ترددت خلال العامين الأخيرين عشرات الأسماء لشخصيات لعبت دورا في دعم الانقلاب في مصر وقائده عبد الفتاح السيسي، لكن التسريبات التي أذاعتها قناة “مكملين” يومي الأحد والاثنين الماضيين أبرزت دورا محوريا لحكام أبو ظبي من أبناء الشيخ زايد آل نهيان، بجانب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل.
وبرز دور هذا الثلاثي جليا في إجهاض التجربة الديمقراطية في مصر والإطاحة بالرئيس محمد مرسي، حيث وفر أبناء زايد الدعم المالي السخي للسيسي، وقدم بلير الاستشارات الاقتصادية والترويج السياسي الدولي، فيما ساهم هيكل بكتابة البرنامج الانتخابي له إبان انتخابات الرئاسة وخلق صورة ذهنية وهمية عن قائد الانقلاب.
الإمارات.. صانعة الانقلاب
وأظهرت التسريبات دور الإمارات في صنع الانقلاب، وتوزعت المهام بين الشيخ منصور بن زايد وزير شؤون الرئاسة والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي والشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية والدكتور سلطان الجابر وزير الدولة، الذين تدخلوا في الشؤون المصرية بشكل غير مسبوق، حتى إن مراقبين رأوا أن مصر أصبحت الإمارة الثامنة التي يحكمها أبناء زايد.
وقدمت الإمارات مساعدات معلنة لقائد الانقلاب في مصر منذ تموز/ يوليو 2013، تجاوزت أربعة مليارات دولار، على شكل قروض ومنح وشحنات نفطية، فضلا عن مليارات أخرى غير معلنة، ولا يعرف أحد مصيرها حتى الآن.
وتضمنت المكالمات الهاتفية بين اللواء عباس كامل رئيس مكتب السيسي ووزير الدولة الإماراتي سلطان الجابر، مطالبته بتسييل وديعة إماراتية في البنك المركزي المصري، لتتمكن القوات المسلحة المصرية من الاستفادة منها. وفي مكالمة ثانية بين كامل ووزير الدفاع صدقي صبحي، يتضح فتح الإمارات حسابا بنكيا لصالح حركة “تمرد” التي مثلت غطاء شعبيا للإطاحة بالرئيس محمد مرسي من قبل الجيش، كما أنها كشف عن حساب آخر فتحته الإمارات لصالح المخابرات المصرية لتمويل أعمالها السرية.
وكشف التسريب عن عِلم الإمارات بترشح السيسي للرئاسة، بل وبتنفيذ الترتيبات اللازمة لهذا الترشح من خلال مشروع وهمي تعلن عنه من خلال شركة “أرابتك” الإماراتية، لإنشاء مليون وحدة سكنية خلال عام واحد.
وكشف التسريب عن تعديل الحكومة المصرية للقوانين بشكل يرضي الشيخ منصور بن زايد، بعدما طالبته وزارة الزراعة بدفع غرامات على أراض يمتلكها في مصر، رغم أن السيسي أبلغه بإلغائها، ما دفع السيسي لإصدار قانون يتيح للشركات الأجنبية تملك الأراضي والعقارات في مصر دون الحاجة إلى شريك مصري، وإعفائها من دفع أي غرامات.
ولدولة الإمارات تاريخ حافل بعداوة الثورة المصرية منذ أيامها الأولى، حيث إنها ساندت مبارك وعرضت استضافته في حال رغبته في الهرب من مصر، كما أنها استضافت لاحقا الفريق أحمد شفيق، بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس محمد مرسي عام 2012، وهروبه من مصر خوفا من قضايا الفساد المتهم فيها.
بلير.. مستشار الطغاة
وتناولت المكالمات المسربة الحديث عن زيارة سرية يقوم بها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بصحبة وفد إماراتي إلى مصر للقاء السيسي وقيادات الجيش المصري.
ويترأس بلير شركة استشارات تقدم خدماتها للعديد من الأنظمة القمعية في العالم، من بينها ليبيا – في عهد القذافي – والإمارات والكويت، وغيرها.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أكدت أن بلير تم تعيينه مستشارًا سياسيًا واقتصاديًا للسيسي، بعد أيام قليل من تولي قائد الانقلاب العسكري الرئاسة رسميا، حيث إنه يقدم له استشارات في مجال الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع فريق إماراتي مقيم في القاهرة تديره مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز”.
وأوضحت “الغارديان” – في تقرير نشرته في تموز/ يوليو 2014 – أن هذه الخطوة تأتي ضمن برنامج تموله دولة الإمارات في إطار معركتها الكبرى ضد حركات الإسلام السياسي في المنطقة، مشيرة إلى أن بلير – الذي يعمل مبعوث سلام للشرق الأوسط – أصبح “صانع قرارات السيسي” ولكن من خلف الكواليس.
ونفى بلير – وقتئذ – صحة تقرير “الغارديان”، وقالت متحدثة باسمه إنه ليس “مستشارا رسميا للسيسي”، بل إنه يسدي له النصائح فقط، لأنه من المهم لمصر وللمنطقة وللعالم كله أن ينجح السيسي وحكومته في إصلاح مصر وقيادتها إلى مستقبل أفضل.
ويعرف عن بلير عداؤه الشديد للحركات الإسلامية، حتى إنه طالب الغرب في نيسان/ إبريل 2014، بتنحية أي خلافات جانبية مع روسيا أو الصين والتركيز فقط على مواجهة “تزايد التطرف الإسلامي” في العالم.
هيكل.. بائع الوهم
أما الاسم الثالث الذي ظهر في التسريبات، فكان الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، الذي اتضح أنه أشرف على كتابة البرنامج الانتخابي للسيسي قبل الانتخابات الرئاسية.
وفي بداية الانقلاب عام 2013، قاد هيكل بشكل مباشر وغير مباشر حملة إعلامية لتلميع السيسي، وأطلق حملة لتشبيه السيسي بعبد الناصر، في محاولة لكسب التأييد الشعبي له باعتباره الرئيس القوي ونصير البسطاء.
وكانت تقارير صحفية قد أكدت وضع هيكل لبرنامج السيسي الذي ارتكز على وعود – ثبت عدم تحققها فيما بعد – بتحسين سريع للأحوال المعيشية للفقراء، بالإضافة إلى مشروع قومي عملاق يمثل مفاجأة للمصريين، كما أنه تناول خطوطا عريضة للعلاقات المصرية مع دول العالم.
لكن هيكل بعدها نفى في مقابلة تلفزيونية في شباط/ فبراير 2014 إشرافه على كتابة البرنامج الرئاسي للسيسي، مؤكدا أن قائد الانقلاب هو من سيقوم بهذه المهمة بنفسه، وهو ما أثبتت التسريبات كذبه لاحقا.
وعرف عن هيكل دعمه السابق للأنظمة القمعية منذ خمسينيات القرن العشرين، خاصة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان هيكل أحد أهم أركانه السياسية والإعلامية لنحو عشرين عاما.
القاهرة – أحمد الليثي
عربي 21