كشفت وثائق نشرتها جريدة “الغارديان” البريطانية أن جمهورية صربيا التي ارتكبت قواتها مجازر واسعة ضد المسلمين خلال عقد التسعينيات منحت القيادي الفلسطيني محمد دحلان وعائلته وخمسة من السياسيين المقربين منه جنسيتها.
ويعمل دحلان حالياً مستشاراً أمنياً لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كما أنه يعتبر المنافس الأكبر والعدو اللدود للرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ تم طرد دحلان من حركة فتح في أعقاب الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس في غزة منتصف العام 2007.
وتبين من الوثائق التي حصلت عليها شبكة إخبارية صربية ونشرتها “الغارديان” أن دحلان وعائلته ومعاونيه حصلوا على الجنسية الصربية خلال الفترة من شباط/ فبراير 2013 وحتى حزيران/ يونيو 2014.
وقالت الصحيفة إن الحكومة الصربية اتخذت قراراتها بمنح الجنسية لدحلان وعائلته خلال اجتماعات مغلقة عقدتها، وعللت -بحسب الوثائق- منح الجنسية لهم بما قالت إنه “مصالح الدولة”، دون أن تكشف عن تفاصيل المصالح التي تجمع بين جمهورية صربيا وبين محمد دحلان.
وتقول “الغارديان” إن دحلان قدم وعوداً لصربيا بتسهيل استثمارات إماراتية فيها بمليارات اليوروهات، إلا أن الحكومة في بلغراد رفضت الكشف أو الإفصاح عن سبب منح الجنسية لــ11 فلسطينياً خلال العامين الماضيين، ومن بينهم محمد دحلان، ولم تربط بين هذه الوعود وبين الجنسية.
وقال محلل مختص بشؤون الشرق الأوسط إن دحلان ربما كان يخطط لاستخدام صربيا قاعدةَ انطلاق لمواجهة الرئيس الفلسطيني والسلطة الوطنية.
ويتهم عباس دحلان بالفساد، وفصله من حركة فتح مع أن البعض يرشحه لخلافة عرفات. وفتحت السلطة تحقيقاً ودعوى قضائية ضد دحلان حيث اتهمته بتشويه سمعتها، وأصدرت عليه محكمة غيابياً بالسجن لمدة عامين. ويقيم دحلان في الإمارات العربية المتحدة. وكان عدد من مؤيدي دحلان قد احتجوا في غزة نهاية العام الماضي على فتح تحقيق جنائي ثان. ونفى دحلان الاتهامات ورفض الرد على أسئلة شبكة التحقيق البلقانية.
ويرفض الموالون له الدعاوى القضائية ويعتبرونها مسيئسة، فيما يقول عباس والسلطة إن لديهم ما يثبت تورطه وما ارتكب من مخالفات.
ونقلت الصحيفة عن متحدث باسم السلطة الوطنية تعليقه “حسب القوانين الوطنية والدولية يجب أن تفحص الدولة التي ستمنح الجنسية أن الشخص لديه ملف وتاريخ نظيف، ولم يسألوا الجانب الفلسطيني حول تاريخهم وإن كانوا مجرمين أم لا”. وقال “سنرسل رسالة للرئيس الصربي ورئيس وزرائه من أجل وقف هذا”.
وكشف التقرير الصربي أن دحلان استأجر شقة فاخرة في حي راق في العاصمة بلغراد يفضلها الدبلوماسيون، وكانت حتى وقت قريب مقراً للرئيس بوريس تادتيش، وتم تعزيز حراسة الفيلا قبل وصول دحلان إلى بلغراد.
ورفضت الحكومة الصربية الرد على أسئلة الشبكة البلقانية التي كشفت عن الخبر، لكن سفير بلغراد السابق لدى فلسطين ومصر دوسان سيمنوفيتش قال، إن منح الجواز هو “بشكل واضح تعبير عن الشكر للدور الذي أداه دحلان في جلب الاستثمارت من الإمارات العربية لصربيا”.
ويمكن للحكومة منح جنسية متجاوزة الإجراءات إن كان هذا يخدم المصلحة الوطنية، حسبما ينص قانون المواطنة الصربي.
وبناء عليه يمكن لوزير اقتراح اسم شخص معين ويتم التصويت عليه والموافقة عليه، وبعد ذلك يوقع رئيس الوزراء وينشر في المجلة الرسمية.
وأثار النظام جدلاً حيث استخدم في السنوات الخمس الماضية 52 مرة، منها منح جنسية لرجل الأعمال الأوكراني سيرجي كورشينكو.
وتتبع دول عدة في الإتحاد الأوروبي خططاً لمنح رجال أعمال ورياضيين الجنسية، ولكن بناء على معايير مشددة ويقوم بها مسؤولون في الحكومة لا سياسيون.
ويقول التقرير إن دحلان أدى دوراً في تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الشيخ محمد بن زايد ولي عهد دبي والحكومة الصربية. ومنحه الرئيس الصربي ميدالية العلم الصربي في نيسان/إبريل عام 2013 لدوره في تطوير وتقوية التعاون السلمي والصداقة بين صربيا والإمارات العربية المتحدة”.
وكانت صربيا قد فتحت سفارة لها في أبو ظبي عام 2013، ووقعت الحكومتان سلسلة من الصفقات التي وعدت باستثمارات تصل مليارات من اليورو، من خلال شركات مرتبطة بالعائلة الحاكمة الإماراتية.
واشترت شركة الطيران الإماراتية “الاتحاد” 49% من شركة الطيران الصربية “جات”.
وكانت شركة “الدار” المملوكة لحكومة أبوظبي ستستثمر 150 مليون يورو في مشاريع زراعية في صربيا، ولكن بعد اجتجاجات من المواطنين قررت الشركة شراء حصة من شركة محلية. ووقعت شركات مرتبطة بالعائلة الحاكمة في أبو ظبي عقوداً أخرى في مجال الزراعة والكهرباء والإلكترونيات. وهناك مشروع عقاري في بلغراد بقيمة 2.8 مليار يورو. ورغم كل هذه الصفقات إلا أن أثراً قليلاً ظهر على الأرض.