إيران تحتل العراق .. تحت هذا العنوان رصدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية ما وصفته بـ “احتلال” القوات الإيرانية للمزيد من الأراضي العراقية، في إطار الحرب ضد تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة من بلاد الرافدين.
وتقول الصحيفة في تقريرها “إن ذلك يُعد الظهور الأكبر للدور المهيمن الذي تلعبه إيران وميليشياتها الشيعية في الهجوم العسكري الكبير لاستعادة الأراضي من تنظيم داعش، الذي سيطر على مساحات كبيرة منها العام الماضي”.
وتشير إلى انتهاء المعركة الأولى على مدينة تكريت، التي يغلب عليها السنة، وفي الوقت الذي يلعب فيه الجيش العراقي دورا في تلك المعركة، فإن القوات المسيطرة على الأرض هي الميليشيات الشيعية الممولة من إيران والتي تنسق أيضا العمليات معها، وتشمل تلك الميليشيات ألوية بدر التي قاتلتها القوات الأمريكية بشدة لإخماد التمرد المسلح في العراق عام 2007.
وقد تم تشكيل وتنظيم الميليشيات الشيعية تحت قيادة الحكومة العراقية الجديدة وأشرف على ذلك أبو مهدي المهندس الذي له صلات مقربة مع إيران، ويعمل عن كثب مع أقوى مسئول عسكري في إيران وهو الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الذي أكدت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية التقارير الغربية التي أفادت أنه يشرف بنفسه على الهجمات التي تتم ضد داعش بالعراق.
سليماني نفسه من ساعد العراق في تمردها المسلح ضد القوات الأمريكية، وقامت عناصر فيلق القدس الإيرانية بإمداد العراق بأحدث العبوات الناسفة، والتي يمكنها اختراق الدروع وتُعد الأكثر دموية في العراق، ويقول جنرال أمريكي سابق إن إيران مسئولة عن ثلث عدد الضحايا الأمريكيين خلال حرب العراق وهو 1500 قتيل.
سليماني أيضا أعلن مؤخرا أن أيام تنظيم داعش في العراق قد انتهت وأن بلاده ستقود عملية تحرير تكريت والموصل ثم بقية الأجزاء في محافظة الأنبار، وفي الوقت الذي يسعى ذلك التباهي لتقليص دور البلدان الأخرى خاصة الولايات المتحدة، فهو يظهر طموحات إيران ورغبتها في استغلال الوضع عندما يتم طرد مسلحي داعش من الأنبار.
التصعيد العسكري الإيراني ممكن في الوقت الحالي بسبب الفراغ الذي نجم عن فشل الولايات المتحدة في نشر قوات برية أو حشد تحالف القوى من الدول السنية المحيطة بالعراق لمحاربة تنظيم داعش، ومع بدء التنظيم المتشدد مسيرته العام الماضي، توجه العراقيون المحبطون وحتى الأكراد صوب إيران والجنرال سليماني من أجل طلب المساعدة.
الغارات الجوية الأمريكية جاءت حاسمة وأدت لتحجيم قدرات مقاتلي داعش، لكن إيران هي المستفيد من تلك الغارات على الأرض، والتبعات الاستراتيجية لذلك التقدم الإيراني كثيرة، فإيران لديها تأثير فعلي على غالبية الشيعة في جنوب العراق وميليشياتها ربما تكون قادرة على التحكم في أجزاء كبيرة من محافظة الأنبار، وغالبيتها من السنة، لاسيما إذا استخدمت الفوضى من أجل قتل المسلمين المعتدلين.
إيران تؤسس لمحور الهيمنة بداية من طهران ومرورا ببغداد ودمشق ووصولا إلى بيروت على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وهذا التقدم يُعد مذهلا فهو يحدث بتشجيع ضمني من الولايات المتحدة وسط أوقات مليئة بالأزمات على خلفية المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة.
الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي قام الأسبوع الماضي بالدخول في منافسة مع سيلماني من خلال الترويج للغارات الأمريكية على تنظيم داعش، لكنه خرج بتصريحات خلال الأسبوع الجاري وصف خلالها أنشطة الجيش الإيراني ضد داعش ب “الشيء الإيجابي”.
وفي الوقت الذي يبنغي أن يتم تدمير تنظيم داعش، فإن الاستعاضة عنه بالهيمنة الشيعية لإيران لن تؤدي إلى إرساء الاستقرار في العراق، لكن رغبة إيران في الهيمة على المنطقة تنبع من تقاليدها الإمبريالية الفارسية التي أضافت للحماسة الثورية في عام 1979، وهذا الأسبوع انتخبت إيران رجل الدين المتشدد آية الله محمد يازدي لاختيار المرشد الأعلى القادم.
الدول السنية مثل تركيا والسعودية ومصر دول الخليج تشاهد كل ذلك وربما نخلص إلى أن الدول الخاصعة لإيران وأمريكا قد تهدد مصالحهم، لذا فسيقيمون الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا في ذلك السياق، ما سيدفعهم للسعي بشكل أكبر وراء تحقيقهم للردع النووي وربما يميلون لتأجيج التمرد المسلح ضد الشيعة في سوريا وغرب العراق.
إن الوسيلة المثلى لهزيمة تنظيم داعش ستكون تشكيل تحالف من العراقيين والأكراد والدول السنية المجاورة تقودها القوات الأمريكية الخاصة، الأمر الذي يقلص الدور الإيراني ومثل تلك القوى السنية تساعد في طرد تنظيم داعش من العراق ثم تتولى أمر كل من داعش وحكومة الأسد في سوريا، والهدف الأخير تحديدا قد يكون اختبارا للمشاركة التركية، لكن إدارة أوباما رفضت خشية أن تتضايق إيران.
النتيجة لكل ذلك هو عدو يداه ملطخة بدماء الأمريكيين يتخذ خطوة كبيرة نحو أن يصبح القوى المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.