في الوقت الذي تراجعت فيه أسعار النفط ومشتقاته، فإن الثمن الذي يدفعه أعضاء «أوبك» نظرا لانخفاض الإيرادات باهظ، لدرجة أنه وصل إلى مرحلة كونه فوق الاحتمال بالنسبة للذين لم يعملوا حسابا ليوم ممطر مُلبد بالغيوم.
هل كان السبب الحقيقي وراء قرار الحفاظ على الإنتاج بالفعل هو الرغبة في تقويض ارتفاع إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي ونفط القطران الكندي، والذي أثبت الآن أن انخفاض الأسعار سبب له إحراجا بعد سنوات من حديث النصر عن ”نهضة صناعة الطاقة“ الأمريكية؟
هل كان السعوديون يفكرون أيضا في شل ارتفاع إنتاج النفط عالي التكلفة من رمال القطران في كندا؟ هل كانت المملكة العربية السعودية السُنية ترغب في إسقاط عدوها الرئيسي في المنطقة: إيران الشيعية؟ هل كانت المملكة العربية السعودية تخدم واشنطن عن طريق إضعاف روسيا، البلد الذي يعتمد إلى حد كبير على عائدات تصدير النفط؟
يقول السعوديون صراحة إنهم يرون ضرورة أن يقوم المنتجون من خارج «أوبك» في الوقت الراهن بتحقيق التوازن بين العرض العالمي للنفط عن طريق خفض الإنتاج بدلا من الاعتماد على أوبك – خاصة المملكة العربية السعودية – للقيام بذلك. وتحدث تلك التخفيضات في شكل انخفاض شديد في الاستثمار بالفعل في الولايات المتحدة وكندا وجميع أنحاء العالم في الوقت الذي تجبر فيه الأسعار المنخفضة شركات التنقيب عن النفط على تقليص خطط الحفر الخاصة بهم بشكل كبير.
ورغم ذلك، فإنه من غير الواضح بشدة أن غالبية النمو في الإنتاج العالمي للنفط منذ عام 2005 قد جاء من الاحتياطي ذي التكلفة العالية في الولايات المتحدة وكندا والتي أصبحت أهدافا سهلة ومغرية للاستراتيجية السعودية المتمثلة في خفض السعر.
ورأى «جيرمي غرانثام» مدير الاستثمار في «بارون» أنه في الآونة الأخيرة ربما اتخذت المملكة العربية السعودية القرار الخاطئ. وفسر ذلك على النحو التالي:
على الأرجح فإن السعوديين يمكنهم استيعاب جميع زيادات الإنتاج التي تمخض عنها التكسير الصخري في الولايات المتحدة (من حوالي أربعة ملايين برميل يوميا في الوقت الراهن إلى سبعة أو ثمانية ملايين برميل) وليس ذلك أسوأ حالا من إنتاج نصف إنتاجهم الحالي بضعف السعر الحالي … ليست صفقة سيئة. فقط في حالة أن احتياطات التكسير الأمريكي أرخص إنتاجا وأكبر بكثير مما كان يُعتقد عموما هو ما يجعل السعوديين على حق. إنه من الوارد، ولكني أعتقد أنه غير مرجح.
أولاً وقبل كل شيء، إنّه يغالي بشدة في قدرة الولايات المتحدة على زيادة معدل الإنتاج، على الرغم من أنه يُقيّم بشكل صحيح تكلفة الإنتاج وطول العمر (أو عدمه) بالنسبة لاحتياطات النفط الصخري الأمريكي. وحتى إدارة معلومات الطاقة الامريكية المتفائلة دوما ترى أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط سوف يبلغ مرحلة الاستقرار في عام 2019 (ليس أعلى بكثير مما عليه الآن) ويبدأ في الانخفاض بعد عام 2020.
ولكن ما يثير قلقي هو تأكيد «غرانثام» أن السعوديين قد سمحوا ببدء الحفر في الولايات المتحدة ببساطة بينما دول أوبك – وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية – خفضوا إنتاجهم دون أن يكون أسوأ حالا – من الناحية المالية – مما هو عليه الآن. وقد يضطر الصخر الزيتي الأمريكي إلى أن يطور نفسه بنفسه حتى حلول عام 2020 أو نحو ذلك، ثم يبدأ في الانخفاض ما يسمح لمنظمة «أوبك» استعادة حصتها في السوق ورفع الأسعار مرة أخرى.
ولكن هناك احتمال واحد يغفله «غرانثام» ذكره لي صديق. إنه كبير بالفعل. إنه يتعلق بما يكتمه السعوديون.
ماذا لو كان السعوديون يعملون الآن لتقويض إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي ونفط الرمال الكندي لأنهم يدركون أن الإنتاج السعودي سيصل قريبا إلى ذروته، وسوف يستقر مستواه لعدة سنوات ثم يبدأ في الانخفاض في خلال ما لا يزيد – مثلا – عن عقد من الزمان؟ ماذا لو كان السعوديون يخشون من أن كفاءة استخدام الطاقة والاستعاضة عن الوقود (مثلا: الغاز الطبيعي)، وتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة المصرح بها سوف يقلل حتما عائدات النفط لمدة تتجاوز ما بعد العقد المقبل؟ ماذا لو كان العقد القادم أفضل وقت لتعظيم إيرادات السعودية من وراء كل برميل؟
ومن المنطقي عندئذ بالنسبة للسعوديين أن يسعوا لعرقلة إنتاج أمريكا الشمالية الآن من خلال عام – مثلا – من الأسعار المنخفضة التي ينبغي أن تكون كافية لإشعار المستثمرين بعدم الاستقرار لسنوات عديدة بعد ذلك. ونتيجة لذلك، يمكن للسعوديين الاستفادة من ارتفاع الأسعار خلال السنوات التسع القادمة في الوقت الذي تجرب فيه المملكة تدفقاتها بالغة الذروة وقبل أن تبدأ استراتيجيات تقليل استخدام الطاقة في تهديد عائدات النفط.
(وهذا يشير إلى أنهم على حق حول إحجام المستثمرين عن العودة إلى حقول النفط ورمال القطران الضيقة بعد أن ضربها انخفاض الأسعار الحالي، وهو الأمر الذي من شأنه إبطاء أو منع مزيد من النمو في الولايات المتحدة وإنتاج النفط الكندي. وإذا عاد الاستثمار بسهولة مع أي زيادة في الأسعار، فمن الممكن أن نرى تذبذب الأسعار بعنف بسبب دورات المد / الجزر في الولايات المتحدة وصناعة النفط الكندية، وهو أمر أعتبره ممكن ولكنه غير محتمل، وهذا لأني أتوقع أن الكثير إن لم تكن معظم عقود النفط الصخري الحالية ستنتقل إلى أيدي كبرى شركات النفط العالمية نتيجة إفلاس ومبيعات متعثرة للاعبي النفط الصخري المستقلين في غضون 12 – 18 شهر قادم. وسوف تتخذ هذه الموضوعات نهجا أكثر توازنا وطريقة أكثر مثابرة لتطوير عقود الإيجار تلك).
ولا يعرف أحد الآن بالطبع ما يعرفه السعوديون بشأن احتياطياتهم النفطية الخاصة أو معدلات التدفق المتوقعة. آرامكو السعودية – شركة النفط الوطنية السعودية التي تسيطر على كافة تطوير وإنتاج النفط في البلاد – مملوكة للحكومة بنسبة 100% ، وبالتالي ليست مضطرة للافراج عن المعلومات للجمهور ولا تخضع لمراجعة مستقلة خارجية. ولكن بالفعل صرح السعوديون علنا بأن العالم لا يمكنه الاعتماد عليهم في أكثر من 12.5 مليون برميل يوميا. وتضخ البلاد حاليا نحو 9.7 مليون برميل يوميا، تصدّر منها نحو 6.9 مليون برميل يوميا.
وإذا كان السعوديون يعملون الآن لعرقلة إنتاج الولايات المتحدة وكندا لنفس الأسباب التي أشار إليها صديقي، فهذا يعني أن امدادات النفط العالمية ستكون أكثر صعوبة بعد 2020 مما يظنه الناس. وذلك يعني أنه في مرحلة ما في السنوات الـ10 المقبلة ستصبح «أوبك» عاجزة عن تحقيق التوازن بين إمدادات النفط العالمية. وهذا يعني أنه لن يكون هناك أحد آخر جاهز للقيام بهذا الدور عندما يحين الوقت.
كورت كوب، بيزنس إنسايدر