قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إنَّ السعودية تواجه أزمة هي الأصعب في اليمن، فكي تستطيع محاربة الحوثيين الذين يتحركون برعاية إيرانية، عليها أولا أن تدعم القوات السنية هناك، ومن بينها تنظيم القاعدة و”داعش”.
واعتبر” تسفي برئيل” محلل الشؤون العربية بالصحيفة أن هناك خيارات محدودة أمام الرياض التي تخشى أن يؤدي انتصار الحوثيين بمساعدة إيران إلى حدوث تمرد داخلها من قبل الأقلية الشيعية، وكذلك في جارتها البحرين ذات الأغلبية الشيعية.
ومن بين الخيارات أن ترسل السعودية قواتها لليمن، وكذلك يمكنها الاستعانة بقوات مصرية، لكن ذلك يمكن أن يؤدي لتدخل إيراني مباشر هناك، وتحويل البلاد إلى ساحة قتال دولية، وهو ما يريده أحد.
واستبعد” برئيل” الخيار الديلوماسي في ظل انسحاب جمال بنعمر مندوب الأمم المتحدة لليمن بعد أن تأكد عدم وجود شركاء لإنجاز المصالحة، في وقت يصر الرئيس هادي على خروج الحوثيين بأسلحتهم من العاصمة، وإعادة الأسلحة الثقيلة التي نهبوها من الجيش قبل أي مفاوضات، وهو بالطبع ما يرفضه الحوثيون جملة وتفصيلا.
إلى نص المقال..
بالأمس سقطت مدينة تعز في يد الحوثيين، الأقلية الدينية من التيار الزيدي الشيعي، الذين يشكلون نحو 40% من سكان اليمن على مدينة تعز ثالث أكبر مدينة في البلاد، الواقعة جنوب غرب اليمن، يشكل تحولا خطيرا، حيث تقع المدينة في مفترق طرق استراتيجية، وتؤدي بشكل مباشر لمدينة عدن الساحلية، التي ينوي الحوثيون الوصول إليها لإكمال احتلالهم للبلاد.
ينضم اليمن بذلك إلى سوريا وليبيا حيث اليد الطولى هناك للمليشيات الدينية أو المدنية، وللعراق التي لا يسيطر الحكم المركزي فيها إلا على أماكن محدودة, مضيفا أنه ومثل سوريا والعراق فإن المعركة في اليمن لا تقتصر بين الحوثيين والنظام، الذي يتخذ مع مدينة عدن مقرا له، بعد أن نجح الرئيس عبد ربه منصور هادي في الفرار، من الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون بالعاصمة صنعاء.
تتكون خريطة القوات العاملة في اليمن من عدد كبير من العناصر بشكل قريب الشبه إلى سوريا. ففي الجنوب هناك إلى جانب جزء من قوات النظام أيضا مجموعات كبيرة من ناشطي القاعدة، تحظى بدعم كبير من بعض القبائل السنية. وفي نفس المنطقة تنتشر أيضا عناصر تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش)، بعضهم ناشطون سابقون بالقاعدة، انشقوا عن التنظيم وبايعوا زعيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي.
في المحافظات الجنوبية تنشط أيضا مليشيات سنية، تطالب بإعادة تقسيم اليمن إلى دولة شمالية وأخرى جنوبية، وكذلك قبائل مسلحة تطالب بتوزيع عادل للثروات النفطية بالبلاد، والتي تقع معظمها في الجنوب.
ويقود الحوثيون ومقرهم محافظة صعدة شمال اليمن، صراعا عنيفا منذ نحو عقد من الزمان ضد النظام بحجة المطالبة بالمساواة في الحقوق. وتنضم إليهم كتائب من الجيش اليمني، ظلت تدين بالولاء للرئيس السابق على عبد الله صالح، الذي تمت الإطاحة به في ثورة شعبية عام 2011.
هذا الخليط من القوات لم ينشأ في الأسابيع الماضية، بل انتظر متى تكون الفرصة سانحة للانقضاض على الحكم. ورغم أن الثورة اليمنية التي جاءت ضمن ثورات الربيع العربي أسفرت عن نتائج إيجابية كجهود المصالحة الوطنية وكتابة الدستور، إلا أنها ألبت عليها عدوها الأقوى، الرئيس علي عبد الله صالح. فرغم الإطاحة به من الحكم بشكل مهين، إلا أنه لم يتخلى عن طموحه لإسقاط النظام الجديد، والعودة مجددا إلى سدة الحكم.
لكن أعداء الأمس، هم أصدقاء اليوم باليمن، فصالح نفسه الذي قاد عدة معارك ضارية ضد الحوثيين شمال البلاد خلال سنوات ما قبل الثورة، عاد وجعلهم أشبه ما يكون بالمطية، ومع عدد من القبائل التي ظلت موالية له بدأ في السعي مجددًا للعودة للرئاسة.
في المقابل، فإن تنظيم القاعدة- الذي جعل من اليمن القاعدة الأقوى والأكثر نشاطا في شبه جزيرة العرب، جعل من حكومات اليمين، سواء التابعة لصالح أو التي جاءت بعد الثورة حلفاء للولايات المتحدة والسعودية. وهو التحالف الذي در على البلاد – التي تصنف من أفقر دول العالم- مساعدات عسكرية واقتصادية.
لكن هذا التعاون الذي مكن الجيش الأمريكي من العمل في اليمن كيفما شاء، يقف اليوم على حافة الهاوية. فخلال الأيام الأخيرة سحبت واشنطن قواتها كاملة من قاعدة العند الجوية، وأغلقت سفارتها في صنعاء أبوابها، وبدأت في شن الهجمات على عناصر القاعدة من البحر. وفي اليمن نفسه لم تعد هناك قوات تابعة للنظام يمكن أن يتم التنسيق معها لشن هجمات على القاعدة، مثلما كان في الماضي.
لكن الصراع ضد القاعدة الذي سيتطور ليصبح حربا على “داعش” ( الذي لم يعرف شيئًا عن نشاطه سوى في أغسطس 2014، عندما ذبحت قواته 14 ضابطا يمنيا بمحافظة حضرموت جنوب البلاد) يمكن أن يتضح كمعركة ثانوية في خطة استراتيجية أخرى.
التمدد الحوثي أصبح ورقة سياسية في يد إيران، التي نجحت في لبنان والعراق وفلسطين قبل اندلاع الأزمة السورية في اختيار حلفاء لها من بين التنظيمات الناشطة هناك مثل حماس، أو في أن تبني بنفسها تنظيمات مثل حزب الله، لفرض تأثيرها عليها.
التيار الزيدي الذي ينتمي له الحوثيون، قريب فعلا للشيعة، لكن يختلف عن شيعة إيران، بل يعتبر حتى منحرفا في كثير من النقاط . لكن إيران، التي لا تبحث في الأصول الدينية لأتباعها حولت الحوثيين إلى رعايا، تغدق عليهم بالتمويل والتسليح والتدريب. وهناك اليوم نحو 600 مقاتل حوثي يتلقون تدريبات عسكرية متقدمة في إيران.
وفي مواجهة إيران هناك السعودية، التي تخوض معارك ضد التمدد والتأثير الإيراني في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وخلال حم صالح ساعدت السعودية الجيش اليمني في حربه ضد الحوثيين، بل ونفذ الطيران السعودي غارات بمحافظة صعدة على الحدود السعودية. وبعد الثورة تعهدت الرياض بالمساعدة النظام اليمني في إعادة الإعمار، ونقلت له مساعدات سنوية تزيد عن المليار دولار. لكن وبعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة، وأطيح بالنظام، جُمدت هذه المساعدات وبدأت إيران في تمويل النظام الحوثي.
الأن تواجه السعودية أزمة في غاية الصعوبة: فحتى تتمكن من محاربة الحوثيين وكبح زمام إيران، يتعين عليها دعم القوات السنية. لكن أي سنة تحديدا، والقاعدة و”داعش” وكذلك جزء من قوات الجيش الموالية للرئيس السابق وبعض القبائل الداعمة لقاعدة هم سنة؟.
الأزمة السعودية هي نفسها الأمريكية، فأمريكا لا يمكنها أن تكتفي بالحرب ضد القاعدة في اليمن وتجنيد السعودية إلى جانبها، بينما هي نفسها تدير مفاوضات في مرحلة متقدمة مع إيران بشأن برنامجها النووي، وترسخ بذلك مكانة إيران بالمنطقة.
كذلك تخشى السعودية من إمكانية أن يؤدي انتصار الحوثيين مع إيران في اليمن، إلى تمرد مدني داخلها من قبل الأقلية الشيعية، وكذلك في جارتها البحرين ذات الأغلبية الشيعية. لذلك قيل في مؤتمر طارئ أمس الأول بالرياض بمشاركة مندوبين رفيعي المستوى من كل دول الخليج أن ” أمن اليمن هو أمن الخليج العربي”. لكن كيف يمكن تحقيق هذا الأمن؟.
بشكل نظري يمكن لدول الخليج أن ترسل قوات لليمن للقضاء على الحوثيين. يمكن أيضا لمصر التي تدير مباحثات لتشكيل قوة تدخل عربية، أن تشارك بقواتها في الحرب باليمن. لكن تدخل عسكري عربي يمكن أن يؤدي لتدخل إيراني مباشر هناك، وتحويل البلاد إلى ساحة قتال دولية، وهو ما يريده أحد.
الآن، يعد المسار الدبلوماسي، هو المخرج المناسب الوحيد الذي يمكن أن يهدئ الصراع. لكن مندوب الأمم المتحدة باليمن جمال بن عمر رفع هو الآخر يديه وغادر البلاد بع أن اتضح له أنه ليس هناك حاليًا شركاء في التصالح. الرئيس المعزول هادي يصر على مغادرة الحوثيين العاصمة بأسلحتهم، ويعيدوا للجيش السلاح الثقيل والذخيرة التي نهبوها قبل بدء أي المفاوضات.
بالتأكيد هذه الشروط لا يقبلها الحوثيون الذين يبدون استعدادا كحد أقصى للعودة للصيغة القديمة التي طرحوها، والتي تقضي بتشكيل حكومة مؤقتة يتم تعيين أعضائها من خلال مجلس محلي يقومون هم باختياره.
هناك إمكانية أخرى أن تعترف أمريكا والأمم المتحدة بحكم الحوثيين لليمن، ويضمنوا بذلك على الأقل أن يكون في البلاد نظام مركزي يمكن أن يكون حليفا في الحرب ضد القاعدة والدولة الإسلامية. لكن بذلك أيضا سيتم منح إيران صلاحية لفرض وصايتها على اليمن وقطع رجل السعودية من دولة أخرى بالمنطقة.
الإمكانية الثالثة هي الانتظار لحين الانتهاء من المعاهدة النووية مع إيران، وضم طهران بعد ذلك للمنظومة الدولية التي تحاول حل الأزمة في سوريا والعراق والآن في اليمن. هذه الإمكانية تعتبر الآن خيالية، لكن الحركات التكتونية التي تجري في المنطقة يمكن أن تحول أكثر الأوهام هذيانا إلى حقيقة واقعية.