تخضع الوحدات العسكرية العراقية المدربة والمسلحة من قبل الولايات المتحدة، والتي تعد مفتاح الاستراتيجية الأمريكية ضد داعش، للتحقيق بتهمة ارتكاب فظائع مشابهة لتلك التي ترتكبها الجماعة الإرهابية، وفقًا لما قاله مسؤولون أمريكيون وعراقيون لشبكة إي بي سي نيوز.
وقد تم بالفعل قطع المساعدات الأمريكية عن بعض الوحدات العراقية؛ بسبب انتهاكات “موثقة” لحقوق الإنسان، وفقًا لمسؤول عسكري كبير في هيئة الأركان المشتركة في البنتاغون.
وانطلق هذا التحقيق الذي تجريه الحكومة العراقية بعد أن واجه المسؤولون مزاعم عديدة بارتكاب “جرائم حرب“، بني جزء منها على عشرات من أشرطة الفيديو المروعة، والصور التي تظهر جنودًا يرتدون الزي الرسمي من بعض وحدات النخبة العراقية، وهم يقومون بذبح المدنيين، وتعذيب وإعدام السجناء، وعرض رؤوس مقطوعة.
وأشرطة الفيديو والصور هذه، هي جزء من مجموعة من الصور المزعجة، التي اكتشفت إي بي سي نيوز تداولها داخل الزوايا المظلمة من وسائل الإعلام الاجتماعي العراقية منذ الصيف الماضي. وفي بعض الدوائر العسكرية العراقية والأمريكية، يشار إلى الوحدات والميليشيات العراقية باسم “الألوية القذرة”.
وقالت الحكومة الأمريكية في بيان لإي بي سي نيوز: “بينما تقوم قوى الأمن الداخلي [قوات الأمن العراقية] والميليشيات باستعادة الأراضي، يجب أن يكون سلوكها فوق الشبهات، أو ستتعرض لخطر رسم نفسها بنفس الفرشاة التي يرسم بها مقاتلو داعش أنفسهم”. وأضاف البيان: “إذا تأكدت هذه المزاعم، فيجب أن تتم محاسبة من تثبت مسؤوليتهم“.
ووصف السيناتور باتريك ليهي، جنبًا إلى جنب مع دعاة حقوق الإنسان الدولي والخبراء العسكريين، هذه الصور بأنها دليل على “جرائم الحرب” العراقية. وتوقع ليهي: “أنا أضمن لكم أن اللائمة ستلقى علينا في النهاية، سواءً كنا نحن من فعلها أم لا“.
وتحت ما يعرف باسم قانون ليهي، يتعين على الولايات المتحدة قطع الأموال المقدمة إلى أي وحدة عسكرية أجنبية عندما يكون هناك “أدلة موثوقة” على ارتكاب هذه الوحدة انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي العراق، تقع مسؤولية تقدير ذلك على عاتق وزارة الدفاع. وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ مؤخرًا، أكد وزير الخارجية جون كيري على أن الأوامر صدرت ببدء التحقيق العراقي، وقال إن قانون ليهي ينطبق أيضًا على الوحدات التي تعمل جنبًا إلى جنب مع العديد من الميليشيات التي تقاتل في العراق ضد داعش.
ووفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، قطعت الولايات المتحدة بالفعل بعض المساعدات لوحدات من المقاتلين العراقيين. وفي تصريح لإي بي سي نيوز، كشف مسؤول في هيئة الأركان المشتركة أنه في الأشهر التالية لبدء الولايات المتحدة غاراتها الجوية ومساعداتها العسكرية للعراق في آب الماضي، “حجبت المساعدة عن بعض الوحدات العراقية، على أساس معلومات موثوق بها“.
وأضاف المسؤول: “نحن غير قادرين على مناقشة أسماء وحدات محددة؛ بسبب الطبيعة الحساسة لمساعداتنا الأمنية“.
وفي صحيفة “واشنطن اليوم“، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، إن الجيش الأمريكي يراقب الميليشيات عن كثب. وأضاف: “ما نراقبه بعناية هو ما إذا كانت الميليشيات، والتي تطلق على نفسها اسم قوات التعبئة الشعبية، تنخرط في أي أعمال انتقام وتطهير عرقي أثناء استعادتها الأراضي، أم لا“.
وبدوره، قال متحدث باسم الحكومة العراقية في وقت سابق: “نعم، بالطبع سوف نقوم بالتحقيق في هذه الصور“. وأضاف المتحدث باسم الجنرال سعد معن في مقابلة مع إي بي سي نيوز: “ليس لدينا أي شيء نخفيه“.
ويعد الجيش العراقي المفتاح الرئيس بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة في مكافحة داعش ووقف جرائمها التي أثارت غضب العالم. وقد شحنت الولايات المتحدة ما يقرب من 1 مليار دولار في الأسلحة، فضلًا عن توفيرها مدربين عسكريين أمريكيين لإرشاد المجندين العراقيين الجدد.
ورغم ذلك، قال مسؤول العمليات الخاصة في بغداد إن حكومة العراق هي التي تقرر، وليس وزارة الدفاع الأمريكية، أي الوحدات العراقية تحصل على الأسلحة التي تبرعت بها الولايات المتحدة.
ولم يظهر أي من الأمريكيين في الصور أو لقطات الفيديو التي عثرت عليها إي بي سي نيوز، ولم يتم إثبات تورط أي من الأمريكيين في أي من الأعمال الوحشية المزعومة.
وقال مسؤولون من هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية اطلعوا على مكتبة الوثائق التي جمعتها إي بي سي نيوز، إنه من النادر أن نرى هذا الحجم من الأدلة البصرية على ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية للشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “عندما ترتكب قوات ما مثل هذه الجرائم، فإنها عادةً ما تحاول إخفاءها. ما نراه هنا هو وقاحة، وعرض يفتخر بارتكاب هذه الجرائم الفظيعة“.
وحصلت إي بي سي نيوز على مثل هذه الصور لأول مرة في سبتمبر الماضي، عندما استطاع مراسلنا العثور في حسابات إينستغرام الشخصية لقوات مكافحة الإرهاب العراقية على فيديو يظهر جنديًا وهو يضرب رأس سجين مكبل اليدين بعيار ناري. وقال الوصف التوضيحي بالإنجليزية والعربية: “اعتقلنا هذا الإرهابي بالأمس، وقتلناه بعد الانتهاء من استجوابه“.
وأظهرت صورة أخرى نشرت في سبتمبر رأسًا مقطوعًا لمقاتل مزعوم من داعش وهو موضوع على عربة همفي تبرعت بها الولايات المتحدة للجيش، وعليها لوحة ترخيص للجيش العراقي.
وقد ظهرت صورة ثانية لما يبدو بأنه جندي في الجيش العراقي يرفع نفس الرأس المقطوعة بجانب عربة الهمفي. ويعد كل من تدنيس جثث قتلى الحرب، والقتل خارج نطاق القضاء، من الانتهاكات المؤكدة لاتفاقيات جنيف.
وفي فيديو آخر نشر على الإنترنت في تشرين الأول، تم قتل اثنين من المدنيين العزل بعد استجوابهم، وإنكارهم لتهمة أنهم كانوا أعضاء في داعش. وظهر في الفيديو رجل يحمل بندقية، ويبدو من شعار كتفه وزيه أنه من أفراد القوات الخاصة العراقية.
وفي فيديو من 78 ثانية تم تداوله في يناير، يظهر مقاتلون يبدو أنهم خليط من الميليشيات والجيش، وهم يقومون بالتقاط الصور لصبي مذعور، ويسأله أحدهم: “ألم تطلق النار؟” فيجيب الصبي مكبل اليدين، والمبطوح على الأرض: “لا، لا، لم أطلق رصاصة واحدة“. ويتساءل الرجال عما إذا كان عليهم قتله، ولكنهم يطلقون عليه النار على أي حال، ويقول أحدهم: “هذا للانتقام للشهداء“.
وقال علي خضيري، وهو دبلوماسي أمريكي سابق في بغداد: “لقد رأيت كل أنواع الأشياء الرهيبة على مر السنين … ولكني لم أر أي شيء بهذا السوء في حياتي“.
وتقول السلطات الأمريكية والعراقية إنها تعمل من أجل التأكد تمامًا من مضمون الفيديوهات والصور المنشورة على الإنترنت في مواقع مثل الفيس بوك، وتويتر، وإينستغرام.
ومن الممكن تحديد زي وشارات من قوات العمليات الخاصة العراقية، وكذلك وحدات الاستجابة لحالات الطوارئ في وزارة الداخلية، بشكل واضح في العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي تشتمل على العديد من الرؤوس المقطوعة وسحب الجثث وراء عربات همفي.
وادعى الجنرال معن، المتحدث باسم الحكومة العراقية، أن شارات الوحدات العسكرية العراقية يمكن شراؤها في شوارع العراق، وأن هذه الصور البشعة قد تكون حيلة ذكية من قبل داعش لتشويه سمعة الجيش العراقي.
وبدوره، قال جافريلز: “لا تبدو هذه الصور وكأنها دعاية لداعش على الإطلاق. لا أعرف كيف يمكننا تقديم الدعم لهم، إذا كانوا يسيرون إلى جانب الميليشيات على طول الخطوط الأمامية ويجرون هذه الأنواع من الفظائع … هذه الميليشيات الشيعية همجية بقدر ما هي داعش“.
وقال الكاتب إيلي ليك من صحيفة بلومبرغ فيو إن بعض الميليشيات تفتخر بارتكابها الفظائع، ويبدو أنها هي من تقود القتال في ساحة المعركة، وليس القوات الحكومية، في كثير من الأحيان.
ومن جهته، قال المتحدث باسم البنتاغون لإي بي سي نيوز: “لقد ناقشنا مع القادة العراقيين الأهمية القصوى للحفاظ على مستويات عالية من السلوك الجيد وحماية السكان المدنيين من كل الطوائف”. وأضاف أن “تصرفات أقلية صغيرة تستطيع إلحاق ضرر خطير بجهود الحكومة العراقية“.
وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد أفرج الشهر الماضي عن تقرير حول العراق، أدان فيه كلًا من داعش، لحملتها من القتل الذي يكاد يشكل إبادة جماعية، وقوات الأمن العراقية، للعمليات العسكرية التي “قد تكون بمثابة جرائم حرب“.
وفي مارس الماضي، أصدر مكتب وزارة الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان، أيضًا، تقريره عن العراق. مشيرًا إلى أن المسؤولين الحكوميين في ظل حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ارتكبوا جرائم “القتل خارج نطاق القضاء“.
ووفقًا للتقارير الواردة من المسؤولين الحكوميين ومنظمات حقوق الإنسان، “عذب مسؤولو وزارة الداخلية المعتقلين حتى الموت“. وتشير أصابع الاتهام صراحةً إلى قوات مكافحة الإرهاب العراقية ووحدات الشرطة الخاصة في وزارة الداخلية، وهي القوى التي تأسست ودربت وسلحت بإشراف من الولايات المتحدة بين عامي 2003 و2011.
إي بي سي نيوز – التقرير