تثير زيارة المشير عبد الفتاح السيسي الرسمية الأولى للمملكة العربية السعودية بعد استلام الملك سلمان بن عبد العزيز لمقاليد الحكم جدلا إعلاميا حول نتائج هذه الزيارة، ودلالات اقتصارها على عدة ساعات فقط.
الصحف المصرية الرسمية والقريبة من سلطة الانقلاب اكتفت بنشر بيانات رسمية روتينية عن الزيارة، وتحدثت عن العلاقات الثنائية بين البلدين، دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى النتائج الحقيقية للزيارة، وانعكاسها على أرض الواقع في مصر.
مصادر سعودية أكدت أن الرياض أثارت مصير المساعات التي قدمتها دول الخليج لمصر منذ الانقلاب، على ضوء التسريبات التي بثتها قناة مكملين قبل أسبوعين، التي وصفها السيسي في التسريبات “بالفلوس المتلتلة زي الرز”، وتحدث فيها السيسي عن دخول ثلاثين مليار دولار من هذه المساعدات إلى ميزانية الجيش مباشرة قبل انتخابات الرئاسة، وهو ما أثار جدلاً حول طريقة تعامل السيسي مع أموال الخليج.
وفي تصريحات تؤكد ما نقله المصدر الخليجي قالت صحيفة الوطن المصرية إن السيسي أكد بعد اختتام زيارته للرياض أن “ما ردده أعداء الخليج ومصر عن استخدام الرئيس المساعدات الخليجية لصالح المؤسسة العسكرية هو كلام غير دقيق، وأنه محاولة للقول إنهم (أي المؤسسة العسكرية) لا يساعدون البسطاء بل الجيش”
وكان الموضوع الأكثر خطورة أن الرياض باتت تشعر بالقلق تجاه السياسة الخارجية لمصر في بعض الملفات، التي ترى فيها دوائر صناعة القرار السعودية الجديدة إضراراً بالأمن القومي لدول الخليج.
وأجرى نظام السيسي تحركات في اتجاه مع إعادة تأهيل بشار الأسد كجزء من الحل في سوريا، فيما ترى السعودية أن لا مكان للأسد في سوريا المستقبل. أما العراق، فإنها تشكل ساحة أخرى للاختلاف بين الرياض والقاهرة وفق المصدر الخليجي، بسبب الانفتاح الذي يبديه نظام السيسي مع الحكومة العراقية دون الالتفات إلى بعض السياسات الطائفية العراقية التي تدينها السعودية وترفضها.
وتبدو السعودية غير راضية عن الموقف المتردد للسيسي من الحوثيين، خصوصاً بعد الزيارات التي قام بها مسؤولون حوثيون إلى القاهرة، .
وأبدى مراقبون مصريون دهشتهم من أنه في اللحظة التي كان عبدالفتاح السيسي يلتقي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض عصر الأحد، كان قد سمح لأجهزته الأمنية بدخول وفد من جماعة “أنصار الله” اليمنية المعروفة إعلاميا باسم “الحوثيين” إلى العاصمة المصرية القاهرة في صباح اليوم نفسه.
وأشار المراقبون إلى أن موافقة السيسي على شروع الحوثيين في اتصالات سياسية مع القاهرة، من داخلها، تتناقض مع موافقته -في خلال لقائه مع الملك سلمان- على المبادرة الخليجية التي تنص على اعتبار الحوثيين سلطة غير شرعية في اليمن.
وأكدت صحيفة “الشروق” المصرية المساندة للانقلاب -الاثنين- أنه وفقا لمصدر مطلع بالقاهرة (لم تسمه الصحيفة) فإن “مصر وجهت دعوة لعدد من الأطراف الحوثية لزيارة القاهرة في إطار اتصالها مع جميع أطراف الأزمة اليمنية، والجهود المبذولة للحفاظ على استقرار، ووحدة الأراضي اليمنية”، على حد تعبير “الشروق”.
لكن عضو المكتب السياسي للجماعة عبدالملك العجري قال إن وفد الحركة برئاسة رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المكتب السياسي للجماعة قد توجه بالفعل إلى القاهرة لمقابلة مندوب اليمن الدائم بجامعة الدول العربية لبحث آخر التطورات السياسية على الساحة اليمنية، ومناقشة كيفية فتح علاقة مع القيادة المصرية، وبحث سبل التعاون المشترك، على حد قوله.
وأضاف العجري -في تصريحات لوكالة “أونا” للأنباء الأحد-: “نتطلع إلى دور مصري فاعل باعتبارها قائدة الدول العربية إلى جانب دورها السابق في نجاح ثورة سبتمبر” 1962، وفق وصف.
ومن جهته، كشف عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي ضيف الله الشامي عن وصول وفد من الجماعة إلى القاهرة صباح الأحد لمناقشة سبل التعاون بين الجانبين، بحسب تعبيره.
صحيفة القدس العربي تسلط الضوء على التصريحات الأخيرة لعضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله الحوثيين محمد البخيتي حول مصر، وقالت إنها لفتت الأنظار حول تقارب بين الحوثيين ومصر والرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي أرسل قبل أيام وفداً برئاسة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا للقاء مسؤولين مصريين؛ للتنسيق بشأن المرحلة الجديدة قبل تمكن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي من مغادرة العاصمة اليمنية صنعاء، وهو ما غيّر المعادلة السياسية كلياً.
وتنقل الصحيفة تصريحات للبخيتي يقول فيها إن هناك لقاء تم بين ممثلين للجماعة مع السفارة المصرية في اليمن منذ أسبوعين، وأسفر اللقاء عن تفاهمات كبيرة.
وتذهب الصحيفة إلى أنه “لا يعرف حتى الآن ما الذي جرى خلال هذه المباحثات أو اللقاءات سواء بين صالح والحوثيين من جهة، أو التفاهمات الروسية ـ الإيرانية من جهة، والمصرية من جهة أخرى في التعامل مع الشأن اليمني”.
وترى الصحيفة أنه “لا يمكن غض النظر عن تعزيز النشاط الدبلوماسي بين مصر واليمن خلال الأيام القليلة الماضية، فالرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي أوفد أمين عام حزبه إلى مصر، أرسل وفداً آخر قبل أيام إلى روسيا برئاسة نائب رئيس الدائرة السياسية مجيب الآنسي، متزامناً مع وفد من جماعة الحوثي كان في روسيا في الوقت نفسه، وضم حسين العزي رئيس المكتب السياسي لجماعة أنصار الله، ومحمد النعيمي القيادي في حزب الحق”.
وتضيف الصحيفة “مثل هذا النشاط الدبلوماسي بين اليمن وروسيا جاء مصحوباً بنشاط دبلوماسي آخر بين إيران واليمن، فلم تنقطع الزيارات السياسية من قبل وفود حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه الحوثيين نحو طهران”.
ويبدو أن اللقاءات الأخيرة بين مسؤولين مصريين والحوثيين وصالح والتفاهمات مع روسيا وإيران، وجدت قبولاً مصرياً في ظل ما يوصف ببرود في العلاقة بين السعودية ومصر بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة السعوية.
ووفقاً للصحيفة، فإن كثيرين في صنعاء يرون أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيستخدم الملف اليمني كورقة ضغط على المملكة، خاصة وأن مواقف مصر السياسية الأخيرة كانت توافقية وليس فيها ما يؤشر إلى اتباع الموقف الخليجي الحاسم في اليمن.