يصادف الثلاثاء (17|3) الذكرى السنوية المؤلمة الأولى لاختطاف ومحاكمة المغرد أسامة النجار، ودخول الشقيقات الثلاث الشهر الثاني في الاختفاء القسري. ولكن الأمر الذي قد لا يكون مصادفة، هو تزامن هذين الاستهدافين لحملة إعلامية ورسمية تشنها صحفنا المحلية وشخصيات محسوبة على جهاز الأمن، على مواقع التواصل الاجتماعي ورواده من متلقين أو مغردين مؤثرين. فما هي هذه الحملة؟ وما هي أهدافها؟ وكيف دفع أسامة والشقيقات الثلاث ثمن حق استخدام هذه المواقع وحريتهم في استخدامها، قبل أن يدفع مجتمعنا كله هذا الثمن؟
أسامة والشقيقات الثلاث ودفع الثمن
أسامة النجار مدون وناشط حقوقي، و هو ابن حسين النجار، أحد المعتقلين الذي صدر في حقه حكم بالسجن 10 سنوات في قضية الإصلاحيين “94”. وبحسب منظمة الكرامة لحقوق الإنسان، فقد ألقى ضباط أمن الدولة على أسامة في17 مارس 2014، غداة نشره لتغريدة على حسابه في تويتر رد فيها على تصريح إذاعي للشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة. أخده رجال الأمن إلى سجن سري تابع لأمن الدولة، وهناك تعرض للاستنطاق والتعذيب لأربعة أيام متتالية دون السماح له بالاتصال بالعالم الخارجي. ورفض المسؤولون نقله إلى المستشفى رغم جروحه المتعددة وتوصية طبيب المركز بذلك. ودفع أسامة ثمن تغريدته ثلاث سنوات سجن ونصف مليون درهم إماراتي.
أما اختفاء الشقيقات الثلاث قسريا والذي دخل شهره الثاني، فقد جاء بعد استخدامهن “تويتر” للحديث عن قضية أخيهن المحكوم 10 سنوات سجن في قضية واتهامات ما فتئت تؤكد منظمات حقوق الإنسان بأنها “محاكمات سياسية لأصحاب رأي”. الثمن الذي ستدفعه الشقيقات ليس معروفا على وجه الدقة بعد، كونهن لم يعرضن على أي محكمة، ولكن ثمن اعتقال الإماراتيات ولو لساعة واحدة هو ثمن باهظ ينال من سمعة وكرامة وشرف من يرضى به ويسكت عليه!
الحملة وتعميم دفع الثمن
ولأن جهاز أمن الدولة هو الذي يتصدر هذه القضايا، وهو ذو فلفسة وتفكير عسكري، فقد صمم حملة لا تستهدف أشخاصا بعينهم، وإنما حملة تستهدف الشعب الإماراتي عملا بالمبدأ الظالم الذي تعمل به هذه الجهات البوليسية “الرحمة تخص والعقاب يعم”. لذلك، فإن الحملة الراهنة على ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي ورواده وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها وبجانبها التقني هي حملة شرسة سوف تخلق واقعا جديدا أمام هذه المواقع ومستخدميها بصورة تعوق حقهم وحريتهم في استخدامها، وتجعل منها “مفرزة أمنية” أو “فخا” لاصطياد الناشطين واعتقالهم، كما يرى متابعون لهذه الحملة المتسارعة.
ملامح حملة القمع والاستهداف
نشرت صحيفة الاتحاد في (10|3) تحقيقا صحفيا بعنوان “الإعلام الجديد .. مدخل للإرهاب والفتن ونشر الشائعات”، حرضت فيه على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى مستخدميه، بذريعة مكافحة الإرهاب. ومن يتابع الإعلام الإماراتي وتوجهاته الرسمية يدرك أن لا “داعش” ولا الإرهاب هو المستهدف الحقيقي من هذه الحملة، وإنما ناشطون إماراتيون كل ما يمتلكونه تغريدة لا تدعو إلى عنف ولا إلى فوضى ولا تحمل مضامين طائفية أو عنصرية، بل مطالب وطنية وممارسة حقوق وحريات أصيلة.
ثم إن مكافحة التطرف الذي تدعيه وسائل الإعلام المنوط بداعش، له قنوات أعلن عنها أوباما أواخر فبراير الماضي و حدد أن دولة الإمارات هي مقر لمواجهة التطرف إعلاميا، فلماذا يتم الخلط بين الناشطين الإماراتيين وبين إرهاب داعش، ولمصلحة من؟ وهل تعتبر الأجهزة الأمنية كل من يستخدم الإعلام الجديد هو “داعشي” أو “إرهابي”؟!
وبتاريخ (11|3) أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات في الدولة، أنها طبقت آلية جديدة لمراقبة شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بهدف رصد أي تجاوز أو إساءة، وحماية أفراد المجتمع من التشويه والابتزاز، وقالت إن الآلية أقرب إلى نظام إنذار مبكر، يكشف هذا النوع من الممارسات، بما في المكالمات الصوتية عبر “واتس آب وغيرها” مشترطة على مزودي هذه الخدمات التنسيق معها قبل إطلاق خدمة الاتصال، وذلك بهدف السيطرة والرقابة على هذه الوسائل، كما أثبتت تجربتها قبل عامين مع شركة “بلاك بيري” الكندية.
تخويف الرأي العام جزء من الحملة
مخاطبة الرأي العام الإماراتي واستقطابه جزء في الحملة الأمنية التي تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي، فقد نشرت الاتحاد(14|3) نشر مقالا للكاتب الإماراتي لعبد الله الحاج بعنوان” تسخير مواقع التواصل الاجتماعي”، رأى أن هذه المواقع “أبرزت العديد من الجوانب ذات التأثيرات السلبية على الناشئة الإماراتية وعلى الثقافة الوطنية في مجملها”. مضيفا، “ولكن نستطيع منع التأثيرات الغثة من التغلغل في المجتمع”، لذلك ادعى أن “تنظيم وحسن إدارة مواقع التواصل الاجتماعي يعد جزءاً هاماً من الحركة الثقافية المعاصرة” وذلك في إطار مقترحه للسيطرة عليها بذريعة “تنظيم وحسن إدارة”، مبررا بأنها، “تحتاج من إلى الانتباه سواء كان ذلك على الصعيد الثقافي أو الفكري أو السياسي أو الأمني”.
صحيفة البيان في (16|3) نشرت تقريرا موسعا حرض على وسائل التواصل الاجتماعي، ودعا فيه المشاركون بآرائهم “لإحكام الرقابة عليه”. واستعانت “البيان” بأمثال ضرار بلهول ليقول “بأن مواقع التواصل شر لا بد منه ولا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الحالي”، داعيا إلى جانب مغردين آخرين بزيادة الرقابة على هذه المواقع، على حد زعم “البيان”.
وفي (17|3) نشرت صحيفة “الاتحاد” عدة تقارير نقلا عن مغردين إماراتيين وعربا، زعمت أنهم طالبوا بضرورة “إلقاء الضوء على القوانين والتشريعات التي تحكم السلوك في شبكات التواصل الاجتماعي وذلك لحماية أبناء الدول العربية من الوقوع في شرك أشخاص من عالم افتراضي لديهم أهداف إجرامية أو أمراض نفسية أو أطماع مادية، يسعون لإيقاع جيل الشباب في براثن مخططاتهم الجهنمية”.
قمة الرواد.. قمة القيود
واستمرارا للحملة الإعلامية والرسمية في وضع القيود أمام مواقع التواصل الاجتماعي، تعقد في دبي اليوم وعلى مدار يومين ما سميت “قمة الرواد العرب” الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي. وقد وصحف صحافتنا المحلية المشاركين بالقمة “1500 شخصية من كبار المؤثرين العرب”.
هذه القمة التي يرعاها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تشكل ذروة الحملة التي تستهدف الناشطين الإماراتيين ومواقع التواصل الاجتماعي في الإمارات. كل ذلك، دفع مراقبون لطرح تساؤل كبير حول ما صرح به الشيخ محمد بن راشد عشية افتتاح قمة الرواد، عندما طالب بـ”ضرورة وضع الركائز الرئيسة لاستخدام هذه الوسائل”، دون أن يحدد ما هي هذه الركائز، وما هي حدودها، وما هي طبيعتها؟ وهو ما عبر عنه الناشطون بمزيد من القيود على مواقع التواصل الاجتماعي، ومزيد من إجراءات العقاب على الشعب الإماراتي ولا سيما ناشطيه كما حدث مع أسامة والشقيقات الثلاث!
الإمارات 71