أثارت التعديلات الوزارية المفاجئة التي أجراها عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر وشملت عدة وزراء من بينهم محمد إبراهيم وزير داخلية الانقلاب وشريك السيسي في جرائمه منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى اليوم، الجدل والتساؤلات حول أسباب ودوافع تلك الإقالة وتوقيتها المثير للجدل.
وأوضحت قائمة الوزراء الذين تم تغييرهم أنه تمت الإطاحة بالعديد من الوزراء- على سبيل الديكور، وحتى لا تتم إقالة وزير الداخلية بمفرده؛ حيث شملت التعديلات إقالة كل من وزراء السياحة والزراعة والاتصالات والتربية والتعليم والثقافة، واستحداث وزارتين جديدتين.
ولم تتوقف التكهنات حول أسباب إقالة إبراهيم؛ حيث أشار البعض إلى أن السيسي يريد ضخَّ وجوه جديدة في أجهزة الدولة لتنتشله من ارتباطها الذهني لدى المواطنين بحالة الفلتان الأمني التي تعيشها مصر في ظل تواصل التفجيرات المتواصلة في الشوارع المصرية التي تستهدف محطات القطارات وأبراج الكهرباء ومراكز الشرطة.
فيما رأى آخرون أن تلك الإقالة متعلقة بالتسريبات التي فضحت محمد إبراهيم وأظهرت مدى الرعب والقلق الأمني من تزايد الحراك في الشارع المصري، بينما أكد آخرون علاقة المملكة العربية السعودية بها، خاصة وأنها تأتي بعد أيام قليلة من زيارة قائد الانقلاب السيسي للملك سلمان في زيارة لم تستغرق أكثر من 3 ساعات.
إبراهيم والفشل الأمني:
وبرزت دعوات إقالة إبراهيم بعد فشله في مجابهة التحديات الأمنية، وبعد عدة إنذارات تعرض لها حسب تسريبات إعلامية، وازدادت مؤخرا حملة الهجوم على وزير داخلية السيسي المقال خاصةً عقب مذبحة ستاد الدفاع الجوي والتفجيرات الأخيرة، وحريق قاعة القاهرة للمؤتمرات قبل أيام من المؤتمر الاقتصادي المصري، وهي الأحداث التي جعلت عددا من الإعلاميين المعروفين بعلاقتهم الوثيقة بدوائر نافذة في الحكم يشنون هجوما ضاريا على الوزير المقال.
التسريبات والإقالة:
ويشير مراقبون إلى أن التسريبات التي أذاعتها قنوات فضائية مؤخرًا لاجتماع وزير الداخلية المقال محمد إبراهيم مع ضباط الأمن المركزي كان لها الفضل في إقالة الوزير، خاصة أنها تضمنت دعوة للضباط لقمع مظاهرات رافضي الانقلاب أمام المساجد قبل الانطلاق، وهي التسريبات التي كشفت أيضًا عن تورط الشرطة علنًا مع الجيش في الانقلاب قبل الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
التخلص من شركاء الانقلاب:
فيما يعتبر مراقبون آخرون أن عادة قادة الانقلابات العسكرية جرت دائما في التخلص من شركائهم في الانقلابات لأنهم يصبحون بعد فترة عبئا ثقيلا على قائد الانقلاب، فبالتالي يتم استغلال أي فرصة للإطاحة بهم والإتيان بشخصيات تدين بالولاء بشكل كامل لصانع الانقلاب وقائده.
ولذلك قام السيسي بالتخلص من بعض قادة المجلس العسكري بتوليتهم مناصب بعيدة عن دوائر صنع القرار، كما قام بإقالة فريد التهامي مدير المخابرات العامة، رغم أنه أحد أذرع الانقلاب العسكري المهمين، وسط توقعات بأن يتوجه السيسي لباقي شركائه في الانقلاب العسكري في وقت آخر.
السعودية وتغييرات في المنطقة:
وقد تكون التغييرات التي تشهدها المنطقة عقب وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز لتكون سببا للتخلص من اللواء محمد إبراهيم، وفقًا لمحللين سياسيين؛ حيث تسعى مصر إلى تغيير الشخصيات التي كانت أكثر حضورًا في مشهد الانقلاب؛ لتتوافق مع الوضع العربي الجديد الذي بدت بوادره مع تولي الملك السعودي الجديد.
وأكد هذا الربط السياسي بين إقالة وزير الداخلية والسعودية، أن إقالته جاءت بعد أيام من زيارة السيسي للسعودية، وهي الزيارة التي دار حولها كثير من الجدل واللغط، مابين أنها لم تكن زيارة موفقة للسيسي حيث قابلة الملك سلمان بجفاء غير معتاد أن يلاقيه الجنرال السيسي من المسؤلين في السعودية، ومابين من يؤكد أن الزيارة كانت في إطار خطة تصالح إقليمية يرعاها الملك السعودي (سلمان بن عبدالعزيز) بين كل من (الاخوان المسلمين وقطر وتركيا) من جانب وبين (الانقلاب العسكري وحلفائهم في المنطقة من جانب آخر).
ورجوعًا للعادة التي كانت سائدة خلال فترة تولي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في استقدام وزراء الداخلية من جهاز أمن الدولة، فقد تم تعيين اللواء مجدي عبد الغفار بديلاً له، وكان يتولى منصب رئيس جهاز الأمن الوطني قبل خروجه إلى المعاش قبل عامين.
وأعتبر محللون أن إقالة محمد إبراهيم تعد رسالة من السيسي على تقديم حسن النوايا في طريق المصالحة المزعوم، خاصة وأن الوزير الجديد الذي عينه السيسي وزيرا للداخلية قادم من جهاز أمن الدولة ما يعني أنه سيكون أكثر حنكة في العمل على إدخال الحلول السياسية إلى جانب الحلول الأمنية في التعامل مع ملف جماعة الإخوان المسلمين ومعارضي الانقلاب العسكري، إلا أنه حتى الآن لم تظهر إشارات تدلل على ذلك.
وزير الداخلية والمؤتمر الاقتصادي المرتقب:
فيما قال مراقبون إن أبرز أسباب الإقالة هي الأحداث التي برزت في ظل اقتراب المؤتمر الاقتصادي الذي يعوّل عليه السيسي كثيرًا للخروج من أزمته الاقتصادية، مع فشل إبراهيم في الحد من الحراك الثورى المتنامي في الشارع، فضلاً عن عجزه عن السيطرة عن حالة الانفلات الأمني، وتزايد حوادث استهداف الضباط والمجندين، وتكرار التفجيرات داخل العاصمة وخارجها.
يأتي هذا فيما قال مصدر أمني رفيع المستوى- في تصريح صحفي- إن إقالة إبراهيم ليست بسبب تقصير أمني، ولكن لضخ دماء جديدة داخل الوزارة، بدليل تعيينه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء.
شؤون خليجية