تدخل قضايا التعذيب الممنهجة والمتواصلة ضد معتقلي الرأي في الإمارات اليوم منعطفا حاسما وجديدا بإصدار مركز الخليج لحقوق الإنسان تقريرا مفصلا ليس فقط حول عمليات التعذيب الموثقة، وإنما بذكر التقرير أسماء المتورطين بعمليات التعذيب الوحشية. فمن هي الشخصيات الأمنية والسياسية الكبيرة المتورطة في تعذيب أبناء الإمارات، والتي وردت في هذا التقرير الذي سيتم إطلاقه اليوم،(12|3|2015)، في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف.
منهجية التقرير
تشمل الوثائق التي استند إليها التقرير، شكوى ضد أمن الدولة الاتحادية في دولة الإمارات لتزوير الوثائق الرسمية وفشلها في التحقيق في جرائم التعذيب وحرمان المعتقلين من حقوقهم القانونية الممنوحة لها بموجب قانون الإمارات. وفي البداية تم التحقق من المواد وتنظيمها إلى نتائج من قبل المحامي الدولي البريطاني في مجال حقوق الإنسان جيمي ارمسترونغ. وتحت إشراف أستاذ القانون ديفيد أكيرسون ومنسقة الأبحاث كلير نون، وقام 14 مشاركاً في البحوث من كلية القانون في جامعة دنفر بتجميع وتحليل وتحرير جميع المرفقات التي تفصّل ملابسات الاعتداء التي تعرض لها 57 معتقلا. وهو ما يعطي التقرير ثقة ومصداقية كبيرة في محتواه واستخلاصاته وتوصياته، والكشف عن مسؤولين كبار ثبت تورطهم في التعذيب وإلحاق صنوف شتى من الأذى بمعتقلي الرأي.
محتويات التقرير
يتضمن تقرير “التعذيب وسوء المعاملة في السجون في دولة الإمارات العربية المتحدة”، تفاصيل حول الشهادات والأدلة التي تم جمعها من 57 سجينا، لا يزال 50 منهم بالسجن. وبحسب خالد إبراهيم، مدير البرامج في مركز الخليج لحقوق الإنسان: “يجب أن تُحاسَب الإمارات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتَكب بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء في السجن. إن هذا التقرير يعبر بصوت عال عن قصص المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين من خلف قضبان السجن، ويحكي عن قصص التعذيب والظلم الذي يتعرضون له والقيود المفروضة عليهم “.
و يُفصّل هذا التقرير الجديد الذي تم إعداده من قبل فريق من المحامين تفاصيل التعذيب وسوء المعاملة داخل السجون الإماراتية الذي يعاني منه 94 سجيناً إماراتياً تم اعتقالهم ومحاكمتهم عام 2013.
و يغطي التقرير المكوّن من 54 صفحة، الأحداث التي وقعت منذ الاعتقالات الأولى بشهر آذار/مارس عام 2012 لغاية عام 2014 في سجون مختلفة (من مراكز الاعتقال السرية إلى سجون الصدر والوثبة والرزين)، ويصف بالتفصيل المعاملة التي يتلقاها المعتقلين بحسب مكان احتجازهم (الحبس الانفرادي أو مع مجموعات)، ويوثق مستوى الحقوق التي أعطيت من قبل سلطات الدولة. كما وتتضمن الوثائق شكوى (تم الإشارة إليها في وثيقة رقم 13) ضد أمن الدولة الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب تزويرالوثائق الرسمية والفشل بالتحقيق في جرائم التعذيب بالإضافة إلى حرمان المعتقلين من حقوقهم القانونية الممنوحة لهم بموجب قانون دولة الإمارات العربية المتحدة.
نتائج تقرير التعذيب
تفصّل النتائج التي توصل إليها التقرير: أولاً، مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان التي أخذت أشكالا مختلفة من الممارسات اللاإنسانية مثل استخدام أساليب التعذيب من قبل السلطات للحصول على اعترافات، الأمر الذي لم يسبب فقط الألم الجسدي للمعتقلين وإنما أيضا الضرر النفسي الشديد.
ثانياً، سوء المعاملة والإهانات التي تعرض لها المعتقلين، مثل ظروف السجن الغير إنسانية والتحرش الجنسي ونقص الرعاية الطبية الكافية والحرمان من الدفاع القانوني الملائم بالإضافة إلى استخدام وسائل الإعلام لمهاجمة المعتقلين وتشويه سمعتهم بشكل علني وعدم السماح لهم بالاتصال مع أسرهم بشكل مقبول.
الجناة المتورطون بالتعذيب
امتاز هذا التقرير عن جميع تقارير المنظمات الحقوقية السابقة بالإشارة صراحة إلى أسماء المتورطين في عمليات التعذيب، وهو الأمر الذي يسمح بملاحقتهم قضائيا محليا ودوليا على جرائم التعذيب التي ارتكبوها، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم.
وزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، هو أحد الأسماء الذين ذكرهم التقرير إلى جانب الشيخ خالد محمد زايد آل نهيان رئيس جهاز أمن الدولة، و حمد الشامسي مدير جهاز أمن الدولة. وهؤلاء هم كبار المسؤولين في مناصبهم ومسؤوليتهم عن التعذيب، وفق ما ذهب إليه التقرير الحقوقي.
أما الطبقة الثانية من المتورطين بالتعذيب، وهم جميعا لديهم مسؤولية قانونية تضامنية في فعل التعذيب المستمر ضد معتقلي الرأي، فهم: يوسف العبري – النائب العام (السابق) لإمارة أبوظبًي ، وصقر النقبي المدعي العام لأمن الدولة الاتحادية، ومحمد سيف الزعابي مدير السجون في شرطة أبوظبي، و أحمد الضنحاني رئيس نيابة أمن الدولة، و عبد المنعم السيد خليل النائب العام لأمن الدولة، و سالم كبيش النائب العام الاتحادي، و سهيل مطر مدير سجن الرزين، وطارق حمد المقبالي ضابط سجن الرزين، إضافة إلى الضابط، أحمد عبدالله – برتبة ملازم وفق تقرير مركز الخليج لحقوق الإنسان.
وإلى جانب هؤلاء، أشار التقرير إلى ضابطين آخرين مجهولي الهوية للمركز، مع أنه قدم مواصفاتهم الجسدية لتسهيل التعرف عليهم فيما بعد.
وكان من بين الأسماء المتورطة في التعذيب، سالم حميد مدير مركز المزماة للدراسات والبحوث. ورغم أن حميد مدير مركز دراسات، فإنه لا غرابة في ذلك. إذ يرى مراقبون أن قائمة الإرهاب الإماراتية ضمت عشرات مراكز الدراسات والبحوث التي اعتبرتها “إرهابية” بذريعة أنها تحارب حتى منشأ “الإرهاب” ومنظريه. والمدعو حميد معروف بتحريضه المستمر على معتقلي الرأي سواء من خلال مركزه الذي يقول مراقبون إنه مركز بحوث ودراسات لأمن الدولة بثوب مدني، أو من خلال مقالاته شبه اليومية ضد المعتقلين وذويهم في الصحف الإماراتية، بصورة تتجاوز التحريض بكثير.
هؤلاء هم الجناة.. فأين المحاسبة؟
أوضح التقرير ذاته أن الدولة فشلت في مجرد التحقيق بعمليات التعذيب، فكيف لها أن تحاسب هؤلاء الجناة أو تفتح معهم تحقيقا على الأقل. فسلطات الدولة القضائية والمجلس الوطني “المستضعف” كلها تدور بفلك الدولة، ولا تجرؤ على القيام بأي خطوة لمعاقبة المسؤولين عن التعذيب المجرم والمحرم وطنيا وأخلاقيا ودينيا.
ومع ذلك، فإن الشعب الإماراتي لم يبع أبناءه لأجهزة الأمن، ولم يفتد ضباط الأمن المهزومين بأبنائه، ولن يتأخر عن ملاحقة كل المتورطين بتعذيب أبنائه والتنكيل بهم. التعذيب سُبة في جبين السلطات البوليسية التي تسيء للدولة كاملة في سمعتها وصورتها وحاضرها ومستقبلها وتاريخها أيضا.
ومهما تأخرت المحاسبة داخليا، فإن جرائم التعذيب ستظل آثارها المؤلمة خالدة في وجدان الشعب الإماراتي والأجيال القادمة، حتى يدفع منتهكو حقوق الإنسان والقائمون على هذه السجون والمغيِبون للعدالة والقانون والمستبعِدون للدستور، ثمن جرائمهم بحق الإماراتيين كافة، مهما طال غياب القانون أو تغييبه.
هذا التقرير الحقوقي، يؤسس لمرحلة جديدة في مطاردة المتورطين قضائيا، وسيؤدي إلى حصارهم وانحسارهم داخل حدود الإمارات، إذ سيصبحون مطلوبين ومطاردين في قضايا حقوقية في عواصم العالم كافة.
سقطت كل أراجيف الحماية والحصانة لكل من يتجرأ على انتهاك حقوق، فكل متورط ومتهم لن ينفعه أو يحصنه أي غطاء أو شخصية سياسية مهما علت، ولا علو لأي شخصية تهين الشعب الإماراتي وتستهين به وبكرامته. كما أن هذا الجهاز، لن ينفع أحدا أيضا، لأنه أهون وأوهن من حماية نفسه، فضلا عن حماية آخرين يعلمون لحسابه!