نشرت مجلة “إيكونوميست”، تقريرا لتقييم حالة الإعلام العربي المستقل، قالت فيه إنه “في هذا الشهر تم إطلاق فضائية (العرب) بدعم سعودي في البحرين باستوديوهاتها البراقة وأهدافها المتلألئة، وقال الصحافي السعودي المخضرم جمال خاشقجي، الذي عُين مديرا للمحطة، إنها ستعطي (صوتا لمن لا صوت لهم)”.
ويستدرك التقرير بأن “هذا لم يطل، فبعد ست ساعات من بدئها في البث، قامت البحرين بوقفها في 9 شباط/ فبراير، وقالت السلطات إنه يجب وقف المحطة تماما؛ لأنها غير مرخصة بحسب الأصول، ويبدو أن ذنبها كان استضافة جمعية (الوفاق)، الحزب المعارض في البحرين”.
وتضيف المجلة أن “قصر عمر فضائية (العرب) يختزل قصة أعرض لإعلام عربي مستقل يحاول أن يزهر، ولكنه يذوي بسرعة. وقد تبلورت فكرة القناة مع أيام النشوة بالربيع العربي، عندما كانت تتهاوى الأنظمة الديكتاتورية، وكانت الشعوب ترنو إلى إعلام حر. مع أن الشهية لهذا الإعلام كانت قد فتحت في أوائل التسعينيات، مع تطور الإنترنت والفضائيات”.
وتشير المجلة إلى قناة “الجزيرة”، وتقول: “البعض يعد (الجزيرة) أم الإعلام العربي المستقل، وهي محطة تبث للعرب جميعهم، ومع أنها ممولة من حكام قطر الطموحين، إلا أنها كسرت حواجز الإعلام العربي التقليدي، الذي لم يعد ناطقا باسم الحكومات. وأرست (الجزيرة) معايير جديدة لحرية الإعلام بصحافييها المهنيين وبالتكنولوجيا العالية والنقاشات الجريئة، ونما جمهورها بشكل سريع ليصل إلى عشرات الملايين، حيث إنها اكتسبت قصصا (حصرية) بعرضها تسجيلات بن لادن من فيديوهات وتسجيلات صوتية”.
ويبين التقرير أنه “بحلول عام 2011، كانت (الجزيرة) تؤدي دورا في التحريض على الربيع العربي، بعرضها بثا حيا للمتظاهرين من تونس إلى طرابلس، ووصل نفوذها إلى درجة كبيرة، ما جعل المحطات الأخرى مثل (العربية)، المحطة السعودية التي بدأت البث عام 2003، تحاول تقليدها. ولكن نفوذها تضاءل منذ ذلك الحين؛ بسبب التصور بأنها تحولت إلى محطة حزبية، ففي حين أنها وقفت بجانب الثورة السورية، التي هي في غالبيتها سنية، فقد أهملت ثورة البحرين التي هي في غالبيتها شيعية”.
وترى المجلة أن مصر هي مشكلة “الجزيرة”، وتقول إن “أكثر الانتقادات حدة للجزيرة هي معاملتها اللطيفة للإخوان المسلمين في مصر، وهو خط يتماشى مع السياسة الخارجية القطرية، فكانت المحطة تتزلف لمحمد مرسي، الرئيس الإخواني، وشجبت الإطاحة به على يد الجيش، واصفة إياها بـ(الانقلاب على الشرعية)، بينما (العربية)، التي تتبع عداء السعودية للإخوان فإنها دأبت على وصف الانقلاب بـ(الثورة الثانية)”.
ويذكر التقرير أنه “بينما مثلت (الجزيرة) يوما ما أنموذجا لحرية التعبير، رأى فيها آخرون أنموذجا لما يمكن من خلاله بث الأفكار الخاصة في المنطقة، فقامت إيران وسوريا بإطلاق فضائية (الميادين) عام 2012، التي تبث من بيروت، وموجهة للعرب؛ أملا في أن يكون لها أثر يوازن أثر الفضائيات الخليجية المعادية لبشار الأسد. وبحسب صحافي في موقع (المدن) المدعوم قطريا، فإنها أطلقت لموازنة الأثر السعودي في إعلام لبنان”.
وتلفت المجلة إلى مشكلة الإعلام المستقل، بقولها إن “فقدان الثقة في الفضائيات يقلق كثيرا؛ لأنها كانت البديل الوحيد عن الإعلام الرسمي. فعندما أطاح عبد الفتاح السيسي بمرسي كان أول ما قام به هو إغلاق المحطات الإسلامية، وسجن ثلاثة صحافيين من صحافيي (الجزيرة) لأكثر من عام بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين. وفي سوريا سجن مازن درويش، رئيس مركز حرية التعبير، بالإضافة إلى أحد عشر صحافيا آخرين في سجون الأسد، ويوجد آخرون يعانون في عملهم من مليشيات الثوار. وفي السعودية تم سجن أربعة صحافيين لتغطيتهم المظاهرات الشيعية في المنطقة الشرقية”.
ويجد التقرير أنه نظرا لما تقدم “فليس غريبا أن تكون الأخبار على المحطات المحلية مملة للغاية، ففي السعودية يقدم التلفزيون في الغالب دروسا دينية، وتقارير عن العائلة المالكة. وفي الأردن تحمل الصفحات الأولى للصحف القصص المتوقدة للقصور. وعندما لا يكون إعلام الدولة مملا، فإنه يكون موغلا في الكذب. فقد زعم التلفزيون الرسمي السوري مرة أن قناة (الجزيرة) تقوم ببناء مدن لتصوير مظاهرات كاذبة”.
وتعتقد المجلة أن “الإعلام الخاص ليس أفضل بكثير من إعلام الدولة؛ لأنه مملوك في الغالب لتجار كبار حريصين على عدم إزعاج الحكومة. فمحطة (سي بي سي)، هي قناة مصرية خاصة، أسسها محمد الأمين عام 2011، في نوفمبر 2012 أعطت منبرا لباسم يوسف ليقدم برنامجا نقديا حاز على شعبية، ولكنها ألغت البرنامج بعد عام، عندما تغيرت الحكومة في مصر. وفي 2013، خسرت ريم ماجد عملها في محطة (أون تي في) عندما عبرت عن اهتمامها بحرية التعبير، وكما تقول الأستاذة رشا عبدالله: (الجميع يأخذ إشارته من الحكومة.. والوضع اليوم أسوأ مما كان عليه في أي يوم)”.
ويتحدث التقرير عن وسائل التواصل الاجتماعي، قائلا إن “الأمل الوحيد هو أن الناس يبحثون عن الأخبار على الإنترنت بشكل أكبر، حيث تزايد الصحافيون المبتدئون منذ بداية الربيع العربي. ويزداد استخدام الإنترنت بشكل كبير في المنطقة، وخاصة بين الشباب في بلدان مثل السعودية؛ كونه مصدرا بديلا للأخبار. وهذا أيضا يتضمن المواقع الاجتماعية، بالإضافة إلى مواقع مثل (مدار مصر)، والمواقع الإخبارية للثورة السورية، التي تبث عبر قنوات (يوتيوب) وصفحات فيسبوك، وقليل منها يبث عبر الأقمار الصناعية. ولكن، حتى هذه القنوات تقع في الأخطاء ذاتها، وتروج لنظريات المؤامرة مهما كانت غريبة دون تدقيق. وبحسب الصحيفة التي تقرأها ستجد أن تنظيم الدولة أوجدته دول الخليج الغنية أو إيران أو الموساد أو (سي آي إيه) أو أي تركيبة منها”.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالقول: “قد لا تتوافق هذه السخافات مع مثاليات جيفيرسونيان حول الصحافة الحرة، وكونها حارسة للديمقراطية والحرية، ولكن وجود هذه الأصوات المعارضة وغير المتناغمة أفضل بكثير من النغمة الواحدة للإعلام الحكومي والإعلام الخانع. ويقول الصحافي الاستقصائي اللبناني حبيب البطة: (لا يملك إعلام الدولة وحجابها التقليديون اليوم الكثير من السلطة؛ لأن سكان المنطقة أصبحوا مستهلكين ذوي ثقافة عالية)، فهم يبحثون عن مصادر مختلفة للحصول على الحقيقة”.