تقدر وزارة الداخلية السعودية أن حادثتي انتحار تشهدهما البلاد يومياً، ويتوزع الضحايا بين العمال الأجانب والسعوديين الذين يعانون من ظروف مالية ونفسية قاهرة. وإذا كانت أرقام المنتحرين شهدت تنامياً في الأعوام الأخيرة، فإن الأشهر الماضية شهدت تحوّلاً لدى الشبان السعوديين في هذا الاتجاه، فبعد أن كانوا ينتحرون، صاروا يدفعون «الدمى» إلى الانتحار.
انه انتحار «وهمي» راج في الآونة الأخيرة، إذ تُعلق دمية أحياناً تكون على هيئة ذكر أو أنثى على جسر عام، متدلية من حبل ملفوف حول عنقها، في محاولة – على ما يبدو – للفت الانتباه و»المزاح»، إلا أن الأجهزة الرسمية وقانونيين اعتبروا هذا «المزاح» جريمة يعاقب عليها القانون.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، مقطعاً مصوراً، يُظهر انتحار شخص شنقاً فوق جسر بارز في العاصمة الرياض ليلاً. إلا أن شرطة الرياض أكدت أنه «دمية». وتوّلت الأجهزة الأمنية إزالة الدمية «المنتحرة»، مؤكدةً أنه «يجري البحث عن المتسبب في إزعاج المارة الذي كاد يتسبب بأكثر من حادثة على الطريق، بوضع هذه الدمية أعلى الجسر، لاتخاذ الإجراءات الخاصة في حقه».
وقال المتحدث باسم شرطة الرياض العقيد فواز الميمان لـ «الحياة»، تعليقاً على حادثة الرياض: «تمت إزالة الدمية في حينه، وحتى الآن لم يتم ضبط المتسبب». وحول كيفية التعامل مع المتسبب، قال الميميان: «إذا ضُبط، فلكل حادث حديث».
وعلى رغم توعد الأجهزة الأمنية بـ»ملاحقة الفاعلين»، إلا أن الحادثة لا تعد الأولى في «مزاح مجهولين». ففي منتصف شباط (فبراير) الماضي، تم تداول مقطع فيديو آخر، تظهر فيه فتاة منتحرة على أحد جسور المشاة في جدة. إلا أن الأجهزة الأمنية أكدت أن الجثة المعلقة على جسر مشاة حي البوادي «ما هي إلا دمية بملابس فقط لإيهام المارة بأنها جثة فتاة منتحرة شنقاً».
وأكد المتحدث الرسمي باسم مديرية الدفاع المدني في منطقة مكة المكرمة العقيد سعيد سرحان، في بيان صدر حينها أنه «ورد بلاغ من الدوريات الأمنية، بطلب إنزال كيس معلق من على جسر المشاة في حي البوادي، خشية أن يكون به عمل جنائي، فتم إنزاله من طريق فرق الإنقاذ. واتضح أن داخله مجموعة ملابس، وسلمت الحالة للدوريات الأمنية لإكمال الإجراءات المناسبة حيال ذلك».
وقبل أسابيع شهدت مدينة بريدة (وسط السعودية) حادثة مماثلة، حين قام مجهولون أيضاً بوضع «دمية»، معلقة بحبال، على جسر بارز في المدينة. إلا أن هذه الدمية وضعت بشكل احترافي، باستخدام أخشاب وقطن، وجرى تلبيسها ثوباً وشماغاً، لتبدو أنها شاب انتحر من أعلى الجسر، ما أثار «هلعاً كبيراً» بين المارة.
وأكد الاختصاصي النفسي الدكتور نايف الخمشي لـ «الحياة» أن «أهداف الشبان في تعليق دمى منتحرة في الشوارع والطرق الرئيسة، لا تتعدى الإثارة وجذب الانتباه». وأوضح أن هدف الشبان من تعليق الدمى «ينطلق من مبدأ الإثارة والتشويق»، مشيراً إلى أن هذه التصرفات «يقوم الفرد بارتكابها في الغالب بعد أن يقوم بتخيل رد فعل الآخرين، ويريد أن يراها على الواقع».
ووصف قانونيان، معلقي الدمى بـ»العابثين»، مؤكدين استحقاقهم العقوبة التعزيرية التي تصل إلى السجن. وقال المحامي سلطان المخلفي لـ»الحياة»: « قوانين السعودية قائمة على الشريعة الإسلامية، التي نهت عن ترويع الناس، أو تهديد أمنهم بأي شكل من الأشكال، والمحافظة على سلامة الجميع»، لافتاً إلى أن «القوانين الوضعية تمنع أيضاً كل ما يهدد سلامة المواطن، وتضمن للمواطنين أحقية استخدام الطرق براحة وأمن».
وتابع: «هذه الممارســات مقلقة للشارع وللمارة، وهي ترويع لهم، ربما تسبب مشكلات نفسية للذين يرونها ولا يتحملون بشاعتها، وتعيق حركة السير. ويطبق حكم التعزير على مرتكب هذا الفعل، لممارسته جريمة ترويع الناس، وتعطيل وإعاقة حركة السير».
وأوضح المستشار القانوني المحامي أحمد السديري لـ»الحياة»، أن «العابثين الذين يفعلون مثل هذه الأمور يهدفون إلى إرباك الشارع لذلك تجب معاقبتهم، فهم يزيفون ويختلقون أموراً وحوادث كاذبة لترويع الناس». وعن عقوبتهم القانونية، قال: «التعزير بالتوقيف، أو السجن، أو غيره من العقوبات التعزيزية، ويتم التوصّل إليهم من طريق كاميرات المراقبة».
نقلا عن الحياة