة بأنه أمر مستحيل.
كما يقول أسر السجناء في كثير من الأحيان إن أحباءهم يتعرضون للتعذيب في السجون المصرية. ففي إحدى الحالات التي نشرتها منظمة “دولة بلا تعذيب“، قالت والدة طالب يدعى “حسن جمال حسن ريحان” من الدقهلية إن ابنها لا يزال يتعرض للتعذيب من قبل رجال الأمن.
حسن، الذي تم اعتقاله بتهمة حرق سيارات الشرطة وقتل ضابط عند نقطة تفتيش في 27 يناير عام 2015، اختفى لمدة ثلاثة أيام بعد اعتقاله. وخلال تلك الفترة، نفت السلطات أي معرفة لها عن مكان وجوده.
وتقول والدته: “ثم وجدناه في أحد مراكز الشرطة بالمنصورة، وهو بالكاد على قيد الحياة من شدة التعذيب“. وأضافت: “وهو لا يزال يتعرض للتعذيب بالكهرباء لإجباره على التوقيع على اعتراف بتهم كاذبة“.
قسم أول المنصورة
كان قسم أول المنصورة واحدًا من مراكز الشرطة الواردة في الشهادات التي جمعها مركز النديم. حيث يقول المحامي، طلب عدم ذكر اسمه، إنه وفقًا لموكليه الذين كانوا محتجزين هناك، كان كبير المحققين “شريف أبو النجا” يشرف على تعذيب 13 رجلًا.
ويصف تقرير المركز أنه قد تم “خطف” الرجال الـ 13 وحرمانهم من العرض على النيابة العامة أو مقابلة محاميهم أو عائلاتهم، وأنهم قد تعرضوا للتعذيب من أجل انتزاع اعترافات منهم بارتكاب جرائم مثل مسؤوليتهم عن قطع الطريق في محافظة الدقهلية في 25 يناير الماضي، كما تعرضوا للضرب والصعق بالكهرباء في اليدين والقدمين والأعضاء التناسلية حتى فقدوا الوعي.
كما تم رصد حالة مماثلة في 8 فبراير الماضي، عندما ذكر شبان محتجزون في معسكر الشلال للأمن في أسوان أنهم قد تعرضوا للتعذيب من قبل المشرف على المعسكر وضباطه. حيث ظل الرجال معصوبي الأعين وتعرضوا للتعذيب بشكل منتظم عبر الصعق بالكهرباء وكذلك التعرض للألفاظ النابية والاعتداء والتهديد بالقتل من أجل انتزاع الاعترافات.
ويقول أندرو هاموند إن هذا المستوى من سوء المعاملة الذي تمارسه الشرطة في مصر يمكن تفسيره جزئيًا باستخدام حكومة السيسي للنهج الذي اتخذه القادة المستبدون في الماضي في مصر، وخاصة جمال عبد الناصر وحسني مبارك.
وأضاف: “لقد أصبحت انتهاكات الشرطة في عهد حسني مبارك أمرًا روتينيًا يحدث على نطاق واسع، ويتعدى القضايا السياسية“. وأكد: “ويبدو أن ما يحدث في عهد السيسي الآن هو خليط من عصر القمع في عهد كل من عبد الناصر ومبارك“.
الصعق بالكهرباء والصمت
في 3 فبراير الماضي، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش حالة “عبد الله شحاتة”، مستشار وزير المالية المصري السابق، وشقيقه، الذين كانا يتعرضان لـ “الصعق بالكهرباء وسوء المعاملة” من المحققين لإجبارهم على الاعتراف بحيازة أسلحة.
يذكر أن شحاتة قد قاد المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي، وقد تم اعتقاله منذ 28 نوفمبر من عام 2014.
ويقول نديم حوري، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: “إن صمت الحكومة إزاء التقارير التي تؤكد أن الشرطة تعذبه بالكهرباء وهو أستاذ جامعي يظهر مدى جنوح مصر عن مسارها منذ الربيع العربي“. ويضيف: “برغم أن مصر تواجه تهديدات أمنية حقيقية، ولكن السلطات تستجيب بأساليب تؤدي إلى تفاقم مظالم الناس. وقد كان من أسباب اندلاع انتفاضة عام 2011 وحشية الشرطة واسعة الانتشار“.
كما استشهد مركز النديم بمصدر طبي ذكر بالتفصيل حالة أخرى، حيث تعرض محام للتعذيب أثناء احتجازه، ولكن هذه المرة يبدو أن الضحية قد توفى نتيجة لإصابته.
فقد توفى “كريم حمدي محمد” (27 عامًا) في مركز للشرطة بالمطرية يوم 24 فبراير الماضي مع “عدة كسور في الضلوع وكدمات في بطنه وصدره وظهره، التي ربما كانت ناتجة من الركل“. وأظهر تقرير الطب الشرعي أيضًا أن لديه 10 كسور في الضلوع.
ويقول محمد المسيري، الباحث في منظمة العفو الدولية: “يبدو أن كريم حمدي محمد قد تعرض للتعذيب حتى الموت، ونتيجة لذلك، فقد شهدنا احتجاجات في نقابة المحامين، وأُمر بحظر نشر التحقيقات في قضيته من قبل النيابة العامة“.
ووفقًا للمصدر الطبي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، كان جسد محمد يحمل أيضًا علامات نزيف في الصدر والبطن والرأس. من جانبها، ادعت وزارة الداخلية في بيان لها أن محمد قد اعتقل “من خلية إرهابية” واتهمته بحيازة الأسلحة النارية.
حالات الوفاة في الحجز
لم يكن محمد هو الشخص الوحيد الذي مات في قسم شرطة المطرية ذلك الأسبوع. فقد رصد مركز النديم ومنظمة العفو الدولية أن رجلين آخرين قد لقيا حتفهما في القسم نفسه، توفى واحد منهما في تلك الليلة نفسها.
كان أولهما هو “عماد محمد العطار” (48 عامًا) الذي توفى في القسم بعد اعتقاله لأسباب غير محددة، ويبدو أن الوفاة قد حدثت نتيجة لرفض الضباط حصوله على تدخل طبي عاجل.
الرجل الثاني، هو “مصطفى محمود” الذي توفى في نفس القسم بعد أيام. ورفضت مصلحة الطب الشرعي التعليق على الوفاة. ولكن المسيري قال إنه كانت هناك بعض الأدلة على أنه قد تعرض لضغوط استمرت لساعات قبل وفاته.
ووفقًا لقائمة جمعها ناشطون محليون واللجنة المصرية للحقوق والحريات، كانت هناك 121 حالة وفاة على الأقل في الحجز في مصر منذ بداية 2014، عدد منهم حدث في مركز شرطة المطرية. وتظهر بيانات لمنظمة العفو الدولية أن 9 أشخاص على الأقل قد قتلوا في ذلك المركز للشرطة منذ أبريل 2014.
ويقول المسيري: “إن ارتفاع حالات الوفاة في الحجز قد يرجع إلى حقيقة أن السجناء المحكوم عليهم بالسجن سنة واحدة أو أقل يقضون الآن تلك العقوبة في مراكز الشرطة نفسها، وهو ما يؤدي إلى اكتظاظ مركز الشرطة، والظروف السيئة، وهذا هو السبب في أننا نشهد ارتفاعا في عدد الوفيات“.
لا أساس لها من الصحة
من جانبها، رفضت وزارة الداخلية المصرية الاستجابة لطلبات التعليق على هذه الوفيات أو على عمليات التعذيب أثناء الاحتجاز في مصر بشكل عام.
لكن المتحدث باسم الوزارة، هاني عبد اللطيف، ادعى في تصريح لموقع “أخبارك” المصري بتاريخ 4 فبراير أن ادعاءات منظمات حقوق الإنسان حول إساءة معاملة المعتقلين المسجونين بسبب انتهاكات قوانين الاحتجاج “لا أساس لها من الصحة“.
يذكر أن نزلاء السجون في مصر قد ارتفع عددهم بشكل كبير منذ أن أطاحت القوات المسلحة بمحمد مرسي في شهر يوليو من عام 2013. وتقدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أنه بحلول نهاية عام 2014، وصل عدد المعتقلين من الإخوان المسلمين والمعارضين 42 ألف شخص ضمن حملة الدولة ضد المعارضة.
وإلى جانب ذلك الارتفاع في عدد نزلاء السجون، ازداد أيضًا عدد الإبلاغات عن سوء المعاملة والتعذيب في السجون المصرية، بينما لا توجد أية مؤشرات تذكر على تباطؤ تلك الممارسات.
ويقول المسيري: “إن انعدام المساءلة هو السبب الرئيس وراء استمرار سوء المعاملة والتعذيب للمعتقلين، فحتى الآن، لم نر أي ضابط أمن قد تعرض للمساءلة عن حوادث القتل أو التعذيب“.
بينما يضيف هاموند إنه في الوقت نفسه، فإن حكومات العالم يقدمون أولويات أخرى أعلى بكثير من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، فهم ينظرون إلى السيسي كحليف حاسم في القضايا الأمنية في سيناء وليبيا والقضية الأوسع في سوريا “داعش”. ورغم أن سياساته تجاه إسرائيل تشكل إشكالية لغزة، إلا أنها تعتبر مقبولة بالنسبة للقوى الغربية. وأضاف: “إنه يعرف ذلك، لذا؛ فهو يعرف أنه سيتسنى للدولة البوليسية البقاء على قيد الحياة“.
ميدل إيست آي – التقرير