يصادف الرابع عشر من شباط، عيد القديس فالنتاين الذي يحتفل فيه كثيرون حول العالم بعيد الحب. في اليوم ذاته من العام 2001 في البحرين، دشن الملك الجديد حينذاك، ميثاق العمل الوطني، حيث صوّت عليه شعب البحرين بنسبة 98.4 في المئة بـ «نعم»، عندما اتفقوا جميعاً على الملكية الدستورية وأن يكون الشعب مصدر السلطات.
إلا أن مجاميع شبابية معارضة اختارت التاريخ ذاته بعد عشر سنوات لتنتفض على سيطرة العائلة الحاكمة على كل مفاصل الدولة، التي أخلفت الوعد بإيفاء ما جاء في ميثاق العمل الوطني.
حراك الشارع البحريني الذي يستمرّ منذ أربع سنوات شهد محطات عدة، آخرها التضييق على المعارضة باعتقال الأمين العام لـ«جمعية الوفاق الوطني» الإسلامية، كبرى فصائل المعارضة، الشيخ علي سلمان في كانون الأول الماضي، وتوجيه التهم إليه بالعمل على إسقاط نظام الحكم بالقوة وغيرها، ما قد ينذر بالحكم عليه بالسجن لسنوات طويلة. وما اعتقال سلمان إلا حلقة ضمن سلسلة طويلة من الأحداث التي غيّرت حياة الكثيرين في البحرين، الذين ينقسمون إلى مؤيد للحكم أو معارض له، فيما تخندق الكثيرون وراء الطائفة، أو الحزب، أو وراء المصلحة الشخصية.
وفي هذه المناسبة، دعا «ائتلاف شباب 14 فبراير» إلى إضراب عن العمل منذ أمس الأول وحتى اليوم، كما دعا إلى إطفاء الإنارة مساء، والامتناع عن إجراء أي معاملات حكومية ومالية خلال الأيام الثلاثة، والتظاهر وإغلاق المحال التجارية، وهو أمر شهدته مناطق عدة.
أما «الوفاق»، فاكتفت بتجمع إنشادي وندوة للمناسبة، وقال أحد القياديين فيها لـ «السفير» إن «النظام يمنع التظاهر ويهدّد باستخدام القوة المفرطة في الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة في البحرين، فقد تقدّمنا مع الجمعيات المعارضة الأخرى بأكثر من 15 طلباً لخروج تظاهرات عملاقة في ذكرى الثورة، ولكن النظام يرفض ذلك ويهدّد باستخدام القوة ضد المتظاهرين».
وأشار القيادي إلى أن «الوفاق» كانت تستعدّ لإخراج أكبر تظاهرة في تاريخ البحرين، «فالمعارضة تستطيع إخراج أكثر من نصف شعب البحرين للتظاهر لولا التهديد باستخدام قوة السلاح ضدهم»، بحسب تعبيره.
وأملت «الوفاق»، في بيان لها، أن تتحوّل هذه الذكرى إلى منطلق للتوافقات الوطنية والسياسية، مؤكدة أن المعارضة تطالب بالتحوّل الديموقراطي من خلال بناء وطن ديموقراطي يكون فيه الشعب مصدراً للسلطات ويقوم على الشراكة والمساواة، ورفض منطق الغلبة والاستفراد بالقرار والاستئثار بالسلطة والثروة، والتمسّك التام بالخيار السلمي في التظاهر والاحتجاج ورفض كل أشكال العنف، وتشجيع الأعمال السلمية ودعم تطوير أساليب الاحتجاج اللاعنفي.
وفي رد الأمين العام لـ «جمعية العمل الديموقراطي» ــ «وعد» رضي الموسوي على سؤال «أين انتم اليوم بعد أربع سنوات من الحراك؟»، قال: «نحن في عمق الحراك الشعبي السلمي وبين أبناء شعبنا مستمرون في النضال الوطني من أجل الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة المؤمنة بحقوق الإنسان وفق الشرعة الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالحريات العامة والخاصة وفي مقدّمها حرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية، والديموقراطية الحقيقية المرتكزة على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو عقيدتهم أو عرقهم، وبالعدالة الاجتماعية التي تقوم على التوزيع العادل للثروة ومكافحة الفساد المالي والإداري».
ولفت الموسوي إلى أن الحراك لم يبدأ منذ أربع سنوات فقط، «فهذه المطالب تمتد لعقود عدة، قدمت خلالها القوى الوطنية تضحيات جساماً من أجل تحقيق المطالب المشروعة المؤسسة للتنمية المستدامة التي تعني كل الحقول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية».
وعن الخطوات المقبلة، بيّن الموسوي أن «معطيات العمل السياسي في بلد كالبحرين تحتاج إلى نَفَسٍ طويل لاستمرار العملية النضالية، خصوصاً أن بلادنا في محيط محافظ وفي منطقة تعاني من توترات كبيرة. نحتاج في البحرين إلى ممارسة درجة عالية من الذكاء السياسي لمواجهة استحقاقات المرحلة، فجميع الأطراف مدعوّة للعبور بالبلاد إلى بر الأمان عبر حوار جاد تؤمن به كل الأطراف المعنية للوصول إلى حل توافقي يلبي طموحات جميع مكونات المجتمع البحريني».
وفي ختام حديثه لـ «السفير»، قال الأمين العام لـ «وعد»: «لعل الانفراج الأمني والسياسي عبر الإفراج عن معتقلي الرأي والضمير ومن بينهم القيادي في وعد إبراهيم شريف والأمين العام للوفاق الشيخ علي سلمان، قد يؤدي إلى تبريد الساحة المحلية والبدء في معالجة أسباب الأزمة».
وكان للشاعرة والكاتبة البحرينية سوسن دهنيم رأي أفصحت به لـ«السفير» لمناسبة ذكرى انطلاق الاحتجاجات، قائلة إنه «لا يمكن لشعب أن يقرر الخروج إلى الشارع إلا حين يكون مضطراً لذلك، بعدما أوصدت أبواب المسؤولين في وجهه، ورغبة منه في نيل حريةٍ في الرأي والتعبير عن نفسه وحاجاته وتطلعاته، ومساحة من مساواة بينه وبين أقرانه، ولوضع قوانين يُحاسَب فيها أي مسؤول عن فساده وظلمه، فيكون القانون سارياً على جميع المواطنين، لا مكان فيه لأي محسوبية».
وأضافت دهنيم أنه «حين يخرج شعب ما إلى الشارع، فإنه يريد سياسة تعتمد على الديموقراطية الحقيقية، يمكنه من خلالها محاسبة أكبر رأس في الدولة من غير أن يُقمع أو يُعتقل حين يشير بيديه إلى خطأ ما في مكان ما، وهو ما حدث هنا، خرج المواطنون لنيل كل هذه المطالب المشروعة في أيّ بلد وينصّ عليها أي قانون ودستور».
أما اليوم وبعد أربعة أعوام، فاعتبرت دهنيم أن «المسؤولين عن الفساد اليوم لا يزالون على كراسيهم، وهو ما يشير إليه ديوان الخدمة المدنية، وحرية التعبير مازالت تعاني والدليل هو وجود بعض الصحافيين والمصوّرين والمغرّدين على تويتر خلف القضبان ممن طالبوا بأقل الحقوق.
وهنا لا نتحدّث عمن شطح في مطالبه إلى ما هو أبعد من ذلك، بل أتحدّث عمن طالب بكل تلك المطالب المشروعة وهو يقبع خلف القضبان حتى الساعة.
ماذا تحقق بعد أربعة أعوام؟ لا شيء سوى أن العالم عرف أن هناك مَن يطالب بحقه في البحرين ومازال لا يجد مَن يستمع إليه».
السفير