للمرة الخامسة، أرجأ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون نشر نتائج التقرير بشأن مراجعة أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا، على الرغم من انتهاء اللجنة التي أوكلت لها الحكومة البريطانية التحقيق في الأمر من إعداد تقريرها منذ أواخر العام الماضي.
وقال كاميرون في بيان لمجلس العموم، نشر على الموقع الرسمي للمجلس يوم الاثنين الماضي، إن التقرير بشأن مراجعة أنشطة جماعة “الإخوان المسلمين” سوف ينشر بالتزامن مع نشر الاستراتيجية الجديدة للحكومة لمكافحة التطرف.
ولم يحدد كاميرون موعدًا دقيقًا لتلك الخطوة يتوقع أن تكون قبل نهاية الشهر الجاري حيث تنتهي ولاية مجلس العموم في 30 مارس.
وفي نص البيان قال كاميرون: “أريد أن أحيط البرلمان بآخر التطورات وهي أن تقرير النتائج الرئيسية بخصوص مراجعة موقف الإخوان المسلمين، سيتم نشره جنبًا إلى جنب مع نشر الاستراتيجية الجديدة للحكومة لمكافحة التطرف”.
وعن أسباب تأخر نشر التقرير والتأجيل المستمر، أرجع كاميرون ذلك إلى نقطتين هما “المسائل المتعلقة بسياسات أوسع واستراتيجية أوسع”، قائلاً: “نعتبر أن المسائل المتعلقة بسياسات أوسع تنشأ من المراجعة والاستراتيجية الأوسع، ومن الواضح أنه سوف يكون هناك حاجة فيما بعد للقيام بتدابير أكثر شمولاً في البرلمان المقبل، لمواجهة تهديد التطرف على الولايات المتحدة، ودعم المجتمعات المحلية لتحدي أولئك الذين يعارضون القيم البريطانية”.
ولا يعرف على وجه الدقة متى تعلن الحكومة استراتيجيها في مكافحة التطرف، غير أن صحيفة “التليجراف” البريطانية، قالت منذ أكثر من أسبوع إنها حصلت على مشروع وثيقة رسمية، تتضمن إجراءات، لتعزيز مكافحة التطرف في بريطانيا، والتي قد تنشر قبل نهاية الشهر الحالي، أي قبل انتهاء ولاية البرلمان في 30مارس الحالي، استعدادًا للانتخابات التشريعية المقبلة في السابع من مايو المقبل.
وكانت تسريبات حكومية أكدت أن نتائج التقرير ستتضمن تبرئة الإخوان من أي اتهامات لهم بالضلوع في أعمال إرهابية، وأن التحقيق الذي قاده السير جون جينكينز، السفير البريطاني السابق بالسعودية انتهى إلى التوصية بعدم حظر الجماعة في المملكة المتحدة أو إدراجها على قوائم الإرهاب، فلماذا تأخر نشر التقرير؟ ولمصلحة من؟ وما موقف الإخوان من تأجيل التقرير؟
الدكتور عزام التميمي، القيادي الإخواني المقيم ببريطانيا، رجح أن يكون تأجيل الإعلان عن نتائج التقرير لأنه جاء على غير هوى رئيس الوزراء البريطاني والدول التي طلبت التقرير، وقال إن “كاميرون أراد تشويه الإخوان بصورة أخرى، وهو ما واجهه الإخوان بالتهديد بمقاضاته أمام المحاكم البريطانية إذا قام بتشويه الجماعة دون دليل”.
وأضاف التميمي عبر حسابه على موقع تويتر: “سألني أحد السياسيين والمحللين البريطانيين عما إذا كانت مثل هذه النتيجة (تبرئة الإخوان) ستمثل تناقضًا مع الدعم العلني الذي أعلنت عنه الحكومة البريطانية لنظام السيسي، وخاصة في مؤتمر شرم الشيخ الأخير، فقلت: بإمكان الحكومة البريطانية تبرير دعمها لنظام السيسي باسم المصلحة ولكن لا يمكنها تبرير اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب إذا كانت لا تملك تقديم دليل على ذلك”.
وتابع: “أخشى ما تخشاه الحكومة البريطانية إن افترت ما ليس لها به علم أن تتورط فى معركة قضائية ليس لها أول وليس لها آخر، وقد تبدأ فى محاكم بريطانيا وتنتهى فى المحكمة الأوروبية العليا إذا اقتضى الأمر، مع ملاحظة أن القضاء البريطانى ليس كقضاء الأنظمة العربية المستبدة ولا كقضاء مصر، ويمكن أن تجد الحكومة البريطانية نفسها فى ورطة إذا افترت على أحد دون أن تثبت ادعاءاتها عليه، ولقد هدد الإخوان المسلمون فعلا بمقاضاة الحكومة البريطانية فى محاكم بريطانيا إذا ما تعمدت الحكومة تشويه سمعة الإخوان والإساءة إليهم”.
واستدرك التميمي قائلاً: “يمكن أن يتفهم الرأى العام البريطانى أن لبريطانيا مصلحة فى دعم النظام الحالى فى مصر أملاً فى تحقيق الاستقرار وجنى فوائد اقتصادية من ذلك، ولكن لا يمكن أن يقبل بأن تدعى الحكومة ضد أى طرف دون أن تقدم الدليل الدامغ على ادعاءاتها، ونحن الآن مقبلون على انتخابات فى 7 مايو المقبل، وستكون الحكومة فى غاية الحذر لأن أى حسبة خاطئة يمكن أن تكلف التحالف الحاكم خسارة مجلجلة فى الاقتراع الذى سيجرى بعد شهرين من الآن”.
وفي الأول من أبريل الماضي، أعلنت السلطات البريطانية “إجراء مراجعة لفلسفة وأنشطة جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، حيث أمر رئيس الوزراء البريطاني، أن تشمل المراجعة نشاط الجماعة داخل بريطانيا، وتأثيرها على الأمن القومي البريطاني والسياسة الخارجية بما يشمل العلاقات المهمة مع دول في الشرق الأوسط”.
وجاء ذلك ـ وفق محللين ـ بضغط مصرى وسعودى على الحكومة البريطانية للسير على خطاهما فى اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، منها ضغط السعودية بوقف صفقات طائرات وأسلحة، لكن عقب وفاة الملك عبد الله الذى تردد أنه لعب دورا فى الضغط على لندن، وتغيير أولويات المملكة السياسية مع مجيء الملك الجديد سلمان، وتراجع الضغوط على بريطانيا، عادت التحليلات لترجح أن يكون أحد أسباب عدم إدانة التقرير للإخوان، بحسب ما سربته صحف لندن، هو تحرر أعضاء لجنة التحقيق من الضغوط الخليجية، ومن ثم إصدارهم تقريرا محايدا.
ويشير محللون إلى أن لندن، ارتأت تأجيل إعلان تقريرها الرسمى مرة خامسة، مكتفية بالتسريب كى لا تدخل فى صراعات مع الإمارات التى كانت تنتظر إدانة الإخوان، ولعدم إفساد مشاريع معها.
فى هذا السياق، أبدى محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، استغرابه من تأجيل بريطانيا إعلان التقرير الخاص بالجماعة، قائلاً إن هذه هى المرة الخامسة التى يحدث فيها هذا الإجراء دون أسباب واضحة.
وربط سودان بين دور الإمارات وتأجيل عرض نتائج التقرير، قائلاً “هناك رغبة إماراتية فى إدانة الجماعة”، مرحبًا فى الوقت ذاته بتوقف السعودية عن ممارسة ضغوط على بريطانيا فيما يتعلق بهذا الشأن، موضحًا أن الرياض أفرجت عن عدد كبير من قيادات جماعة الإخوان المصريين، كانوا معتقلين لديها خلال فترة حكم الملك عبد الله.
فيما قال أحمد رامى القيادى بجماعة “الإخوان المسلمين”، إن أطرافًا إقليمية ليس لها مصلحة فى أن يصدر تقرير يبرئ ساحة الإخوان، من بينها تلك التى أدرجت الجماعة على قائمة الإرهاب، مثل الإمارات وإسرائيل.
وأكد رامى أنه وفقا للتسريبات الصحفية، فإن التحقيق انتهى إلى تبرئة الإخوان من تهمة الإرهاب، وذكر أنه لا ينبغى أن تصنف الإخوان كمنظمة إرهابية. وأضاف أنه ليس هناك لدى الجماعة أى تخوفات حول نتائج التقرير، المنتهى بالفعل بعد إدانة الإخوان بممارسة الإرهاب أو دعمه، وغير المتصور أن يتم التغيير فيه.
وكانت لجنة التحقيق التقى الأخير على مدار عدة أشهر، بعدد كبير من رموز جماعة الإخوان المسلمين فى مصر والدول العربية، وفى مقدمة هؤلاء زعيم حركة “النهضة” التونسية، راشد الغنوشي، والمراقب العام لـ”إخوان الأردن، القيادة التاريخية همام بن سعيد، ونائبه المسجون حاليا فى السجون الأردنية زكى بن أرشيد، بالإضافة إلى قيادات من حزب “العدالة والتنمية” فى المغرب، من بينهم وزير الخارجية السابق، سعد الدين العثماني، والأمين العام للجماعة فى مصر، محمود حسين، وعضو مكتب الإرشاد الدولى للجماعة فى لندن، إبراهيم منير.