عندما ذهب الضابط عبد الفتاح السيسي للدراسة في أمريكا مرتين متتاليتين: (الأولي) عام 1981 حيث تلقى دورة أساسية في سلاح المشاة في قاعدة فورت بنينج في جورجيا، و(الثانية) في 2006 بكلية الحرب في “كارلايل” بولاية بنسلفانيا، كانت نظرية “حروب الجيل الرابع” قد انتعشت مرتين أيضا، حيث استُخدم هذا المصطلح لأول مرة عام 1989 من قبل فريق من المحللين الأمريكيين، من بينهم المحلل الأمريكي ويليام ستركس ليند لوصف الحروب التي تعتمد على مبدأ اللامركزية، والثانية عام 2005 عن طريق رئيس تحرير الدورية الرئيسة للكلية الحربية الملحقة بالجيش الأمريكي التي تعلم بها السيسي.
ولهذا لم تكن إشارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي لـ “حروب الجيل الرابع” والمواجهة التي تخوضها مصر مع تنظيمات “لا مركزية” أو جماعات إرهابية في مصر أو سيناء تستند، كما قال بعض معارضيه، إلى “أساطير متخيلة“، بقدر ما هي انعكاس لما عاصره ودرسه السيسي في أمريكا، وظل يؤمن به ضمن ما كتبه في البحث الشهير الذي نشرته كلية الحرب الأمريكية له، والذي عكس -بحسب تقرير لوكالة رويتر- “مدى إدراكه أن تطبيق الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط أمر محفوف بالصعوبات“.
ويبدو أن السيسي أدرك أن “التسريبات” -التي أكد المختبر الصوتي العالمي “جي بي أسوسييتس” وصحيفة “إندبندنت” أمس الثلاثاء أنها صحيحة لا مفبركة- تُبطل تدريجيا مفعول “التفويضات” التي ما انفك يطلبها من المصريين، أو يوكل آخرين بطلبها له، فعاد إلى أوراقه البحثية والدراسية في أمريكا حول “حروب الجيل الرابع” ربما ليبرر بها ما يواجهه نظامه من تحديات وفشل في إدارة ملفات عديدة بإسناد السبب إلى “مؤامرات حروب الجيل الرابع“.
بيد أن المفارقة الحقيقة هي أن الانتقادات التي وجهها عسكريون وأكاديميون لهذه النظرية كانت تنصب على أن هذه النظرية “الوهمية الأسطورية” -بحسب تعريفهم- ليست سوى حجة “لتبرير قصور قدرة المؤسسات وفشلها والفشل في التعامل ممع الجماعات الجهادية والإرهابية التي هاجمت أهداف أمريكية“؛ وهو نفس الانتقاد الذي يوجهه مثقفون ومعارضون مصريون للسيسي بالقول إن نظرية الجيل الرابع ليست سوى “شماعة تداري الفشل في معالجة ملفات عديدة منها الإرهاب“، ومحاولة لتبرير فشل حكومته في ملفات عديدة.
ففي لقاء تليفزيوني بعنوان «حديث الرئيس»، نقله «التليفزيون المصري» الأحد 22 فبراير الجاري، عاد الرئيس عبد الفتاح السيسي، للتحذير مما وصفه بـ«حروب الجيل الرابع»، قائلًا: «هذه الحروب في منتهى الخطورة، وتستهدف مصر»، على حد قوله، بعدما استخدم نفس المصطلح خلال جولة ترشيحه للانتخابات الرئاسية.
وأضاف السيسي، في تفنيده للتسريبات، أن “هناك العديد من الأدوات لتنفيذ أهداف حروب الجيل الرابعة، منها الشائعات، والتكنولوجيا، والحرب النفسية“، محذرًا الشعب من هذه الأدوات، ومن ثم حاول التشكيك فيها، متهما خصومه بالإيقاع بين نظامه والدول التي تموله عبر هذه التسريبات.
وتابع الرئيس، حديثه، قائلًا: “نحن بالفعل نواجه تحديات كثيرة، خلال الفترة الحالية، لكن هذا لا يجب أن يمنعنا من التأكيد على أن الفترة الماضية شهدت نجاحات كثيرة في معظم المجالات والملفات“.
ومع أن بدايات التعريف الأبرز لـ”حروب الجيل الرابع“، يرجع لأسباب عسكرية بحتة مثل قدرة الفيتناميين على هزيمة القوات الأمريكية في السبعينيات، وهزيمة الاتحاد السوفييتي على يد المجاهدين الأفغان في أواخر الثمانينيات، أي ميليشيات غير نظامية ومنتشرة بأماكن كثيرة، تواجه دولة نظامية لها جيش، فقد استخدمه البعض أيضا للحديث عن “القوى الناعمة” إلى جانب “قوى السلاح“، مثل وسائل الإعلام والقنوات التي تخدم تلك التنظيمات والميليشيات، والإنترنت، وتشتيت الرأي العام حتى يتمكن الطرف التابع للوسيلة الإعلامية من تحقيق أهدافه وتحطيم الخصم تمامًا.
لهذا حذر منها الرئيس السيسي في خطابه الأخير، كما كثر الحديث عنها على لسان الخبراء والمحللين، فأصبحت هي السمة الأساسية للعصر الحالي، وأصبحت مرادفا لـ “الحرب بالإكراه“، و”إفشال الدولة“، و”زعزعة استقرار الدولة“، بحسب تعريفات أمريكية وإسرائيلية منها تعريف البروفيسور الأمريكي “ماكس مايوراينك“، في معهد الأمن القومي الإسرائيلي.
وباتت هذه النظرية هي الوسيلة التي يلجأ لها السيسي وأنصاره ووسائل الإعلام المصرية لتبرير كل ما يحدث من فشل سياسي أو عسكري أو أمني في وقف أعمال عدائية وتفجيرات يذهب ضحاياها ضابط وجنود شرطة وجيش، أو أبرياء في ليبيا، بينما الحقيقة أنها نظرية أمريكية بحتة تلقى انتقادات، حيث يصف معلقون عسكريون أمريكيون عليها بالقول إن: “الجيل الرابع ما هي إلا تبرير للفشل المخابراتى والعسكري الأمريكي وتعبير عن عدم الاعتراف بحقيقة تطور الفاعلين من غير الدول وضعف قدرة الدولة على احتكار وسائل العنف التقليدية وغير التقليدية؟”.
فقد وضع المحللون الاستراتيجيون والعسكريون تعريفات لأجيال الحروب، كالتالي:
1- حرب الجيل الأول: هي الحرب التقليدية بين دولتين لجيشين نظاميين، ويعرفها الخبير العسكري والكاتب الأمريكي ويليام ليند، بأنها حروب الحقبة من 1648 حتى 1860 حيث عرفت بالحروب التقليدية (بالإنجليزية: Conventional War) بين جيوش نظامية وأرض معارك محددة ومواجهة مباشرة بين دول.
2- حرب الجيل الثاني: يعرفها البعض بحرب العصابات (بالإنجليزية: Guerilla War) والتي كانت تدور في دول أمريكا اللاتينية، ويعرفها الخبير الأمريكي ويليام ليند، بـ”الحرب الشبيهة بالجيل الأول من الحروب التقليدية“، وظهرت وتطورت بواسطة الجيش الفرنسي قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، حيث تم استخدام النيران والدبابات والطائرات بين العصابات والأطراف المتنازعة.
3- حرب الجيل الثالث: يعرفها البعض بالحروب الوقائية أو الاستباقية (بالإنجليزية: Preventive War) كالحرب على العراق مثلًا، ويعرفها الخبير الأمريكي ويليام ليند ويوصفها بأنها طوُرَت على يد الألمان في الحرب العالمية الثانية، وسميت بحرب المناورات وتميزت بالمرونة والسرعة في الحركة واستخدم فيها عنصر المفاجأة وأيضا الحرب وراء خطوط العدو.
4- حرب الجيل الرابع: وهي حرب أمريكية بحتة طُورت على يد الجيش الأمريكي وعرفوها بـ”الحرب اللا متماثلة” (بالإنجليزية: Asymmetric Warfare) حيث وجد الجيش الأمريكي نفسه يحارب “لا دولة” بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بمعنى آخر محاربة تنظيمات منتشرة حول العالم، وهذه التنظيمات محترفة وتملك إمكانيات ممتازة ولها خلايا خفية تنشط لضرب مصالح الدول الأخرى الحيوية كالمرافق الاقتصادية وخطوط المواصلات لمحاولة إضعافها أمام الرأي العام الداخلي بحجة إرغامها على الانسحاب من التدخل في مناطق نفوذها، ومثال على هذه التنظيمات: القاعدة، حزب الله، تنظيم “داعش“، إلخ.
“الجيل الرابع” نظرية وهمية أمريكية
الجيل الرابع من الحروب (بالإنجليزية: Fourth-Generation Warfare) أو اختصارا (4GW) أو “الحرب اللامتماثلة” هو، بحسب تعريفات أمريكية: “الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين أسس أو عناصر الدول المتحاربة من قِبل دول أخرى“.
ولذلك استٌخدم هذا المصطلح لأول مرة في عام 1989 من قبل فريق من المحللين الأمريكيين، من بينهم المحلل الأمريكي ويليام ستركس ليند لوصف الحروب التي تعتمد على مبدأ اللامركزية .
وقد أطلق اسم حرب الجيل الرابع (4GW) على الحرب على المنظمات الإرهابية حسب المفهوم الأمريكي والتي يكون طرفي الحرب فيها جيش نظامي لدولة ما مقابل لا دولة أو عدو أو خلايا خفية منتشرة في أنحاء العالم.
وبحسب التعريف الأمريكي لهذه الحروب، تُستخدم فيها وسائل الأعلام الجديد والتقليدي ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والعمليات الأستخبارية والنفوذ الأمريكي في أي بلد لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وسياسات البنتاجون لمواجهة هذه المجموعات غير المركزية.
ولكن المفارقة أن كل من تحدث من العسكريين والأكاديميين الأمريكان عن هذه النظرية تعامل معها بمنطق التفنيد والانتقاد.
فبحسب ورقة نقدية مطولة كتبها “أنطوليو ايشافاريا” Antulio Echevarria عضو القيادة العسكرية الأمريكية ورئيس قسم الاستراتيجية والتخطيط الاقليمى في مؤسسة الدراسات الاستراتيجية ورئيس تحرير دورية الكلية الحربية الأمريكية، بعنوان: “حرب الجيل الرابع وأساطير أخرى“، fourth-generation war and other myths، وتم نشرها في 2005، انتقد “أنطوليو” هذه النظرية نقدا عميقا وسعي لتفنيد لكل حججها الواهية.
وكانت أبرز انتقاداته لنظرية الجيل الرابع تدور حول:
أنها “ليست نظرية وليس لها دليل واقعي حتى ترقى إلى مستوى الفرضية، ولكنها مجرد تصور وضعته المخابرات الأمريكية بالتعاون مع عسكريين أمريكيين لتبرير قصور قدرة هذه المؤسسات على التعامل مع الجماعات الجهادية والإرهابية، التي تعرضت لأهداف أمريكية مع نهاية الثمانينيات (بعد الانتفاضة الأولى في فلسطين) وخلال التسعينيات، فبدلا من الاعتراف بتغيير طريقة المهاجم وفشل أجهزة الاستخبارات في التوقع بهذه الهجمات، تم الترويج للنظرية الوهمية لحفظ ماء الوجه وتبرير القصور والفشل“.
إن هذه النظرية الوهمية قد اتخذت خطابا ترويجيا جديدا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وفى أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، لتبرير فشل مواجهة حركات حماس والجهاد والقاعدة، وفشل حماية أهداف أمريكية في الداخل، وأن الترويج الجديد قد انطوى على خطورتين، الأولى أنه حاول توريط أكاديميين ومثقفين في الدفاع عن الفشل العسكري الأمريكي بالترويج لنظرية المؤامرة بدلا من قيام المثقفين بأدوارهم التقليدية بالبحث والاستقصاء والتحليل، أما الخطورة الثانية فهي أن النظرية في هذه الطور الجديد ادعت أن هجمات جديدة من هذا القبيل سوف تتكرر في محاولة للادعاء بالتنبؤ بالمستقبل وتبرير أي فشل مستقبلي في توقع مثل هذه الهجمات بدعوى أن الافتراض الرئيس للنظرية أن (الإرهابيين سيوجهون لنا ضربات مستقبلية غير تقليدية) دون بذل جهد حقيقى لتحديد متى ستقع مثل هذه الهجمات وما وسائل مواجهتها؟ ويلاحظ هنا أن هذا هو نفس ما يوجه للسيسي من انتقادات، لأنه عقب كل عملية هجومية لقتل جنود في سيناء أو غيرها كان يخرج ليقول إن هذه العمليات لن تتوقف وسوف تستمر!
إن النظرية اعتمدت على ترجمة خاطئة لأعمال منظر عسكري ألماني في القرن التاسع عشر يدعى كارل فون كلاوسفيتز Carl Von Clausewitz تحدث عن تخوفه من تطور قوى الأعداء بشكل غير تقليدي يخرج عن سيطرة المواجهة فتتعرض القوى الوطنية للهزيمة، مفترضا أن تحقيق النصر العسكري لا يكون فقط بالصراع المسلح، ولكن أيضا ببناء نظريات لتقييم الاحتمالات المختلفة لاستراتيجيات الخصم، وهو بذلك يدعى لتطوير فكر المواجهة، فتمت ترجمة خاطئة للعمل تتحدث عن حروب غير تقليدية لإسقاط الخصم بواسطة كتاب نظرية الجيل الرابع بدلا من الرجوع للنص الأصلي والذي يتحدث عن دعوة للتفكير الاستراتيجي، الذي يخرج عن نطاق المواجهات العسكرية التقليدية.
إن النظرية تعتمد على فهم خاطئ لـ “صلح ويستفاليا” الذي أسس الدولة القومية في أوروبا، حيث تفترض النظرية أن صلح ويستفاليا أسس لاحتكار الدولة وسيطرتها على كل أدوات العنف، بينما الصلح بالأساس اعتمد على إنهاء رابطة الدين كأساس للإمبراطوريات ووضع بدلا منها أسسا قومية تقوم على روابط أخرى كالتجاور الجغرافي واللغة والعرق.
لهذا تنتهي دراسة “أنطوليو ايشافاريا” للقول: “إن نظرية الجيل الرابع ما هي إلا تبرير للفشل المخابراتى والعسكري الأمريكي وتعبير عن عدم الاعتراف بحقيقة تطور الفاعلين من غير الدول وضعف قدرة الدولة على احتكار وسائل العنف التقليدية وغير التقليدية أمام عالم متعولم وشبكات علاقات بين فاعلين قادرة على تخطى الحدود التقليدية“.
“الجيل الرابع” في نسختها المصرية والعربية
وقد حاول الباحث “أحمد عبد ربه” -في مقال نشره بجريدة “الشروق” الخاصة أبريل الماضي تحت عنوان “حروب الجيل الرابع.. ربع قرن من الأساطير“، أن ينقل هذه الاخطاء والانتقادات على الواقع العربي والمصري فقال:
أولا: النظرية سحبت من سياقها الأصلي كنظرية عسكرية أمريكية تبرر فشل مواجهة الحركات الجهادية والإرهابية غير التقليدية إلى سياق سياسي مصري لتبرير وقوع الثورات والإضرابات والتظاهرات، وهو سياق مخالف كليا للسياق الذى وضعت فيه ومن أجله.
ثانيا: إن النظرية التي تم تسييسها بالأساس للتعامل مع حركات الإسلام السياسي العنيفة (من وجهة النظر الأمريكية) تم ترديدها كما هي للتخلص من أي مظاهر تعددية وديمقراطية والتخلص من الخصوم السياسيين والحركات الثورية.
ثالثا: إن النظرية لم يروج لها خبراؤنا الاستراتيجيون فقط، ولكن تم تبنيها بواسطة جيش من المثقفين والسياسيين والإعلاميين دون فهم أو وعى بأبعادها، بل وحتى دون محاولة جادة للنظر في أوجه قصورها وأساطيرها ونقدها.
رابعا: إن النظرية في النسخة العربية قد تم استخدامها لتبرير فشل الدولة في التعاطي مع مواطنيها قبل وأثناء وبعد ثورة يناير بدلا من الاعتراف بالقصور الرهيب في فهم التيارات الثورية والشابة والبحث عن معادلات إصلاحية كحد أدنى لاحتواء هذه الحركات.
خامسا: النظرية الوهمية يتم استخدامها بكثافة في مصر للإيحاء بأن العالم كله يتآمر ضد مصر وفى مقدمة هذا العالم الولايات المتحدة (وللمفارقة، فإن الولايات المتحدة أصلا هي من اخترعت وروجت للنظرية للإيحاء بأن قوى غير تقليدية تتآمر عليها)، وهو ما يؤدى إلى رسوخ قناعة لدى المواطن الناخب بأن مصر لا تحتاج إلى سياسيين وأحزاب ولكنها في حاجة إلى رجال دولة وأبطال قوميين، في إشارة للسيسي والقادة العسكريين.
تسريب السيسي صحيح
انتهى مختبر عالمي متخصص في تحليل الأصوات ويتخذ من العاصمة البريطانية مقرا له إلى تأكيد صحة التسجيل الصوتي الأول الذي تم تسريبه من مكتب عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع، وهو ما يؤكد أيضً صحة باقي التسريبات. وأعلن المختبر مساء الاثنين نتائج تحليل شرعي للتسريبات الأولى استغرق عدة أسابيع، نافيا ما قاله السيسي للشعب المصري إن التسريبات تمت فبركتها بتكنولوجيا متطورة ضمن حروب الجيل الرابع.
وتحليل التسريب قام به مختبر “جيه بي فرينش أسوشييتس” في لندن، بطلب من مكتب “آي تي إن” القانوني البريطاني، والذي تبين أن الأصوات الواردة فيه صحيحة، سيكون دليلا جديدا بين أيدي المحامين في محاكمة الرئيس محمد مرسي حيث يتضمن التسجيل المسرب اعترافا بأن مرسي كان مختطفا في مكان غير قانوني وأن عملية الاعتقال تمت في مكان مخالف للقوانين السارية في مصر، ما يعني بطلان إجراءات القبض على الرئيس مرسي واعتبار ما حدث انقلاب احتجز بموجبه الرئيس في ثكنة عسكرية للجيش.
وكلف مكتب المحاماة البريطاني “آي تي إن” بالنيابة عن حزب الحرية والعدالة خبراء مستقلين في التحليل الشرعي للأصوات تابعين لمؤسسة “جيه بي فرينش أسوشييتس” للتعرف على هوية أصوات المتحاورين في التسجيلات ولمعرفة ما إذا كان التسجيل نفسه حقيقيا أم لا، حيث من المعروف أن “جيه بي فرينش أسوشييتس” هو أكبر معمل صوتي شرعي في بريطانيا، ويتم تكليفه بشكل منتظم بتحري الدليل في أشهر وأكبر القضايا الجنائية نيابة عن الادعاء وكذلك نيابة عن الدفاع.
وتوصل التقرير، الذي سيقدم كدليل في الإجراءات القانونية داخل مصر، إلى أن المتحدث الرئيس هو فعلا اللواء ممدوح شاهين، وأنه “لا توجد مؤشرات على أن المادة المنطوقة في التسجيلات قد تم تزويرها أو التلاعب بها من خلال قص أو إضافة أو حذف فقرات طويلة أو قصيرة من الحديث“، وأنه “من الصعب جدا خلق محادثة مقنعة بهذه الطريقة“.
وهذا الدليل الهام سيجري إرساله إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، والى الاتحاد الإفريقي والشرطة البريطانية، بحسب مصادر في فريق الدفاع عن مرسي بلندن، وذلك لإثبات “أسلوب السيطرة المباشرة للمجلس العسكري في مصر في إصدار أوامر مباشرة وتنفيذية، ومسؤوليتهم المباشرة عن التعذيب وملاحقتهم قانونيا“.
وقال المحامي “رودني ديكسون“، الذي يتابع الإجراءات القانونية الدولية نيابة عن الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة: “يتوجب على السلطات المصرية أن تعيد النظر مباشرة في احتجاز الرئيس مرسي، وكذلك احتجاز الآلاف من أنصاره الذين ما يزالون رهن الاعتقال لأسباب سياسية ودون دليل صادق يدينهم“.
ملاحقة ضباط مصريين في لندن
وقد كشف الصحافي البريطاني روبرت فيسك في مقال له في صحيفة “إندبندنت” أن المحامي رودني ديكسون، الذي يرافع عن أفراد في حزب مرسي، الذين فروا إلى لندن وأوروبا بعد الانقلاب، أكد أنه “تم إرسال أشرطة للشرطة البريطانية؛ لأن الضباط المصريين الذين يسافرون إلى بريطانيا قد يواجهون إمكانية الاعتقال لتورطهم في التعذيب ومعاملة السجناء بطريقة سيئة“.
وقال “فيسك” في مقال “إندبندنت” بعنوان: “انقلاب مصر: الشريط المسرب يثبت محاولة وزير الدفاع إخفاء المكان الحقيقي لمرسي في السجن العسكري كما يقول الطب الشرعي“، نشره الاثنين 23 فبراير الجاري، إنه تم التأكد من صحة ما جاء في المحادثات التي جرت قبل عامين، وإنها تقدم دليلا على أن الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين مرسي، قد تمت الإطاحة به بطريقة غير دستورية عام 2011، وهي حقيقة يحاول الحكام الجدد إنكارها.
وقال إن الأشرطة تقدم قراءة واضحة، حيث ناقش الجنرالات والمسؤولون الكبار في الحكومة العاملون تحت إمرة المارشال عبد الفتاح السيسي، الحاجة لبناء جناح كامل إلى جانب السجن العسكري الذي يحتجز فيه مرسي، تحرسه شرطة مدنية، ووضع علامات على الباب والواجهة تؤكد أنه سجن مدني، لخداع القضاة والمحامين.
وتابع فيسك: “لقد تم احتجاز مرسي بعد الإطاحة به بطريقة غير قانونية في قاعدة أبو قير البحرية، ولعدة شهور، بحسب ما يقوله محامو الرئيس السابق، وذلك قبل نقله إلى سجن مدني، وفي جزء من الشريط (المسرب) طلب رجل تم التعرف عليه، وهو الجنرال ممدوح شاهين، مساعد السيسي للشؤون القانونية والدستورية، من مسؤول، تغيير تاريخ سجن مرسي وتبكيره عن الوقت الحقيقي، مضيفا: (أحتاج لذكر البناية، ولكن لن نذكر أنها داخل وحدة عسكرية)“.
ويؤكد فيسك أن ما يقدمه الشريط خطير؛ لأنه يكشف عن محاولات مسؤولي الحكومة التلاعب بالنظام القضائي؛ “لأنه لو ثبت أن احتجاز مرسي كان غير قانوني، فإنه يمكن إثبات أنه كان سجين الجيش لا النيابة المصرية العامة، وعندها لن يستطيع السيسي وزملاؤه الإنكار أمام الرؤساء الأجانب والدبلوماسيين أنهم لم يقوموا بانقلاب عسكري“.
هل تسقط التسريباتُ السيسي؟
لهذا أيضا تساءل موقع “ميدل ايست آي” عن إمكانية سقوط الرئيس السيسي بفعل هذه التسريبات، وكتب “ديفيد هيرست” تحت عنوان: “لماذا يمكن أن يسقط السيسي بالتسجيلات المسربة التي بثتها قناة “مكملين”؟، يقول في إشارة إلى صحة التسريبات الصوتية أنها “يمكن أن يكون دليلاً كافياً أمام القضاء من أجل الطعن في الإجراءات التي تم بموجبها اعتقال الرئيس السابق محمد مرسي، وأن الشرطة البريطانية -التي تسلمت نسخة من تقرير مختبرات “جيه بي فرينش أسوشييتس” في لندن- تجري حاليا تحقيقا في الادعاءات بارتكاب السلطات المصرية انتهاكات لحقوق الإنسان من بينها ممارسة التعذيب بحق معتقلين في سجونها.
جمال محمد – التقرير