تحاول الدولة الخليجية الصغيرة المعروفة بمبانيها المرتفعة والمشروعات التجارية العملاقة – الإمارات العربية المتحدة – أن تجعل من نفسها الحليف الأكثر مناصرة لمصر.
لقد ضخت الإمارات مليارات الدولارات في مصر في محاولة منها لتحقيق الاستقرار للاقتصاد المصري المهترئ في الوقت الذي تعمل فيه على بناء تعاون عسكري مع القاهرة. ومن خلال تلك العلاقات المُتعمقة تستفيد مصر المُرهقة اقتصاديًا من تمويلات الإمارات، بينما تحصل الدولة الخليجية – المتحالفة مع الولايات المتحدة – على ثُقل القوى العاملة الكثيفة فى منطقة مُضطربة تواجه تهديدات عُنف المسلحين والتوسع الإيرانى.
«كنا من بين أوائل الداعين إلى الاستقرار فى مصر التى يمثل أمنها حجر الزاوية لأمن العالم العربى»؛ بحسب وزير الخارجية الإماراتى الشيخ «عبدالله بن زايد آل نهيان» فى خطاب له بمؤتمر الحكم فى دبى الشهر الماضى، والذي أردف: «لن نألوا جهدا لتحقيق الاستقرار والتنمية في مصر».
وجعل هذا المؤتمر العلاقة بين مصر والإمارات فى المقدمة وسط الثمانين دولة التى شاركت فيه. وسلّط متحف – أُقيم خارج قاعدة المؤتمر الشاسعة – الضوء على الروابط الوثيقة بين البلدين، وكان من بين الشعارات التي رُفعت فيه «لمصر مكانة خاصة في الإمارات دونًا عن بقية الجيران الأشقاء الذين لهم أيضًا مكانتهم». وكان رئيس الوزراء المصري «إبراهيم محلب» قد استغل كلمته الرئيسية للإشادة بالقيادة الحكيمة للإمارات والعلاقة الثنائية بين البلدين.
كما أن الإمارات مُنظم رئيسى فى مؤتمر التنمية الاقتصادية المقرر إقامته فى شرم الشيخ الأسبوع المقبل لجذب المستثمرين فى مصر وإعادة الحياة إلى اقتصادها من جديد بعد حالة من النزيف لم تتوقف حتى الآن.
وتكشف قائمة المتحدثين بالمؤتمر عن وجود عدد من شركات النخبة الإماراتية. وسيكون من بين المشاركين شركات غربية كبرى مثل «جنرال إلكتريك» و«كوكاكولا» اللتين ستتشاركان المنصة مع رؤساء شركات «اتصالات» و«أبراج» و«إعمار» للعقارات صاحبة إنشاء أطول برج فى العالم «برج خليفة». كما سيكون هناك مديرون تنفيذيون من صناعات الطيران والخدمات المصرفية والطاقة أيضا.
ووضع عملاق البناء الإماراتية «أرابتك» القابضة خططا بناءة لمشروع قيمته 40 مليار دولار لبناء مليون وحدة سكنية محدودة الدخل فى مصر، وقالت إن المشروع سيؤدى إلى توفير أكثر من مليون فرصة عمل فى مصر. وساعدت «أرابتك» في تحقيق رقم قياسي جديد لدبي عن طريق رفع برج خليفة لمستوى ناطحات السحاب. وأكبر مساهم فيها هو شركة «آبار» للاستثمار؛ التي تسيطر عليها حكومة إمارة أبو ظبي الغنية بالنفط.
وقد وعد وزير الدولة «سلطان الجابر» – المسؤول الإماراتى الذى سيكون له أحد المقاعد القليلة فى اللجنة التوجيهية للمؤتمر – بأن «الحدث سيكون أول خطوة فى تنفيذ استراتيجية أكبر تضمن الانتعاش الاقتصادى فى مصر».
وقد تراجع الاقتصاد المصري بسبب الاضطرابات منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بالديكتاتور «حسني مبارك». وجفت إيرادات الاستثمار الأجنبي والسياحة، ما أدى إلى نضوب الاحتياطي من العملات الأجنبية وزيادة معدلات البطالة، وأحبطت الجولات المتكررة للعنف في البلاد محاولات إعادة بناء.
وضخت الإمارات والسعودية والكويت مليارات الدولارات في مصر بعد الانقلاب علي الرئيس «محمد مرسي» في يوليو/تموز من عام 2013م.
مثلها مثل المملكة العربية السعودية والرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، ترى الإمارات جماعة الإخوان المسلمين تهديدًا، ومن ثمّ تحركت بقوة للقضاء على المتعاطفين مع الجماعة في أعقاب الربيع العربي. وجاء ذلك في أعقاب تحرك القاهرة والرياض نحو تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية في نوفمبر من العام الماضي.
ويُظهر تقرير حكومى إماراتى أن مصر حتى الآن هي أكبر متلقى للأموال من الإمارات العربية المتحدة؛ حيث حصلت على 4.6 مليار دولار فى عام 2013 فقط، وهو أحدث عام تتوافر المعلومات بشأنه. وكانت حصة مساعدات مصر 29 ضعف ثانى أكبر متلقى وهو الأردن.
وبالإضافة إلى تقديم المساعدات النقدية المباشرة؛ فقد ساعدت الإمارات في بناء المدارس والعيادات وصوامع القمح وعشرات الآلاف من المنازل كجزء من 10 مليار دولار تم تخصيصها لمصر منذ الإطاحة بـ«محمد مُرسي». وفي أكتوبر من عام 2013م افتتحت الإمارات مستشفى في حي منشية ناصر، حملت اسم مؤسس الإمارات الشيخ «زايد آل نهيان». وفي المقابل؛ فإنه قبل الانقلاب علي «مرسي» كانت مصر في محادثات لعدة سنوات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 4.8 مليار دولار أمريكي، ولكن المحادثات لم تصل إلى اتفاق.
وبالنسبة لمصر؛ فإن فائدة هذا الداعم واضحة، ومن الناحية الأخرى ستستفيد الإمارات أيضًا؛ حيث ترى مصر محورية فى الأمن الإقليمى نظرًا لمكانتها وحجم سكانها ودورها التاريخى والثقافى.
وباعتبارها ثانى أكبر اقتصاد عربى بعد المملكة العربية السعودية؛ فإن الإمارات لديها الكثير لتنفقه على ميزانية الدفاع، وتعزيز واحد من أفضل الجيوش، ولكن ما لا تملكه هو الطاقة البشرية التى توجد في مصر. ويبلغ عدد سكان الإمارات تسعة ملايين نسمة، أقل من خُمس سكانها من الإماراتيين، بينما يمثل العاملون الأجانب وعائلاتهم النسبة الباقية، مُقارنة بتعداد سكان مصر الذى يصل إلى قرابة 90 مليون نسمة
وقالت «جين كينينمونت» – الخبيرة فى شئون الشرق الأوسط بمركز «شاتام هاوس» البريطاني – إن «مصر هى الشريك الاستراتيجى الأول للإمارات خارج الخليج؛ وذلك لأنهم يتشاركون نفس الرؤية للمنطقة ونفس وجهة النظر بشأن التهديدات. كما أن هناك اتفاق بين مؤسسات الدفاع والأمن فى كلا البلدين، كما قرّب بينهما المخاوف المُتعلقة بجماعة الإخوان المسلمين».
وظهرت العلاقات المتنامية جليّة في سلسلة من المناورات العسكرية الثُنائية العام الماضي، وقد نُشرت بعض الصور لاحقًا تبين التدريبات المشتركة التي ظهر فيها «السيسي» على متن سفينة حربية مع رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ «محمد بن راشد آل مكتوم» والشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» جنبًا إلى جنب.
وبحسب مصادر أمريكية؛ فإن الدولتين تعاونتا سويًا في أغسطس لقصف مسلحين إسلاميين في ليبيا.
وقال مسؤولون مصريون إن مصر والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة دخلوا في محادثات أواخر العام الماضي حول تشكيل حلف عسكري لمواجهة المسلحين. ويتطلع «السيسي» الآن لإضفاء الطابع الرسمي على تلك الروابط والعلاقات. وعقب بثّ تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا لشريط فيديو يُظهر ذبح عدد من المسيحيين المصريين الأسبوع الماضي، دعا «السيسي» إلى إنشاء قوة عسكرية عربية مُشتركة، وأضاف أن بلدين عرضا بشكل مُنفصل نشر قوات عسكرية لمساعدة مصر؛ هما الأردن والإمارات العربية المتحدة.