عودة المعارض السعودي كساب العتيبي للرياض بعد 20 عامًا في المنفى، الإفراج عن بهية الرشودي ابنة الشيخ سليمان الرشودي “80عامًا” أحد مؤسسي جمعية الحقوق المدنية والسياسية “حسم”، المعتقل منذ سنوات، بعد عام من السجن لمطالبتها بالإفراج عن والدها، كما تم الإفراج عن ابنها عبدالله السند، ومن قبل الإفراج عن الشيخ عقيل العقيل مدير مؤسسة الحرمين الخيرية، أكبر مؤسسة خيرية في السعودية، والتي تم إغلاقها وتجميد أموالها في البنوك، والإفراج عن الشيخ عبد الرحمن السديس “أكاديمي شرعي”، فهل يعني ذلك أن النظام بدأ يفتح الملف الحقوقي ويفرج عن معتقلي الرأي وأصحاب التوجهات السياسية، وهو الملف الذي أثير بقوة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وكان مادة خصبة لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، وكان سببًا في توتر العلاقات بين السعودية والسويد، وسحب السفير السعودي من استوكلهولم، وإلغاء الأخيرة اتفاقات التسلح مع الرياض، وتهديدات النمسا بإلغاء مشاركتها في مركز الحوار العالمي بمدريد الذي تتكفل السعودية بجميع نفقاته ودعمه؟
تساؤلات كثيرة حول الملف الحقوقي في السعودية، ومعتقلي ومسجوني الرأي، من جمعية الحقوق المدنية والسياسية “حسم”، والنشطاء القانونيين “وليد أبو الخير”، ونشطاء الإنترنت “رائف بدوي” مؤسس الشبكة الليبرالية، والشرعيين “الشيخ خالد الراشد”، والموقوفين والمسجونين على ذمة قضايا تظاهرات واحتجاجات العوامية والقطيف، والمحكوم عليهم بالقتل “الشيخ نمر بن باقر النمر” وعدد من النشطاء، فهل تقدم السلطات على خطوات لتصفية أوضاع المعتقلين والموقوفين، والمحكوم عليهم بعقوبات قاسية، والتفاوض مع المعارضين السعوديين في الخارج وعودتهم للبلاد، أم أن الوضع سوف يستمر كما هو؟
مصادر تقول إن السلطات السعودية بدأت في التفاوض مع “بعض” المسجونين والمعتقلين في الداخل والمعارضين في الخارج، ولكن إصرار السلطات على كتابة التعهدات وإعلانات التوبة وعدم انتقاد الدولة والاعتراف بالخطأ سوف يجهض المفاوضات، مع من دفعوا سنوات عدة من أعمارهم دفاعًا عن آرائهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم، كذلك الأمر مع المعارضين في الخارج، فكيف يتم التعامل مع هذا الملف الشائك في ظل التوجهات الجديدة للعاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز، والتحديات الداخلية والخارجية؟
ولكن، رموز سعودية معارضة بالخارج تنفي وجود أي اتصالات مباشرة معهم من قبل السلطات، وتؤكد رفضها لأي مساومة على آرائهم وتوجهاتهم، ويؤكدون أنهم لن يساوموا على مطالبهم للإصلاح، لأنها ليست مطالب شخصية؟
البعض يرى أن الإفراج عن المعلمة بهية الرشودي وابنها عبد الله السند، كان متوقعًا بعد التصريحات الإيجابية التي نقلت عن “الرشودي” في لقائها مع اللجنة التي شكلت من إعلاميين وأكاديميين وأعضاء وعضوات بمجلس الشورى وقامت بزيارة سجن الحائر وسجون المباحث، كذلك الإفراج عن الشيخ عقيل العقيل الذي حصل على أحكام نهائية وباتة بالإفراج عنه، ود.السديس الذي قضى كامل محكوميته، وكذلك عودة الدكتور كساب العتيبي، وما تردد منذ فترة بشأن اتفاقه على العودة للسعودية بشرط عدم انتقاد النظام، وما أثير حول تعويضه ماديًا عن السنوات التي قضاها في المنفى، ومن ثم البحث عن الجديد في هذا الملف وحله بشكل يرضي الطرفين -السلطات والمعارضين- وتخفيف القيود على أصحاب الرأي، والسماح بقدر من الحرية لتخفيف الاحتقان في الداخل؟
الدكتور كساب العتيبي، أعلن في تغريدة له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “بعد 20 سنة من الغُربة أجد نفسي في طريقي إلى الرياض، 20 عامًا من النجاحات والإخفاقات والذكريات، عائد لوطني ووالدتي“، مما يؤكد المعلومات الخاصة بتفاوضه مع وزارة الداخلية وقبوله بالشروط والتعهدات، ليغلق ملفه ويظهر في “الثامنة مع داوود الشريان” ويتحدث عن أربعة محاور “بداياته، ملف الإمارات، ملف العودة، ملف قطر“، وهو ما جعل الناشط السعودي إبراهيم النوفل، يتساءل في تغريدة له في هشتاق (#كساب_في_الثامنة): “د. كساب مع الشريان مباشرة، أقصى اليمين مع أقصى اليسار، أمر محير.. ؟!“.
وكساب العتيبي (45 عامًا) غادر السعودية عام 1994، وانضم إلى المعارضين محمد المسعري وسعد الفقيه، تحت اسم “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية“، قبل أن يتركها لاحقًا، ودأب على توجيه انتقادات للنظام السعودي؛ إلا أن هذه الانتقادات بدأت تخف حدتها في أعقاب توجيه الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودي (ولي ولي العهد الحالي)، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بأمر نقل والد العتيبي بطائرة خاصة لعلاجه، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وهو ما دعا العتيبي إلى الإشادة ببادرة الأمير محمد بن نايف وشكره.
وجاءت عودة العتيبي للمملكة بعد أقل من شهرين من تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في البلاد يوم 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، وسط أنباء عن عودته بموجب صفقة، تنص على عدم اعتقاله في مقابل وقف انتقاداته للنظام.
والدكتور كساب العتيبي، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وماجستير ترجمة وفقه لغة (إنجليزي – عربي)، ويقول طبقًا للبروفايل الخاص به على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر“: “أسعى لتغيير واقعنا السياسي، مؤمن بأن الإنسان بلا حرية لا قيمة له، احترام المرأة شرف“.
أما الدكتور سعد الفقيه، فهو مؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح بالسعودية، وأحد رموز المعارضة بالمملكة، حاصل على بكالوريوس طب من جامعة الملك سعود بالرياض وحصل على الزمالة الطبية من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، وهو استشاري جراحة المناظير وأستاذ مساعد سابقًا، وهو من أبرز النشطاء الإصلاحيين الموقعين على بيان المطالب في أبريل 1991، ومذكرة النصيحة في 1992، وهما خطابان قدما للملك الراحل فهد بن عبد العزيز، للمطالبة بالإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، وشارك في عام 1993 مع الدكتور محسن العواجي والدكتور محمد الحضيف، في تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية.
وينفي “الفقيه” وجود اتصالات مع النظام السعودي مع المعارضة في الخارج، وأكد أنه لم يتصل به أحد منذ سنوات، ورفض التعليق على أي اتصالات مع معارضين آخرين، وقال: “كان النظام يحاول مفاوضتنا منذ أن انطلقنا وكانت آخر محاولة للاتصال قبل 6 سنوات، وفي كل مرة نضع شروطًا قاسية فيتراجعون، وشرطنا الأول أن لا يتصل بنا أحد إلا ولديه تفويض موثق من أعلى سلطة في الدولة، والثاني أن لا يبدأ النقاش إلا بعد إطلاق كل سجناء الرأي، والثالث أن لا يطرح معنا عروضًا شخصية، بل يكون النقاش سياسيًا، ورغم كثرة المحاولات لم يوافق النظام ولا مرة على هذه الشروط، فكنا نرفض دائمًا، وكما ذكرت كانت آخر محاولة قبل ست سنوات“.
التقرير