منذ وصوله إلى العرش في 23 من يناير الماضي، قام ملك السعودية سلمان بترقية منزلة بعض أقاربه في السلطة وقام بتهميش وسطاء السلطة السابقين وضيّق الخناق على اتخاذ القرارات ووعد بعوائد كبيرة بهدف كسب النوايا الحسنة مبكرا .. هكذا استهلت وكالة (أسوشيتيد برس) للأنباء مقالها التحليلي عن الحكومة السعودية الجديدة.
وفي الوقت الذي تعطي فيه الإدارة الجديدة أهمية أكبر للأجيال الصاعدة، فلا يزال علينا أن نرى ما إذا كان ذلك التغيير السريع سيؤدي لمزيد من الحقوق السياسية والإصلاحات الأخرى في أنحاء المملكة المحافظة جدا، غير أن الفائز الأبرز في هذا التغيير هو محمد بن نايف، الذي كان وزيرًا للداخلية منذ عام 2012 وكان رأس الحربة في جهود مكافحة الإرهاب.
الملك سلمان عيين ابن نايف (55 عامًا) وليا لولي العهد في أولى قراراته، ما يعد تحولا تاريخيا حيث إنها المرة الأولى التي يتم خلالها وضع حفيد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود، في سدة الحكم، ويصبح بذلك الثاني في ترتيب ولاية العرش خلف الأخ غير الشقيق لسلمان، ولي العهد الأمير مقرن (69 عاما).
محمد بن نايف، الذي ساعد في إنشاء مركز لإعادة تأهيل الجهاديين السابقين، نجا من محاولة اغتيال عام 2009، وهو التفجير الانتحاري الذي دبره فرع تنظيم القاعدة في اليمن، وتلقى بن نايف دراسته في ولاية أوريجون الأمريكية وعمل على تقوية العلاقات الأمريكية السعودية.
وقبيل وفاة الملك عبدالله بفترة قصيرة، عقد محمد بن نايف محادثات مع الرئيس باراك أوباما في المكتب الرسمي للرئيس الأمريكي تم التركيز خلاله على مكافحة الإرهاب وقضايا أمنية أخرى، ويصف مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن سايمون هندرسون بن نايف بأنه “السيد أمن” – في إشارة منه لدوره الأمني – ويحظى بن نايف أيضا بوجهات نظر إيجابية من قبل مسؤولين أمريكيين.
شخص آخر يسطع نجمه من أبناء الملك وهو الأمير محمد بن سلمان (في منتصف الثلاثينات من عمره)، وعينه الملك سلمان وزيرا للدفاع بعد ساعات من توليه العرش، كما يشرف بن سلمان على البروتوكول الملكي وهو مستشار خاص للملك، ما يزيد من نفوذه في البلاط الملكي.
الملك سلمان قام أيضا بترقية ابن آخر من أبناء عبدالعزيز آل سعود، وهو عبدالعزيز بن سلمان وتم تعيينه نائبا لوزير البترول والثروة المعدنية حيث يواجه الملك سلمان تحديا كبيرا مع الهبوط الكبير في قيمة أغلب السلع التموينية.
وزير النفط الذي خدم طويلا علي النعيمي، يعد أحد الوزراء الذين لم يفقدوا مناصبهم في التعديل الأخير للملك الجديد، حيث يشرف النعيمي على إدارة ما يقرب من 270 مليار برميل من احتياطات النفط ويقود فريق التفاوض في المملكة في اجتماعات منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، الذي تهيمن عليه السياسة السعودية، غير أن ترقية عبدالعزيز بن سلمان تعزز من فرص خلافته للنعيمي.
كما اختار سلمان أن يحتفظ بوزير الخارجية سعود الفيصل بهدف قيادة العلاقات الدبلوماسية مع القوى الشيعية الكبرى إيران، المنافس الإقليمي للمملكة العربية السعودية، حيث دعا الفيصل العام الماضي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة السعودية، غير أن الأول اتهم إيران لاحقا بإثارة الاضطرابات في الشرق الأوسط، وفي نهاية الأمر زار ظريف السعودية بعد وفاة الملك عبدالله وعبر عن آماله بتعاون أكبر مع السعودية.
وأجرى سلمان إصلاحات شاملة في رسم السياسة عن طريق حل عشرات من الهيئات الاستشارية واستبدالها بأخرى جديدة، ومن بين من تم تهميشهم في ذلك التغيير هو الأمير بندر بن سلطان، الذي ترأس مجلس الأمن القومي الذي شكله الملك عبدالله عام 2005.
بندر، الرئيس السابق للاستخبارات وسفير بلاده لدى واشنطن في الفترة بين عامي 1983 و 2005، لم يحظ بأي منصب في مجلس الشئون السياسية والأمنية أو مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، والأولى يترأسها محمد بن نايف والثانية عبدالعزيز بن سلمان.
الباحث الأمني والمختص بشئون الإرهاب في مركز الخليج للأبحاث (ومقره جنيف) مصطفى العاني يقول: “إنه يتوقع أن تعزز تلك التغييرات من صناعة القرار مع ضخ دماء سياسية جديدة حيث يواجه سلمان تحديات أمنية في اليمن والعراق وسوريا وإيران، انظر إلى الخريطة، يمكنك أن تلاحظ الموقف المحيط بالسعودية، ونظرا لتلك الأجواء، فأنت في حاجة لفريق جديد”.
ومن بين أعمال سلمان التي قام بها في وقت مبكر من وصوله للعرش هو فتح خزائن الدولة وهو ما يذكرنا أنه حتى في ظل الحكم الملكي المطلق، يكون للرأي العام أهمية، فضلا عن أنه وعد بمنح مكافأة مرتب شهرين للعاملين المدنيين والجنود، وتقديم هدايا نقدية سخية بالمثل للطلاب والنوادي الرياضية والمتقاعدين والنوادي الأدبية وغيرها.
ومن السابق لأوانه القول كيف سيتعامل الملك مع هؤلاء الذين يضغطون من أجل مزيدًا من الانفتاح داخليا، لكن تجدر الإشارة إلى أن سلمان فتح الباب للعفو عن المدانين المتهمين بما تُعرف باسم تهم “الحقوق العامة”، والتي قد تشمل النشطاء السياسيين، لكنه ترك قرار تحديد من سيحصل على العفو لوزارة الداخلية، التي تقول منظمة العفو الدولية إنها مسؤولة في المقام الأول عن قمع المملكة للأصوات المعارضة.
وتتابع منظمة العفو والجماعات الحقوقية الأخرى عن كثب تعامل الملك مع قضية المدون رائف بدوي، الذي حُكِم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة مالية كبيرة وجلده 1000 جلدة، وتم جلده في يناير الماضي بالفعل لكنه لم يتعرض للجلد منذ تولي سلمان السلطة، وتم الإفراج الأسبوع الماضي عن سعاد الشمري المؤسس المساعد لمدونة بدوي بعد اعتقالها طيلة 3 أشهر.
ويقول العاني “من المتوقع أن يستمر سلمان في سياسة سلفه في الإصلاح التدريجي، والتي تشمل الحد من سلطة المؤسسة الدينية وتخفيف القيود المفروضة على النساء، اللاتي لا تزلن ممنوعات من قيادة السيارات، والتوجه الآن هو التحرك نحو مزيد من الإصلاح، فالمناخ شهد تغيرا، وأصبح هناك وسائل تواصل اجتماعي ولا يستطيع أي شخص السيطرة على المجتمع حاليا، وأعتقد أن ذلك الأمر تتفهمه القيادة الحالية”.