كتب ريتشارد سبنسر، مراسل صحيفة “ديلي تلغراف”، في تقرير له من العاصمة السعودية الرياض، عن عودة المطاوعة أو الشرطة الدينية، لممارسة دورها من جديد.
ويشير الكاتب إلى مداهمة قامت بها عناصر من الشرطة الدينية على “مارينا مول”، حيث محلات بيع العباءات التي تلبسها السعوديات في العادة. وجاءت هذه المداهمة؛ نظرا لخرق أصحاب المحلات للشروط المفروضة، وعرضهم عباءات بألوان مختلفة غير الأسود، إذ إن اللون الأسود هو المنصوص عليه للعباءات، وتعدد الألوان يشير إلى محاولة النساء لتجريب أنماط مختلفة واستحداث موضة جديدة.
في البداية ظهرت أشكال مطرزة وقاتمة اللون، ثم تبعتها ألوان غير الأسود، عرضت على واجهة المحلات، وهي خطوة عدتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطيرة، ورأت أنه من الواجب وقف موجة الموضة، وهذا ما استدعى المداهمة.
وينقل التقرير عن عامل في واحد من المحلات، التي تعرضت للمداهمة، قوله: “كان الأمر مثيرا للإزعاج، لقد أثاروا مشكلة كبيرة، ولكنه القانون كما أفترض وعلينا تحمل هذا”.
وتورد الصحيفة أن ناشطين ومدافعين عن حقوق المرأة في السعودية يقولون إن المداهمة لم تكن حادثا عرضيا، بل إنها تشير إلى تزايد نشاطات الشرطة الدينية، منذ وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الشهر الماضي.
ويجد الكاتب أن ما حدث في مركز التسوق ربما كان صورة مصغرة عن التحول، وسيترك كما يقول أثرا عميقا على العلاقات بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية، التي كانت ظاهرة في زيارة ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز للمملكة، حيث طرح أمام مضيفيه السعوديين موضوع المدون السعودي رائف بدوي.
ويلفت التقرير إلى تعهدات الملك سلمان بن عبدالعزيز بمواصلة الإصلاحات المتواضعة، التي بدأها سلفه الراحل من ناحية التعليم والبعثات التعليمية وفتح مجال للفرص أمام المرأة. وتعهد الملك بمواصلة التصدي للتطرف، بما في ذلك الحد من نشاطات الدعاة والعلماء المتشددين.
ويرى سبنسر أنه بالرغم من الحديث عن صحة الملك سلمان، إلا أن مؤيدي الإصلاح يمكنهم الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن يؤديه الأمير مقرن، الذي عين وليا لولي العهد في عهد الملك عبدالله، وكان مقربا من الملك الراحل، وهو أصغر أبناء الملك عبدالعزيز، وعمره 69 عاما، وتلقى تعليمه في بريطانيا. ورغم ذلك فقد تحرك الملك سلمان سريعا بعد وفاة أخيه غير الشقيق لتعزيز سلطاته، وتأكيد السلطة في يد المقربين منه وأبناء عائلته.
وتبين الصحيفة أن التغييرات في ظل الدولة أدت إلى تقارير عن تهميش الأمير مقرن، لدرجة تحدث فيها البعض عن إخراجه من المعادلة. بالرغم من أنه لا يوجد أحد يتعامل مع التقارير بجدية سوى كونها إشاعات. ولكن الملك الجديد وأبناءه قاموا بالتحرك سريعا من ناحية تغيير طاقم الحكومة، وأجرى الملك تغييرات في أمراء المناطق. وقام بتحديد السلطة في هيئتين تنفيذيتين؛ واحدة متخصصة في الشؤون الداخلية مثل الاقتصاد والتطوير والشؤون الاجتماعية، ويديرها واحد من أبنائه، الذي لم يكن معروفا للغرب، وهو الأمير محمد بن سلمان.
وتفيد “التلغراف” بأن الهيئة الثانية متخصصة في شؤون السياسة الخارجية والأمن الداخلي، ويديرها نجل شقيقه الراحل محمد بن نايف، نائب ولي العهد ووزير الداخلية.
ويقول الكاتب إن العدد الكبير من الأمراء السعوديين يجعل المراقب يجد صعوبة لمعرفة تفاصيل السياسة السعودية، ولكن الأمير محمد بن نايف هو الاسم الجديد المهم، ومن الجدير مراقبته، ولا تنحصر أهميته على السعودية فقط، بل والشرق الأوسط بشكل عام.
ويضيف سبنسر أن “إم بي إن”، كما يطلق عليه، اختصارا للتفريق بينه وبين الأمراء الآخرين، في دول الخليج يعد أول أبناء الجيل الثاني أو أحفاد الملك عبدالعزيز، الذي ينتظر دوره كي يصبح ملكا. وعمره الآن 55 عاما، وسيقود الملكية المطلقة السعودية نحو مرحلة جديدة، بعد أن قال المعلقون إن الملكية في السعودية على حافة الانهيار.
ويعتقد الكاتب أن أهمية الأمير محمد بن نايف نابعة من وضوحه وهدوئه وتفكيره المنظم، الذي جعله حليفا في مقاومة الإرهاب، ولهذا لن يستطيع الأمريكيون شكره بما فيه الكفاية، يضاف إلى هذا ضراوته في التعامل مع المنافسين من الألوان كلها، ومن بينهم التيار الليبرالي السعودي، الذي يتوقع الآن الأسوأ.
ويشير التقرير إلى أن الأمير محمد بن نايف أشرف في السنوات الأربع الأخيرة على حملة ضد المعارضين، من أجل منع انتشار عدوى الربيع العربي ووصوله إلى الرياض. فالمحامون والكتاب الذي عبروا ولسنوات عن مطالبهم الإصلاحية، وبينها الدعوة لملكية دستورية، يقبعون في السجون، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن لعشر سنوات أو يزيد. ومن بين هؤلاء رائف بدوي، الذي سجن لعشرة أعوام مع ألف جلدة، وهو ما أثار اهتماما عالميا، وأدى إلى تعليق الجلد في الوقت الحالي.
وتنقل الصحيفة عن ناشط قوله: “الطرق كلها تقود إلى محمد بن نايف عندما يتعلق الأمر بسجناء لأسباب سياسية”، وكان هذا الناشط يكتب بشكل مفتوح عن الأمور السياسية، ولكنه الأن خائف حتى من مقابلة صحافيين أجانب؛ بسبب الجو العام من القمع.
ويمضي الناشط بالقول: “يقولون إنه فعال في محاربة الإرهاب، وهذا ليس صحيحا من وجهة نظري، وعلى أي حال فلم يعد هناك شيء اسمه المجتمع المدني”.
ويذكر التقرير أن المحللين يرون أن التحرك وملاحقة الليبراليين مثل بدوي لم يكن نتيجة لحدس سياسي من الأمير، ولكنه محاولة من العائلة المالكة لتحقيق توازن حذر. فمما لا شك فيه أن الأمير محمد بن نايف، الذي نجا من عدة محاولات اغتيال، قد نجح بتطبيق استراتيجية متشددة مع المتطرفين، ونتيجة لهذا تم سجن مئات الجهاديين، وهو ما يثير فرحة الغربيين، الذين كانوا يشعرون بالخجل من علاقتهم مع حليف متورط بنشر الإرهاب، وتحولت أنظار الغرب الآن نحو دول أخرى في الخليج. ومن هنا يشعر النظام السعودي أنه بحاجة كي يظهر للمحافظين، وبينهم المؤسسة الدينية، أنه مستعد لموازاة رسالته المتشددة مع الجهاديين بأخرى مع الداعين للإصلاح.
ويعرض الكاتب لوجهة نظر الليبراليين، الذين تعلموا في الخارج، في ظل سياسة الملك عبدالله القائمة على منح آلاف المنح الدراسية للرجال والنساء، والدراسة في أفضل الجامعات الغربية، الذين يرون أنه لا يمكن هزيمة التشدد دون بناء مجتمع مفتوح.
وينقل التقرير عن هالة الدوسري، وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان، ومعلقة، تعيش الآن في الولايات المتحدة، قولها: “لو نظرت للشيوخ الذين يساعدون على إعادة تأهيل المتشددين المسلمين، تجد أنهم أكثر تطرفا من المتشددين أنفسهم”. مضيفة أن النظام الجديد يعمل من خلال “هامش ضيق بين المتشددين والمتطرفين”.
ويجد سبنسر أن هذا ما يفسر الثقة بالنفس الملاحظة لدى الشرطة الدينية أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا أحد يتوقع تحركا على المدى البعيد في قضايا “تافهة”، مثل قيادة المرأة للسيارة، وهو الموضوع الذي يلقى معارضة من الشيوخ.
وتنوه الصحيفة إلى أن السلطات أفرجت عن كل من لجين الهذلول وميساء العمودي، بعد محاولتهما قيادة السيارة. وهناك تقارير وإشاعات تقول إن المطاوعة عادوا لنشاطاتهم وبقوة بعد وفاة الملك عبدالله بأسابيع، بعد سنوات من محاولته التقليل من صلاحياتهم، وعزله رئيس هيئة الأمر بالمعروف نظرا لتشدده. وعندما حاول عالم معروف الاعتراض على مشروع بناء جامعة للتكنولوجيا يُسمح فيها بالاختلاط بين الرجال والنساء، منتقدا القرار بأنه “دعوة للشيطان”، قام الملك بعزله من هيئة كبار العلماء. وفي عهد الملك الجديد أعيد الشيخ المعزول سعد الشتري إلى منصبه.
ويذكر الكاتب أنه بالنسبة لمراكز التسوق “المولات”، فقد أصبحت أماكن بارزة يتم فيها الاختلاط، بل وترى فيها نساء دون حجاب، خاصة في المحلات الراقية والفنادق في الرياض وجدة. وهذا قد يختفي بعد مداهمة المطاوعة لمحل العباءات واعتقال امرأة، وسمع أحد الشيوخ وهو يقول إن الملك سلمان طلب منهم “التخلص من هذا الوسخ كله”.
ويخلص سبنسر إلى أنه لم يتم التخلص منه بعد، ففي مول “مارينا” لا تزال بعض المحلات تعرض عباءات ملونة، رغم أن اللون السائد فيها هو الأسود. وقد قالت سيدة: “نعم هذه العباءات الجديدة هي زينة، وضد الحشمة”، حيث أشارت إلى محل بيديها وأظافرها المطلية بالمناكير.