المشهد الأول:
“أبرأ إلى الله من أبي بكر وعمر وعثمان وحفصة، وأشهد أن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة في النار”، بهذه العبارات أعلنت مغربية تدعى “أم ياسر” عن تشيعها مباشرة في مكالمة هاتفية مع الشيخ الشيعي المعروف، ياسر الحبيب، وهو يقدم برنامجا في قناة “فداك” الشيعية..
المشهد الثاني:
مواطن مغربي من مدينة طنجة يتحدث بحماسة لافتة عن تشيعه لقناة فضائية شيعية، ويقول إنه “نادم جدا بشأن الأربعين سنة من عمره التي ضيعها هباء في السُنة”، قبل أن يستفيض في الحديث عن هَبة شيعية هائلة بالمغرب، خاصة في طنجة وباقي مدن الشمال، بالنظر إلى الحق الذي وجدوه في المذهب الإمامي”.
المشهد الثالث:
شابة مغربية تعلن تشيعها في قناة فضائية شيعية، وتؤكد أن جميع أفراد أسرتها دخلوا هذا المذهب، وتركوا المذهب السني المالكي الذي يدين به غالبية الشعب المغربي”، مشيرة إلى أن “جيرانهم لا يعلمون بعد بهذا الاختيار، لكنها لا تتوقع منهم ردود فعل رافضة” وفق تعبيرها.
المشهد الرابع:
شيخ شيعي مشهور يبشر متابعيه وجمهوره الواسع في العالم، غير ما مرة، بأن التشيع آخذ في الانتشار في شتى أصقاع البلاد العربية، وبأن هذا المذهب سيجد له قبولا كبيرا لدى المغاربة، وقال “سوف ترون دولة شيعية في المغرب، هذا يقين، وليس حدسا، وسوف يكون بُناتها من هؤلاء الشيعة الجدد”.
التحول إلى المذهب الشيعي
هذه مشاهد من بين أخرى تكشف نزوع عدد من المغاربة، سواء من الداخل أو من الجاليات المتواجدة بالدول الأوربية، خاصة في بلجيكا، نحو اعتناق المذهب الشيعي، ما يطرح سؤالا بخصوص خلفيات إقبال هؤلاء على هذا المذهب، خاصة المغربيات اللائي لم يعد يجدن غضاضة في الإعلان صراحة عن تشيعهن.
وإذا كان بعض المغاربة، من الجنسين معا، اختاروا أن يعلنوا تشيعهم عبر قنوات فضائية تتبع هذا المذهب، فإن آخرين فضلوا أن يتوجهوا إلى شبكة الانترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تحتضن صفحات خاصة لمغاربة شيعة، فيما تحذر صفحات فيسبوكية أخرى مما تسميه “سرطان الشيعة”.
الكاتب والباحث في الفكر السياسي والإسلامي، كمال الغزالي، أكد أن “التحول إلى مذهب آل البيت أصبح طبيعيا في الفترة الحالية، خصوصا أن الرؤيا قد انكشفت بخصوص بعض الادعاءات الباطلة والتحريفية في حق الشيعة، من قبيل زواج المتعة وسب الصحابة”.
وعزا رئيس تحرير “الموقع الرسالي”، في تصريحات لهسبريس، توجه العديد من المغاربة إلى إعلان تشيعهم إلى كون “الدور الذي تلعبه القنوات الفضائيات من خلال تصدي علماء المذهب الإمامي للتوضيح، وتصحيح الآراء الخاطئة والملتوية بشأن آل البيت” وفق تعبيره.
واعتبر الغزالي بأن “المذهب الإمامي أصبح جذابا خصوصا في خضم الصورة القاتمة التي يقدمها تنظيم “داعش” عن الإسلام المحمدي الأصيل”، متابعا بأن “هذا المذهب عقلاني يهتم بالعقل والفلسفة، ومنفتح على كل الآراء، ما دفع بالناس ليجدوا هويتهم واهتمامهم بهذا المذهب”.
الرجال أكثر
ومن جهته أفاد الدكتور محمد بوشيخي، الباحث المغربي المهتم بالشأن الديني والحالة الشيعية، في تصريحات لجريدة هسبريس، بأنه “لا توجد دراسات وافية يمكنها أن تقدم معطيات دقيقة عن درجات التدين لدى شيعة المغرب بين الرجال والنساء”.
وأبرز بوشيخي بأن “ملاحظة وتتبع أنشطة الشيعة المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الإلكترونية والخرجات الإعلامية تعطينا معطى مغايرا، يتمثل في كثافة الحضور الذكوري بالمقارنة مع التواجد النسوي، بخصوص التعاطي مع التشيع”.
ولفت الباحث ذاته إلى أن “مختلف التعبيرات التنظيمية الشيعية التي سبق التعرف على أعضائها تعرف غلبة الأسماء الذكورية على النسائية، إضافة إلى افتقاد الحالة الشيعية المغربية لأي وجه إعلامي نسائي مقابل تصاعد وجوه رجالية”.
حضور المغربيات في الفضائيات الشيعية
وأما بخصوص حضور المغربيات المتشيعات في القنوات الفضائية، فمرده بحسب بوشيخي، إلى سببين رئيسيين، الأول كون النساء، كما كشفت عدد من التقارير الوطنية، أكثر إقبالا على الممارسات الدينية، وهي حالة ليست مغربية بل يمكن تعميمها حتى على المجتمعات الغربية”.
ويشرح المحلل بأنه “صدر تقرير في بريطانيا يكشف تدين نسائها أكثر من رجالها، كما أن المرأة أكثر اهتماما بالفتاوى الفقهية، وطلب نصائح وتوجيهات الفقيه، سيما في الأمور التي تعالج قضايا الأسرة والعلاقات الزوجية، وهذا يلاحظ حتى في الفضائيات السلفية والسنية عموما”.
وتطرق بوشيخي إلى العامل الثاني متمثلا في كون “القنوات الشيعية توفر للمرأة المتشيعة فضاء آمنا لتلقي الثقافة الدينية دون المجازفة بكشف مذهبيتها لغيرها”، مشيرا إلى مسألة “عدم التيقن من صحة أسماء المتشيعات المغربيات اللواتي يتصلن بتلك القنوات الفضائيات”.
واسترسل المتحدث بأنه “الرجل المتشيع بإمكانه تحصيل الفتاوى والمعارف الشيعية عبر انخراطه في أشكال تنظيمية، أو التواصل المباشر مع شخصيات شيعية ذات ثقافة دينية داخل البلد، أو حتى مراكمة المؤلفات العقدية والفقهية الشيعية في منزله”.
وسجل بوشيخي أن “هذا الأمر إن كان متوفرا للرجل، فهو ليس في متناول المرأة، التي يغلب عليها الميل للكتمان، ودفع كل ما من شأنه فضح ميولاتها المذهبية المخالفة لبيئتها الاجتماعية، وخصوصا لوسطها الأسري، فالرجل غالبا ما يمتلك جرأة أكبر من المرأة في التعبير عن معتقده”.
هسبريس ـ حسن أشرف