في 20 يناير/كانون الثاني، كتب الإعلامي المخضرم عبدالرحمن الراشد مقالاً في صحيفة “الشرق الأوسط” العربية اليومية الواسعة الانتشار التي مقرها في لندن، تساءل فيه تساؤل العارف عمّا دفع بالعرب إلى الترحيب بالضربة الجوية – التي وقعت في اليوم السابق – على موكب لـ «حزب الله» في الجانب السوري من مرتفعات الجولان، وهو القصف الذي نُسب على نطاق واسع إلى إسرائيل (اقرأ افتتاحيته بـ اللغة الإنجليزية أو العربية ). ويُقال إنّ الضربة قتلت جهاد مغنية وعدداً آخر من كبار قادة «حزب الله»، بالإضافة إلى الجنرال محمد علي الله دادي من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني.
كتب الراشد: “ولا شك أنه إن وقعت مجدداً مواجهة بين إسرائيل و «حزب الله»، أو مع إيران، فإن الكثيرين من العرب سيبتهلون داعين بهزيمة ميليشيات الحزب وجنرالات حليفه الإيراني.” وأشار إلى أنّ الكثير من العرب كانوا يهلّلون للضربة من على وسائل التواصل الاجتماعي وبالتعليقات الشخصية. ولشرح هذا الشعور، أشار إلى أنه في حين أنّ الرأي العام العربي كان ينظر إلى «حزب الله» منذ عقد من الزمن كمدافع عن المصالح العربية في لبنان وفلسطين، إلّا أنّ تدخّل هذه الجماعة المدعومة من إيران في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا قد حوّل ضدّها العديد من الأطراف، وأدّى إلى تقدير جديد للعمليات العسكرية الإسرائيلية الموجّهة ضدّ الحزب والعناصر الإيرانية.
ويقيناً، أشار الراشد بوضوح إلى أنّ هذا الموقف الجديد لا يعني حباً طارئاً لإسرائيل من العرب، بل [يدل] على أنّهم يغيّرون نظرتهم تجاه المنطقة استناداً إلى المفهوم القديم القائل: “عدوّ عدوي هو صديقي.” وكتب الراشد أنّ القبول العربي الأعمق لإسرائيل بحاجة إلى انتظار التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ولكن في الوقت نفسه، يستطيع العرب تقبّل تحالف ضمني مع إسرائيل في حال نشوب حرب إقليمية مع إيران.
وهذا المقال جدير بالملاحظة لأنه يشير إلى أنّ التعاون الأمني الراسخ بين الحكومات السنية المسلمة وإسرائيل – والذي تطوّر بشكل مطرد منذ “الربيع العربي” على الرغم من سريّته إلى حدّ كبير – بدأ ينتقل الآن إلى ساحة الخطاب العام في العالم العربي. وفي حين قد يكون الراشد محقاً في قوله إنّ الفشل في التوصّل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني لا يزال يشكّل عائقاً أمام القبول الشعبي العربي، إلا أن وجهة نظره بشأن الاستحسان الحديث النشأة للجبروت العسكري الإسرائيلي في وجه إيران تؤكّد تحولات مهمة في التحالفات الإقليمية.
وعلى وجه الخصوص، يبدو أنّ الفكرة التي كانت يوماً ما ضمنية والقائلة إنّ الدول السنية تشترك في مصلحة حيوية في معارضة إسرائيل للهيمنة الإيرانية الشيعية بدأت تنتقل من مجال الخدمات العسكرية والأمنية إلى ضوء النقاش العربي العام. إنّ الخوف من العنف والفوضى المنتشر من سوريا وليبيا واليمن والعراق يندمج مع الخوف من [سياسات] إيران العدائية ليظهر إسرائيل تحت ضوءٍ جديد. وبطبيعة الحال، فإن الجماهير في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة متأخرة كثيراً عن قادتها السياسيين والأمنين عندما يتعلق الأمر بالاعتراف بإسرائيل واستكشاف آفاق المصالح الأمنية المشتركة معها. فعدم الثقة بإسرائيل والخوف منها متفشّيان عميقاً في هذه المجتمعات، ويبقى الدعم لتطلعات الفلسطينيين قاسماً مشتركاً مهماً في خطابها. ولكنّ تحليل الراشد وحقيقة أنه نشره علناً في إحدى الصحف العربية الرائدة قد يوفّر فرصاً جديدة للسياسة الأمريكية.
قد يجادل البعض بالقول إنّ هذا المقال يستند على توبيخ ضمني للولايات المتحدة – فقد انتقد كثيرون من العرب السنة واشنطن لِلَهفتها الزائدة على مايبدو في تطبيع العلاقات مع إيران على حسابهم، وكذلك لعدم رغبتها في التدخل في سوريا لوقف القتل الجماعي هناك. ومع ذلك، فإنّ القبول السنيّ الأوسع لإسرائيل كقوة إقليمية – ولو كان قبولاً مشروطاً وعلى مضض – يشير إلى إمكانية تحقيق هدف الولايات المتحدة منذ فترة طويلة وهو: تقبّل العرب لجارتهم الإسرائيلية في إطار تسوية سلام إقليمية. ويقيناً، إنّ هذا التوجّه لا يستطيع التقدّم إلى هذا الحدّ في ظلّ غياب المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وسيكون ثمة حاجة إلى الدبلوماسية الأمريكية الماهرة للتعامل مع مخاوف السنة وإسرائيل بشأن اتفاق محتمل مع إيران. وعلى أيّ حال، يستطيع أولئك الذين يبحثون عن بصيص أمل بين الأنباء الأخيرة من الشرق الأوسط أن يتشجعوا من مقال الراشد.
مارك سيفرز هو دبلوماسي مقيم في معهد واشنطن، وكان قد شغل سابقاً منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية للسفارة الأمريكية في القاهرة ومنصب القائم بأعمال السفارة. الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر وزارة الخارجية الأمريكية أو الحكومة الأمريكية.