لم تتوقع عائلة خليفة السويدي الإماراتية أن يصل الأمر بأجهزة محمد بن زايد الأمنية حد اعتقال بناتها الثلاث، بعد اعتقال ولدها الناشط الحقوقي المعروف الدكتور عيسى السويدي، وهي الحادثة التي أثارت الرأي العام الإماراتي، وظهر ذلك بوضوح عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما دفعت منظمات حقوقية محلية ودولية للتعبير عن صدمتها، مطالبة السلطات إطلاقهن فورا.
بدأت القصة يوم 15 شباط/فبراير الجاري، عندما رن هاتف العائلة الأرضي، وطلب المتحدث الشقيقات الثلاث: أسماء ومريم واليازية، لاستواجبهن في أحد مراكز الشرطة.
وفي اليوم التالي، ذهبت الشقيقات الثلاث إلى مكان الاستدعاء، وبعد أقل من ساعة تلقت الوالدة اتصالا هاتفيا قصيرا من شخص مجهول عرّف عن نفسه بأنه يتبع جهاز الأمن في أبو ظبي، وأخبرها أن بناتها بخير.
لم يقل المتصل أكثر من ذلك، وحتى اللحظة لم يعدن الفتيات إلى منزلهن، ولا يُعرف مكان احتجازهن.
كما لم يحظين حتى الآن بحق الوصول إلى محام، ولا يُعرف أيضا التهم الموجهة إليهن، كما أن مصيرهن لا زال مجهولا.
الشيء الوحيد الذي يعرفه الرأي العام الإماراتي، أن أسماء ومريم واليازية هن شقيقات سجين الرأي الدكتور عيسى، وهو مدير منطقة أبوظبي التعليمية سابقا، الذي احتجز يوم 18 تموز/يوليو 2012.
وكان السويدي اعتقل بتهمة “الانتماء لتنظيم سري يهدف إلى إلحاق الأذى بأمن الدولة”، كما زعمت السلطات.
ورغم أن سجل دولة الإمارات مليء بقضايا الاختفاء القسري التي وثقتها منظمات دولية عدة، أبرزها “هيومن رايتس ووتش” الأمريكية، إلا أن قضية الفتيات الثلاث تعد الثانية من نوعها، فقد عاش الإماراتيون العام الماضي صدمة مروعة على وقع اختفاء قسري لزوجة أحد الناشطين الإماراتيين.
وكان أعلن في كانون الثاني/يناير من العام ذاته اعتقال المواطنة الإماراتية عائشة الزعابي، التي أختفت قسرا مدة أسبوع، لكونها زوجة ناشط حقوقي بارز يدعى محمد صقر الزعابي.
يقول حقوقيون إنه لا يوجد أي سبب قانوني لاعتقال الشقيقات الثلاث، وإن السلطات ترفض الرد أو الإجابة عن أي استفسار في هذا الشأن.
ويقول أحد هؤلاء إن هذا النوع من الاعتقالات، يندرج تحت سياسة العقوبات الجماعية التي ترتكبها الدولة بحق عائلات المعتقلين لديها، أو عائلات كل صاحب رأي أو نشاط لا يتوافق مع خط الدولة الأمني.
ورغم أن مصير الأخوات السويدي لا زال مجهولا وتهمتهن غير معروفة، إلا أن ما يتداوله نشطاء حقوق الإنسان، والمغردين عبر موقع تويتر، يفيد بأنهن قدن حملة سلمية عبر منصات التواصل، للمطالبة بإطلاق شقيقهن.
ولم يستبعد أحد الناشطين الإماراتيين أن تقوم السلطات بتلفيق تهم مرسلة إلى الفتيات الثلاث، لإسكات الدول الغربية والمنظمات الحقوقية عن المطالبة بإطلاقهن.
ويقول: إننا أمام أسلوب أمني غير مسبوق، هدفه الضغط على النشطاء، وترويع عائلاتهم، إنه أسلوب الضعيف الذي ليس لديه حجة او دليل لاتهام البشر.
وكان ناشطون إماراتيون قد أطلقوا وسما عبر تويتر، بعنوان #جريمة_اعتقال_ثلاث_إماراتيات، نددوا فيه باعتقال الشقيقات الثلاث، وطالبوا بإطلاقهن فورا.
وشهد الهاشتاج الذي أطلق بعد يوم من انتشار خبر اعتقال أسماء ومريم واليازية أكثر من 24 ألف تغريدة وفقا لموقع “توب سي” الإحصائي، فيما قالت وكالة “البي بي سي” البريطانية إن الهاشتاج شهد أكثر من 170 ألف تغريدة حتى اليوم.
وقد رُصدت ردود فعل كثيرة عبر الهاشتاج المذكور، هاجمت جميعها دولة الإمارات، وفضحت ممارساتها القمعية، وطالبت بإطلاق الفتيات.
فقد غرّد الكويتي فهد حسن البذال، وهو رئيس المكتب التنفيذي لمنتدى وحدة الخليج والجزيرة، قائلا إن “التعرض لنساء الإمارات تطور خطير مشين للدولة وإن تباهوا بالأبراج والمباني العالية الصماء”.
وغرد المعارض الإماراتي حميد النعيمي قائلا: “عاهرات العالم يفتح لهن قاعات كبار الشخصيات، وأشرف النساء يودعن المعتقلات!!، تباً لانتكاس الفطرة!”.
بدوره طالب المعارض حمد الشامسي من مواطنه الأكاديمي عبدالخالق عبدالله المقرب من دوائر صنع القرار في أبو ظبي التحدث عن اعتقال الشقيقات الثلاث.
وكتب الشامسي أنه “من الحري بعبد الخالق عبدالله الذي طالب بالإفراج عن الناشطات السعوديات اللاتي اعتقلن على خلفية قيادتهن للسيارة، أن يطالب بالإفراج عن بنات بلده”.
وهاجم الكاتب السعودي عبدالله العجيمي عبر الوسم نفسه اعتقال الشقيقات الثلاث، وغرد بالقول: “اختطاف شقيقات المعتقل د.عيسى السويدي لدفاعهن عن أخيهن: اليازية السويدي ومريم السويدي وأسماء السويدي.. والله عيب”.
وفي الكويت، استهجن الداعية محمد العوضي اعتقال النساء، وعلق قائلا “مروءات الجاهلية الأولى منعتهم من استعراض عضلاتهم على النساء المستضعفات، لكن جاهلية عرب اليوم، لا دين ولا مروءة”.
وقد اعتبرت منظمة العفو الدولية “امنيستي” أن “جهاز أمن الدولة الإماراتي ارتكب جريمة بحق القانون الدولي باختطاف ثلاث شقيقات لمعتقل الرأي عيسى خليفة السويدي”، وأبدت المنظمة تخوفها من “تعرضهن للتعذيب على يد جهاز أمن الدولة”.
وكانت الإمارات قد ضاعفت اعتقالاتها ضد الناشطين السياسيين من مواطنيها، في توسيع لنطاق حملتها بحق المعارضين.
وبفضل أنظمة الرعاية الاجتماعة من المهد إلى اللحد، تفادت الإمارات حركات الربيع العربي.
وطالما أكدت الإمارات خشيتها أن يؤدي صعود الإسلاميين إلى تشجيع المعارضين على أراضيها، وهو ما دفعها لتمويل الثورات المضادة داخل دول الربيع.
وارتفع عدد الاعتقالات التي قامت بها الإمارات منذ العام الماضي لتطاول مئات الناشطين.