(أتريدون أن تقول العرب أننا روعنا نساء محمد)
هذه مقولة قالها مشرك هو فرعون هذه الأمة في عصره «أبو جهل» حينما أشير عليه اقتحام بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – و ذلك حفاظا على مروءته وشرفه من أن تطعن العرب فيه أن روع نساءا، إنه الإنسان حين يحافظ على مروءته و يبقي لنفسه قدرا و وزنا.
وما أبعد هذا الأمر عن ما حدث الأحد الماضي 15 فبراير/شباط من اعتقال ثلاث شريفات من بيت كريم في الإمارات وهن كريمات السيد «خليفة السويدي» وشقيقات المعتقل الحر د. «عيسى السويدي».
إن هذا الاعتقال التعسفي الذي تبعه إخفاء قسري لنساء لم يرتكبن جرما هو جريمة في حق القيم و العادات الإماراتية العربية الإسلامية الأصيلة، فمن المستفيد من هذا التدمير الممنهج للقيم الدينية والإنسانية والأعراف الاجتماعية؟ ومن يقف وراء هذه القرارات ولماذا لا تريد أنظمتنا العربية الاستفادة من تجارب الدول التي بالغت في محاربة التدين واضطهاد المتدينين وانتهاك حقوقهم وكرامتهم فأذاقها الله خزي الدنيا قبل خزي الأخرة؟
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته و الإمام راع ومسئول عن رعيته وسيأتي يوم لا مفر منه للمحاسبة على المسؤولية (وقفوهم إنهم مسئولون).
فهل من الرعاية ما حدث من اعتقال واخفاء قسري للنساء بطرق غير قانوينة وغير إنسانية وتخالف قيم الدين وأعراف المجتمع.
لقد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عن إيذاء المرأة أو الإساءة إليها أو قتلها في حالة الحروب التي هي مع غير المسلمين، فكيف بشريفات لا ذنب لهن إلا أنهن أخوات لمعتقل!
و لقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب علىلا«بني قينقاع» لتورطهم في إهانة كرامة إمرأة واحدة من المسلمين. والتاريخ يحدثنا أن المعتصم جهز جيشا عرمرماً من المسلمين تلبية لصرخة إمرأة ”وامتعصماه“. و اليوم يصل بنا الحال إلى مرحلة بالغة السوء فلم نعد نريد من أنظمتنا الدفاع عن شرف وكرامة المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها ولا حتى حماية أعراض المسلمات في ديار المسلمين.
يكفي فقط أن ترفع هذه الأنظمة أيديها عن المسلمين وتكفينا شرها وشر اعتقال النساء بطرق لا يقبلها دين ولا يقرها قانون غير قوانين الغابات التي يأكل فيها القوي الضعيف.
من يرتكبون هذه التصرفات اللامسؤولة ربما لا يدركون مخاطرها على السلم الاجتماعي وتدميرها للمنظومة القيمية للمجتمع التي تحافظ على تماسك المجتمع واستقراره.
فالاعتداء على النساء بهذه الطريقة الشاذة يدمر قيم المجتمع وأخلاقياته وأخلاقيات الأجيال القادمة. فالمرأة التي تتمتع بكرامتها تربي أطفالها على الشعور بالكرامة وتتحول إلى معمل لانتاج المجتمع المستقر المعتز بذاته وهويته.
فلا كرامة لمجتمع يهدر كرامة أمهات الأجيال القادمة ومن يقبل إهانة كرامة زوجته وأمه وابنته يستمريء إهانة كرامة نساء الآخرين. وقد يسلط الله عليه من يذله ويتعرض لنفس الأذى الذي أذاقه للآخرين وحينها يندم ولات حين مناص.
إن هذا الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري يدمر ثقافة التعايش الحضاري والأمن الاجتماعي ويؤسس لثقافة الغاب. ففي شريعة الغاب الطاغوتية يتم التعامل مع المرأة باعتباها حلقة ضعيفة يتم استضعافها وإذلالها بوسائل شتى كما يتم استخدام النساء بطريقة شاذة ومنحرفة لإذلال أقاربهنّ وما يذلون إلا أنفسهم لو يشعرون.
هذا السلوك التعسفي يفتح الباب على مصراعيه لانتقاد الوضع الحقوقي في الدولة التي صادقت على مواثيق و معاهدات دولية تحفظ و ترعى حقوق المرأة، ثم يتهم الإصلاحيون أنهم يشوهون صورة الدولة، و هذه مغالطة لا يمكن لعاقل أن يقبلها، فالذي شوه صورة الدولة هو من انتهك الحقوق و ضرب عرض الحائط بكرامة الإنسان.
وإنها لمفارقة عجيبة تحير المراقب، فالدولة التي تدعي محاربة الإرهاب و تحشد لذلك كل قوتها تمارس أرخص الأساليب الإرهابية و تشرعن لها بمؤسسة أمنية.
ومع كل هذا الألم من الانتهاكات بصورها البشعة نجد صمتاً قاتلا من المجلس الوطني الاتحادي الذي في الأصل وظيفته أن يتكلم و يدافع عن حقوق الشعب، وما كان همه طول الفترة الماضية سوى الدفاع عن الانتهاكات التي تمارس في الدولة بانتقاده للتقارير الحقوقية العالمية.
وأما الإعلام فحدث ولا حرج، فقد أصبح المحرض الأول على كل ما يمت للإصلاح بصلة، وهو في نفس الوقت يتعامى عن الانتهاكات وحقوق المواطنين وكرامتهم المهدرة.
وإذا لم يقم العقلاء بتدراك هذه الأخطاء والانحرافات فإنها قد تتوسع وتتفاقم لاشباع غرائز نفسية المضطهد السادية في الانتقام وصناعة الأعداء والذي يلتذذ بإيذاء الآخرين ولا يستطيع التوقف عن ممارساته الشاذة كلما أمعن فيها. ويدخل المجتمع بعد ذلك في مرحلة جديدة من الانتهاكات تجعلنا نتصدر القوائم العالمية السوداء في انتهاكات حقوق الإنسان.
إنه سياق الاستدراج الإلهي للمجرمين فكلما توغلوا في الإجرام اكتملت الشروط التاريخية لسقوطهم وتهاويهم فالعدل أساس الملك، وقد تقوم الدولة بالعدل والكفر ولا تقوم بالإسلام والظلم كما قرر ذلك فقهاؤنا وعلماء الاجتماع السياسي.
إنها لحظة تاريخية فارقة في حياة الدولة وكرامتها، فإما أن تنتصر القيم ويرجع صاحب القرار إلى رشده، و إما إيذان بتحطم القيم التي أسست عليها الدولة.
* أحمد الشيبة النعيمي، هو رئيس المركز العالمي للأبحاث والتطوير