رأتْ صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية فى افتتاحيتها التى جاءت بعنوان: السيسى يبيع وهم الاستقرار، أنَّ تجريم حكومة السيسى للتيار الأساسى للإسلاميين كجماعة “الإخوان المسلمين”، إنَّما يُضيف المزيد من الوقود لنار الجهاديين، فبعد انهيار جماعة “الإخوان المسلمين”، إثر محاولتهم احتكار السلطة وحدهم وإقصاء العلمانيين على مدى عام من توليهم سُدة الحكم، بات الكثيرون من أتباعهم يتبنون وجهة نظر “داعش” القائلة بأنَّ الجهاد هو السبيل الوحيد لتحقيق مآربهم.
وأوضحتْ الصحيفة البريطانية أنَّ سياسة “القبضة الحديدية” التى تتعاطى بها الحكومة مع المعارضة باتت بادية للعيان مُجددًا، فخلال الشهر الماضى سقط ما يقرب من عشرين متظاهرًا خلال الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة الـ25 من يناير، بالإضافة إلى تزايد المحاكمات العسكرية ورأت أنَّ كل ذلك كفيل وحده لإثارة “التطرف” فى مصر.
وأشارتْ إلى أنّ المُعطيات الكاذبة – على حد وصفها – والتى تستند إليها سياسة القمع، هى المسؤول الأول عن تهيئة البيئة المناسبة لخلق المتطرفين – وهو نفس شكل الاستبداد الذى أثار موجة من الانتفاضات العربية قبل أربع سنوات.
وقالتْ إن التهديد الجهادى عاد إلى أذهاننا بصورة قاتلة الشهر الماضي، حينما استشهد ما يقرب من 27 شخصًا خلال هجمات ضد أهداف أمنية فى شبه جزيرة سيناء، فضلًا عن محاولة القيام بتفجيرات فى القاهرة والإسكندرية الأسبوع الجارى التى ربما يقف وراءها الإسلاميون الساخطون على الحكومة، وبعد انضمام الجهاديين فى سيناء إلى تنظيم “داعش” بات يشعر الكثير من المصريين بأنَّ قادة جيشهم هم ملاذهم الآمن الوحيد.
ورأتْ أنَّ “التبجيل” الذى حظى به الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى خلال حضوره منتدى “دافوس” الاقتصادى مؤخرًا، يجعلنا نعيد التفكير مجددًا؛ إذْ بعد مرور أربع سنوات على ثورة الـ25 من يناير التى أطاحت بالديكتاتور الأسبق حسنى مبارك، ومرور 18 شهرًا على الانقلاب العسكرى الذى لفظ جماعة الإخوان المسلمين من على كرسى السلطة، يُقدم السيسى قائد الجيش السابق والذى حظى بتأييد شعبى خلال الانتخابات الرئاسية التى أُجريت قبل عام نفسه بوصفه “ملاذًا للاستقرار” فى منطقة أشعلتها الاضطرابات – على حد قول الصحيفة.
وتابعتْ أنَّ التبعات المدمرة لانهيار سوريا والعراق، وتصعيد داعش لتهديداتها مستغلة حالة الفراغ الأمنى التى تسود المنطقة؛ إنَّما هو دليل واضح على سعى الولايات المتحدة، وأوروبا للتراجع فى سياساتهم الخارجية بالتحالف مع الرجال الأقوياء المحليين، وتتساءل “الفاينانشيال تايمز” مستنكرةً: “أليس ذلك مؤشرًا على قصر النظر وسوء إسداء الرأي”.
وأضافتْ أنَّ مصر التى جذبت أنظار العالم بقيام شعبها بثورة الـ25 من يناير، بحاجة إلى تعزيز حماية سيادة القانون وتبنى سياسات شاملة لحشد طاقة الشباب الطامح لتحقيق آماله والعيش حياة كريمة؛ إلاَّ أنَّه بدلًا من ذلك، منح السيسى المحاكم العسكرية صلاحيات أوسع من أى وقت مضى منذ تولى الجيش السلطة عام 1959. وتدهور القضاء المدنى نتيجة لمحاكم “الكنغر” (محكمة صورية يتجاهل فيها مبادئ القانون والعدالة)، كتلك التى عقدت هذا الأسبوع وقضت بإعدام 183 من أعضاء جماعة “الإخوان المسلمين”.
وقالتْ: “بالفعل، نهاية الأسبوع الماضي، تم ترحيل “بيتر جريست”، أحد صحفيى قناة “الجزيرة” الثلاثة المحبوسين على خلفية دعم “الإخوان” إلى بلده الأصلى أستراليا، كما تخلى زميله محمد فهمى والذى يحمل جنسية مزدوجة (مصرية –كندية) الآن عن جنسيته المصرية آملًا أنْ يحظى بنفس المعاملة؛ إلاَّ أن هذه اللفتات جميعها فى مواجهة الضغوط الدولية تأتى تبعًا لهوى السيسى نفسه.
وأشادتْ الصحيفة البريطانية فى ختام افتتاحيتها بما حققه الرئيس المصرى من إصلاحات اقتصادية، مثل الرفع الجزئى لدعم الوقود مقابل زيادة دعم التعليم والصحة؛ لكنَّها عادتْ وأعربت عن استيائها من تعزيز الجيش لامتيازاته ـ على حد زعمها ـ وتوسيع إمبراطوريته الاقتصادية بفضل المليارات التى تدعمه بها دول الخليج العربي.
ولفتتْ إلى أنَّ السيسى كان قد حث المستثمرين خلال منتدى “دافوس” الاقتصادى على العودة إلى بلادهم ويولونها اهتمامهم خلال القمة الاقتصادية التى ستُعقد الشهر المقبل.
ورأتْ أنَّ التنمية الاقتصادية بحاجة إلى تبنى سياسات مفتوحة، ومجتمع متجدد الحيوية، وليس الرأسمالية أو استعادة الدولة الأمنية التى تجعل الإسلاميين المسلحين هم خصمهم الوحيد البادى للعيان.