القاهرة ـ الأناضول – ىكم سعر هذه الوحدة السكنية؟.. قد تطرح هذا السؤال في مصر باللغة العربية الفصحى، فتحصل على إجابة باللهجة العامية: “ما يقلش عن نص أرنب” (لا يقل عن نصف مليون جنيه).
فالمصريون درجوا في لهجتهم العامية على صك أسماء للوحدات النقدية مستمدة من البيئة الريفية، فاختاروا للوحدة النقدية “مليون جنيه” مصطلح “أرنب”، ومن “الأرنب” يستولدون “ربع أرنب”، و”نصف أرنب”، و”أرنبين” (مليونا جنيه).
هذه التسميات تستخدم بين بعض الفئات الأعلى دخلاً في مصر، بينما يوجد للفئات الأقل دخلا مصطلحاتها الشعبية هي الأخرى في الحديث عن النقود.
فالوحدة النقدية “ألف جنيه” يسميها المصريون “باكو” أو “أستك”، ومن ثم تكون كلمة “10 بواكي” ترجمة شعبية للوحدة النقدية “10 آلاف جنيه”، أما الفقراء فيستخدمون كلمة “بريزة” لوصف الوحدة النقدية “عشرة جنيهات”، و”ريال” كإشارة للوحدة النقدية “20 جنيها”.
و”البريزة” و”الريال” هما وحدتان أقل من الجنيه (100 قرش) لم تعد تصدر، وهي “10 قروش” و”20 قرشا” على الترتيب، ورغم أن البنك المركزي المصري أوقف إصدار هاتين العملتين، إلا أنها ظلت حية كوحدات نقدية في حديث المصريين اليومي بإطلاق اسميهما على مبالغ أكبر، وهي العشرة جنيهات، والعشرين جنيها.
ومن المفارقات الطريفة التي تحدث لمن يتعامل مع من يستخدمون مثل تلك الأوصاف، بينما لا يكون على دراية بها، هو أن تطلب من شخص معرفة قيمة خدمة قدمها لك، فيقول “بريزة”. فتتعجب لأنها لم تعد تصدر، فيضحك هذا الشخص ساخرا من عدم درايتك بأن “البريزة” تعني “عشرة جنيهات”.
ومثل “الأرنب” ومشتقاته، فإن لـ”البريزة” مشتقات أيضا، فهناك “نصف بريزة”، أي خمسة جنيهات، و”بريزة ونصف”، أي خمسة عشر جنيها.
وسواء في المستويات المرتفعة دخلا أم تلك الأقل دخلا، لم يُعرف في الثقافة النقدية المصرية، استخدام كلمات توصف بها المبالغ التي تتعدى المليون جنيه ومشتقاته، غير أن تسريبات أذاعتها قنوات معارضة ونسبتها إلى مسؤولين مصريين أضافت وحدة نقدية جديدة إلى تلك الثقافة.
ففي تلك التسريبات، التي لم يتسن التأكد من صحتها، ظهرت كلمة “الحباية” أي (الحبة) لوصف المليار دولار أمريكي، وظهر في التسريبات نفسها استخدام مشتقات الكلمة أيضا لوصف الوحدات النقدية الأكبر، فتم وصف المليار ونصف المليار دولار بكلمة “حباية ونص” أي (حبة ونصف).
وظهر مصطلح “الديك الرومي” في أعمال درامية مصرية، بينها فيلم “عمارة يعقوبيان”، لوصف المليار جنيه مصري. لكن “الديك الرومي” لم يلق رواجا في الثقافة الشعبية النقدية.
وأحدث وصف المليار دولار بـ”الحباية” موجة تعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دشن نشطاء مصريون “هاشتاغا” على “تويتر”، تحت اسم “حباية و نص”.
وقال أحد مستخدمي “تويتر”، ويدعى خالد أحمد: “بعد الرز والحباية (بعد الأرز والحبة) نحن في انتظار اللوبيا الناشفة”.
ووصفت أموال الخليج في تسريب سابق بأنها “زي الرز” أي (مثل الأرز)، في إشارة إلى كثرتها، وهو الأمر الذي أعطى نكهة خاصة لتعليقات المصريين لكون الأرز من الحبوب، والحباية (الحبة) تعني المليار دولار.
وقال مستخدم، يدعى كريم شوقي، على “الهاشتاغ” نفسه: “مصر حصلت من الخليج على 30 مليار دولار، يعني ميجوش نص شوال رز”، أي لا يصل عدد حباته إلى عدد حبات نصف جوال من الأرز، استنادا إلى وصف الأموال الكثيرة بأنها “زي الرز”.
وقال محمد خالد، وهو مستخدم آخر لـ”تويتر”: “فلوس زي الرز، وحباية ونص، إيه المفردات دي، هما الناس دول اشتغلوا قبل كده في تجارة الغلال؟”.
وحاز وصف النقود بـ”الأرز” على اهتمام خليجي، ففيما قللت من أهميته أقلام صحفية مقربة من دوائر صناعة القرار الخليجي، فإنه أثار موجة من التعليقات الساخرة في صفحات خليجية بمواقع التواصل الاجتماعي.
فتحت عنوان “عندهم فلوس زي الرز” (عندهم نقود كثيرة مثل الأرز)، أطلق نشطاء خليجيون “هاشتاغا” على “تويتر”، كتب فيه مستخدم يدعى عبد الله بن عازب: “الرز هو العملة الخليجية الموحدة الجديدة”. ونشر مجموعة صور لأنواع من الأرز.
وكتبت مرفت عبد الجبار، وهي مستخدمة أخرى: “غذاؤنا اليوم فلوس بالكبسة (غذاء شعبي خليجي مكون من الأرز واللحم)”.
وكما صك المصريون لوحدات النقود أسماء، فقد صكوا أيضا مصطلحات لتداول النقود، وأمثالا شعبية.
ويستخدم المصريون كلمة “الفلوس” للتعبير عن “الأموال”. ويعتقد البعض أن كلمة “فلوس” ليست عربية فصحى، وهو غير صحيح، فكما جاء في معجم المختار الصحاح، فإن “كلمة الفَلْسِ تستخدم في القلة وفي الكثير فُلوس”.
ومن المفارقات أنه بينما يسمي المصريون “الأموال” بـ”الفلوس”، يسمي أهل الشام (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن) النقود بـ”المصاري”.
وتعود كلمة “المصاري” إلى أن أهل الشام كانوا يتداولون العملة المصرية أثناء الحكم المصري لبلاد الشام في عهد إبراهيم باشا بن محمد علي.
وكانت تلك التسمية معروفة منذ العصر الأيوبي، حيث كانت عملة الدولة الأيوبية تصك في مصر ويتم تداولها في أرجاء تلك الدولة القوية، التي حكمت مصر والعراق وبلاد الشام.
ومن الأمثلة الشعبية المتداولة في مصر ولها علاقة بالنقود، مثل شعبي يقول: “الجنيه غلب الكارنيه”. ويقصد به المصريون أن الجنيه يعطيك نفوذا قد لا يعطيه لك تمتعك بمنصب مهم.
وثمة مثل آخر، وهو: “اللي معاه قرش محيره، يجيب حمام ويطيره!”. وهو مثل يعني أن النقود الزائدة عن حاجة الإنسان قد تحيره وتدفعه إلى أوجه إنفاق ينتقدها آخرون.
الأمثلة الشعبية بينها أيضا: “اللي معاه قرش يساوى قرش”. ويعني مستخدموه أن النقود هي عصب الحياة، وهي التي تحدد قيمة الإنسان في المجتمع، فتوافره يجعله غنيًا، وقلته أو انعدامه يجعله فقيرًا. ولكل من الغني والفقير في المجتمع مقام معلوم.
ويشير مثل آخر إلى أنه بالنقود يستطيع الإنسان أن يحقق كل رغباته، سواء الممكنة أم المستحيلة، ويقول المثل: “بفلوسك.. بنت السلطان عروسك”.