كتب الدبلوماسي الفرنسي السابق، ignace leverrier، في مدونته بصحيفة لوموند الفرنسية، تقريرا حول ما تداولته وسائل إعلام ومواقع إخبارية من أخبار حول ما تعرض له في الأسابيع الأخيرة، وقال التقرير إن الغموض يعد أمراً طبيعياً في ملفات كهذه، بما أن المعني بالأمر من أبرز الشخصيات التي عملت في جهاز المخابرات خلال حكم الأسد.
ويلفت التقرير إلى أن هذه القضية تحمل الكثير من الدلالات فيما يتعلق بهذا النوع من الأشخاص والعلاقات داخل هذا الجهاز، وحدود تسامح النظام الحاكم مع أخطاء أعوانه، ومدى استعداده لاستغلالهم لتحقيق مصالحه.
وذكّر التقرير بأن رستم غزالة، المكنى بـ”أبو عبدو”، عُيّن مديرا للأمن السياسي في سوريا إثر التفجير الذي استهدف مقر مكتب الأمن الوطني في دمشق في 18 يوليو 2012، ولكنه معروف أكثر بدوره في لبنان خلال السنوات الأولى للألفية، حيث استغل نفوذه ومنصبه في أجهزة المخابرات السورية للقيام بأنشطة غير قانونية. ومن ذلك، دوره في إفلاس بنك المدينة بعد أن استحوذ على قروض وصلت إلى 200 مليون دولار خلال ثلاث سنوات، والدور الذي قام به في التفجير الذي أودى بحياة رئيس الوزراء رفيق الحريري و15 آخرين في فبراير 2005.
وقالت الصحيفة الفرنسية بأن رستم غزالة وصل إلى مستشفى الشامي، وهو مستشفى خاص يقع قرب القصر الرئاسي في مرتفعات دمشق يقدم العلاج للنخبة السياسية والعسكرية وعائلة الأسد، في الخامس عشر من فبراير 2015 وهو في حالة حرجة، ورغم الغموض الذي يلف أسباب دخوله المستشفى، فإن أنصار النظام السوري تداولوا فيما بينهم أخباراً متضاربة حول أسباب وصوله إلى هذه الحالة ومدى خطورتها.
وقالت الصحيفة إن من تحدثوا عن وفاة الجنرال رستم غزالة يقولون إنه تعرض لأزمة قلبية مفاجئة، فيما يقول آخرون أنه أصيب بجروح قاتلة في أثناء قيادته لمعارك ضد الجيش الحر في منطقة درعا. لكن أفادت روايات أخرى بأنه قتل على يد عناصر “فيلق القدس″ الإيراني الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، فيما قالت روايات أخرى بأن الأسد اكتشف تورط ضباط علويين في مؤامرة للإطاحة به، مما دفعه لإصدار الأوامر بتصفية رستم غزالة.
وأضاف التقرير أنه بالرغم من تضارب الروايات وغياب الإثباتات، فإن إمكانية صدور قرار من بشار الأسد بتصفية رستم غزالة تبقى واردة جداً بالنظر لحادثة وفاة ضابط آخر في دير الزور سنة 2013، نظر إليها وقتها باعتبارها بداية لسلسلة من عمليات الإخفاء المدروسة للمسؤولين الأمنيين السوريين الذين تورطوا في لبنان.
ونقل تقرير الصحيفة عن رئيس حزب البعث اللبناني عاصم قانصو، الذي زار رستم غزالة في المستشفى، أن هذا الأخير أصيب في رجله وعينه بشظايا قذيفة في إحدى مواقع القتال في جنوب سوريا.
ولاحظ التقرير أنه رغم كثرة الروايات وتضاربها، فإن هنالك شبه إجماع على أن من أصدر الأوامر بتصفية رستم غزالة هم أقرانه في الجيش، وأضاف أن أبرز المشتبه بهم هو الجنرال جميل حسن، الرئيس الدموي للمخابرات الجوية، الذي يقال إنه أصدر الأوامر للطائرات بقصف محيط منزل رستم غزالة، بذريعة منع مقاتلي الجيش الحر من التقدم داخل بلدة قرفا، وجميل شحادة مدير المخابرات العسكرية الذي اتهم غزالة ببيع البنزين لمقاتلين معارضين للنظام في جنوب البلاد.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن غزالة كان قد أثار غضبا كبيرا في صفوف زملائه بسبب رفضه السماح لقوات من إيران وحزب الله بالتمركز داخل منزله في مرتفعات بلدة قرفا في محافظة درعا، حيث أرادت تلك القوات اتخاذه مركز عمليات ومستودعاً للمدفعية والمدرعات لصد تقدم المعارضة على محور دمشق – درعا.
وبدلاً من ذلك، قام غزالة بتفجير منزله بالكامل وحرق مكوناته كافة، ونشر تسجيلاً للعملية على اليوتيوب، في حركة تحد واضح للأوامر الصادرة بالتعاون مع الإيرانيين وحزب الله.
* هل أنهت مقصلة إيران رستم غزالة؟
وقدم الكاتب أحمد عياش في صحيفة النهار اللبنانية رواية قريبة مما عرضه الدبلوماسي الفرنسي، قائلا:
في النصف الثاني من فبراير الماضي ظهَر غزالة معافى في شريط تلفزيوني يبرر إقدامه على نسف قصره في بلدته قرفا بجنوب سوريا ليتبيّن أن المسؤول السوري لم يشأ أن يتحوّل قصره مقر عمليات للحرس الثوري الإيراني الذي صار المسؤول عن إدارة دفة الصراع بالنيابة عن النظام السوري.
ولهذه القصة تتمة، إذ تفيد المعلومات ان النظام السوري كلّف المسؤول الاقتصادي السابق في الحكومة والحالي في منظمة “الأسكوا” عبدالله الدردري أن يسعى في طهران قبل نحو شهر للحصول على مبلغ 6 مليارات دولار فكان جواب طهران أن الجمهورية الإسلامية قدّمت حتى الآن للنظام في دمشق نحو 20 مليار دولار ومن الآن فصاعداً لن تقدّم أموالاً من دون مقابل. والمقابل التي تطلبه إيران هو التملّك في سوريا وهكذا كان.
وتضيف هذه المعلومات أن طهران صارت الآن تملك بموجب سندات، فنادق في العاصمة السورية كما تملك مقام السيدة زينب وآلاف الهكتارات من الأراضي المحيطة بالمقام. وعلى رغم هذه التنازلات لم يعد الدردري من زيارته إلى طهران إلا بمليار دولار من أصل الـ6 مليارات التي طلبتها دمشق.
المعلومات لا تزال تتداول في سوريا، وخاصة في أوساط رجال النظام السوري الذي بدا عاجزاً عن التحكّم في الصراعات التي راحت تنشب بين رجاله وآخرها بين غزالة وبين اللواء رفيق شحادة رئيس المخابرات العسكرية. وفيما يتركز الاهتمام على ما حدث بين الأخيرين فإن الثابت أن ذروة التوتر كانت في حرق غزالة قصره كي لا ينتقل إلى الحرس الثوري الإيراني.
عندما يستغني نظام عن رجل لم يُعرف عنه سوى شراسته في خدمة رأس هذا النظام، معنى هذا أن الأسد لم يعد قادراً على حماية رجاله في ظلّ القبضة الثقيلة التي تُطبق بها إيران على سوريا. ويروي بعض زوّار العاصمة السورية أن هناك حواجز في دمشق يقيمها رجال أمن إيرانيون وعلى السوريين الامتثال لها عند المرور عليها.
يذكر أنه منذ العام 2005 إلى العام 2015 كانت مهمة غزالة أن يلتحق بـ”الحرس الثوري” لتطويع سوريا. ولما تمرّد تمّت إزاحته. إن المقصلة الإيرانية لم تنهِ رجلاً بل النظام برمّته.