وسط تأييد الثورة السورية أو الميل إلى الصمت تجاهها من قبل الفصائل الفلسطينية، خرج اليسار الفلسطيني ليؤكد دعمه للنظام السوري ويشاركه القمع في سوريا، ويخرج بمسيرات مؤيدة ويطلق قادته اسم بشار الأسد على أبنائهم في غزة.
ترصد هذا اليسار إلى اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وتحديدًا في مخيم اليرموك، وعمل على وأد أيّ بوادر للثورة في مخيم اليرموك، ثم حاصرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة- التي يقودها أحمد جبريل المخيم؛ مما أدى إلى استشهاد المئات من الفلسطينيين بالجوع و القصف. وقاتلت عناصر القيادة العامة إلى جانب النظام في جبهات المليحة وجوبر وحلب واللاذقية، وفي مخيمات خان دنون والنيرب والعائدين بحمص.
لكن ما الذي دفع اليسار الفلسطيني لدعم النظام السوري، الإجابة في أربع نقاط يشملها التقرير التالي لـ “ساسة بوست”:
أولاً: القناعة بأن هذا النظام داعم للمقاومة والقضية الفلسطينية
قبل اندلاع الثورة السورية، تحجج النظام السوري في شرعية بقائه بتبني القضية الفلسطينية، محاولاً التغطية على طبيعته القمعية الاستبدادية، ونزعته الطائفية، كما لم تختلف التيارات القومية واليسارية على تبني القضية الفلسطينية كهذا النظام مع استخدام الشعارات ذاتها، ووصم المعارضة بتنفيذ مؤامرة خارجية صهيونية.
وبقي اليساري الفلسطيني والعربي مؤمنًا أن النظام السوري يعتبر القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، رغم كل الدلائل التي تؤكد أن المتاجرة في القضية الفلسطينية بات أمرًا روتينيًّا لسوريا وإيران وما يسمى محور المقاومة التي لا تقاوم والممانعة التي لا تمانع إلا لفظيًّا وشفهيًّا، بقدر ما يهتم في البقاء في السلطة.
تقول الكاتبة بدور حسن: “إن النظام السوري لم يكن يومًا داعمًا لفلسطين، بالنسبة للنظام السوري، كانت فلسطين دائمًا ورقة توت، وكانت دائمًا أداة سياسية”، وتستشهد الكاتبة بما أقدم عليه هذا النظام في السبعينيات من مساعدة للميليشيات في لبنان لسحق اللاجئين في تل الزعتر. ودعم أيضًا المجازر التي ارتكبتها حركة أمل في لبنان خلال الثمانينيات ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وضد منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يمكن نسيانها كذلك. إضافة إلى الحصار الذي يفرضه النظام على مخيم اليرموك، ومنع الناس من الحصول على المساعدات الطبية أو حليب الأطفال، ومنع الناس من الخروج والدخول إلى المخيم”، وتواصل الكاتبة تساؤلاتها فتقول: “حتى لو افترضنا أن النظام السوري يدعم فعليًّا المقاومة الفلسطينية، هل ذلك يعني أن هذا الأمر يسمح للنظام السوري بالسيطرة على سوريا، ولمنع الناس من التعبير عن آرائهم، ولقتل وتعذيب مئات الآلاف من السوريين فقط لأنهم تجرأوا على قول لا لنظام قمعي استمر أكثر من أربعين عامًا؟ بالطبع لا”.
ثانيًا: عزلة اليسار وانفضاض الجماهير من حوله
صُدِم اليسار بنتائج الانتخابات التي جرت في الكثير من البلاد العربية التي اختارت الإسلاميين، وذلك بعد أن اعتقد أن رفع صور جيفارا في مسيرات التغيير في العالم العربي يعني أنّ الشعوب تريد اليسار، ولعل هذا يفسر موقفه المعادي للربيع العربي.
نتجت هذه العزلة بعد تحول اليسار من حركة شعبية جماهيرية تتعاطى مع المسحوقين وتدافع عن مصالحهم، إلى نُخَب تمارس الفوقية على المجتمع ومرتبطة برأس المال المتوحش، وقد عرت ثورات الربيع العربي هذا اليسار ووضعته على قارعة السياسة العربية كما يشير الكاتب صلاح حميدة، مضيفًا: “لذلك انقلب اليسار للمناصرة والتحالف مع الاستبداد العربي وكذلك الأسدي الدموي في سوريا، وانقلب على الربيع العربي لأنه متيقن أن القطار الشعبي فاته، واستخدموا في ذلك شعارات أنّ هذا الربيع أمريكي، بالرغم من أنّ تحالفهم يشمل متأمركين أو مقاولين للمخابرات الأمريكية”.
ويتابع الكاتب: “يعتقد الكثير من اليساريين العرب أنّ الثوري هو اليساري، وأنّ أي ثائر ضد الاستبداد لا علاقة له بالثورية، وبالتالي اعتبروا أنّ الإسلاميين (سرقوا الثورة) هكذا بكل بساطة، وكأن الثورة حقيبة مليئة بالنقود وهي ملكهم وقام الإسلاميون بسرقتها”.
ثالثًا: رفض الثورات العربية
يقول المحللون إن اليساريين يرتعبون خوفًا من الثورة، وكما وصفهم د. صادق جلال العظم “ارتدّوا إلى ولاءاتهم الأولى السابقة للماركسية والأكثر بدائية، وأخذوا يحددون مواقفهم من الثورة السورية استنادًا إلى تلك الولاءات والالتزامات التي عادوا إليها واحتموا بها، وليس استنادًا إلى يساريتهم المكتسبة والضائعة”.
هذا اليسار الآن يدافع عن نظم وسُلطات كانوا يحاربونها بالأمس باعتبارها رجعية وشمولية وديكتاتورية، وباتت هي ذاتها مكونات النظام العربي الرسمي بأشكاله المختلفة في هذا البلد العربي أو ذاك، يدافعون عنها كما لو كانت نظمًا لبلدان لينينية أو ماركسية، لذا قال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة- أحمد جبريل في حوار خاص ضمن برنامج “حديث دمشق”
إن: “الربيع العربي يشكل امتدادًا للنكبة الأولى قبل ستة وستين عامًا.. لم نكن مرتاحين لأننا لم نكن نرى الشعارات السياسية، بل كل ما هنالك الظلم والفساد وإلخ، شعارات داخلية”.
يقول الكاتب والمحلل سليم البيك: “منذ اندلاع الثورة السورية، بل مجمل الثورات العربية، انكفأ اليساري مما يحصل، فاتخذ موقف المتوجّس من مؤامرات إمبريالية (تكون حتمًا أمريكية صهيونية رجعية عربية)، داعمًا النظام السوري منذ الأشهر الأولى من الثورة”، ويضيف البيك: “مع ارتماء المعارضات الرسمية في حضن أمريكا، صار لليسار الصدئ مبرّرات أكثر للوقوف مع النظام في حربه، فصار الأسد من حيث لا ندري الجامع الأكبر ليسار عربي وعالمي بائس”.
رابعًا: الخوف من الإسلام السياسي
تذرع اليسار الفلسطيني عند تحالفه مع النظام السوري بالأسلمة السياسية للثورة، ويعرف عن هذا اليسار موقفه الأيديولوجي المعادي للإسلام والإسلاميين، فمخالفة حركات الإسلام السياسي واجب عند اليسار حتى لو راح ضحيته المبادئ الثورية لقيم البروليتاريا التي كانت تؤمن بحياة الشعب، وأصبحت تؤمن بذبح الشعب.
ومع ذلك لا يخجل هذا اليسار من التأكيد على أنه حليف لإيران، “البلد الأكثر أسلمة ظلامية من بين جميع بلدان الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي وأسوأ من حكم طالبان وابن لادن في تورا بورا، يتحالفون مع إيران التي تعلق على المشانق كل سنة أكثر من 200 مواطن إيراني وعربي وكردي، فقط لأن لهم رأيًا مغايرًا لرأي “قدَّس الله سره”، على حد قول الكاتب محمد موسى مناصرة.
(ساسة بوست)