خلافاً للتوقعات فقد وصل وزير الداخلية محمد بن نايف إلى منصب ولي ولي العهد في المملكة السعودية، كأول أحفاد مؤسس الدولة من المقرر أن يستلم الحكم، وحسمت التذبذبات بشأن من سيمسك بالسلطة من “الجيل الثاني” الذي كان يَعد الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز نجله متعب رئيس الحرس الوطني لهذا المكان- بحسب أغلب التحليلات.
لم يكن وقع الصدى في المملكة فقط بل بما جاورها من دول الخليج العربي، فإقالة الملك سلمان للتويجري ، وتعيينه الأمير محمد بن نايف ولي لولي العهد، مثل الصاعقة للجناح المحارب للربيع العربي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد ان كان التويجري مفتاح القرار بالمملكة ، والذي ومن خلاله راهنوا على الأمير متعب كوريث شرعي للحكم.
وما يثير القلق أكثر هو الكيفية الجديدة للحكم في المملكة .. فهل سيستمر التوارث عبر الأخوة كما كان هذا النظام سائداً في الجيل الأول؟!، إن كان كذلك فالأمير محمد بن نايف لا تربطه علاقة وثيقة بقيادات أبوظبي، كتلك التي نسجها متعب، ومن شأن ذلك أن يحصل جفاء في العلاقة، أو أن تصبح أكثر رسمية.
وعلى غير المعتاد قامت الإمارات بإيفاد وفدين خلال يومين ففي اليوم الأول أوفدت وفد برئاسة حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي وعضوية حاكمي رأس الخيمة وعجمان، وعدد من الشيوخ والوزراء؛ وحضروا مراسم العزاء في المملكة؛ وفي نفس الوقت أوفد رئيس الانقلاب المصري عبدالفتاح السيسي وزير خارجيته لتقديم العزاء. وقال ديفيد هيرست في مقال له أن عدم حضور السيسي لجنازة الملك الراحل بحجة سوء الظروف الجوية ما هي إلا “نتيجة لشعوره بتغير المزاج العام في القصر السعودي”.
وما لبث أن أعلنت الإمارات عن وفد سيزور المملكة لتقديم العزاء والمواساة في اليوم التالي ويضم نائب رئيس الدولة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وأعلن السيسي كذلك تحركه إلى الرياض لتقديم العزاء.
فيما قطع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة دولية واتجه للمشاركة في مراسم تشييع الملك عبدالله، وأعلنت دولته الحداد، بالإضافة لوجود رئيس الكويت، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وقد كان تعيين الأمير محمد بن نايف وإبعاد خالد التويجري عن القصر السعودي مع تجريده من كافة صلاحياته، مؤشر دفع عدد من المتابعين للتفاؤل بحدوث تغييرات في السياسة الخارجية السعودية وفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية السعودية. كما يقول المحلل التركي اسماعيل ياشا.
ووجه أمير سعودي نقدا لمستشار ولي عهد أبوظبي “عبدالخالق عبدالله” علي خلفية تغريدة كتبها الأخير تعليقا علي زيارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” أمس للمملكة العربية السعودية. وفي تغريدته قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات: “ورد الآن: الرئيس الأمريكي”أوباما” في الرياض في زيارة تستغرق عدة ساعات للتعزية وليس للبيعة.”
ورد السعوديون بغضب على عبدالله كان أبرزها رد الأمير السعودي الدكتور خالد آل سعود حيث علق عليها موجها حديثه لـ”عبدالله” قائلا: “كن صريحاً وواضحا فيما تقصد يادكتور، بدلاً من هذا اللمز والهمز ، فأنت أستاذ جامعي – معروف – لك تقديرك وإحترامك.”
وليس هذا وحسب بل قاطعت الإمارات اجتماعات في أديس أبابا بشأن الأوضاع في ليبيا وتتضمن المحادثات كل من السعودية وقطر وتركيا، وطرح مراقبوان تساؤلات حول أسباب ذلك خصوصاً أن السعودية موجودة في تلك الاجتماعات! ، نافين أن يكون تبرير الإمارات عدم وجود مصر سبباً مقنعاً لتلك المقاطعة.
وكذلك ما نقلته صحيفة “القدس العربي” الصادرة من لندن أن المملكة العربية السعودية منعت محمد دحلان القيادي المفصول في حركة فتح، ومستشار ولي عهد أبوظبي من الدخول والمشاركة في مراسم العزاء. ومحمد دحلان تثير الشائعات في الإمارات أنه يدير الملف الأمني والسياسة الخارجية إلى جانب أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.
يقول سياسيون أن القيادات الأمنية والسياسية في الإمارات تعيش غضب مكتوم جراء تعيينات الملك سلمان بن عبدالعزيز، وانقلابها على ما كان مخططاً له بدقة في زمن الملك الراحل الملك عبدالله، وهو ما عبر عنه الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال له بعنوان (انقلاب في السعودية): “أطاحت التعيينات برجل بن زايد والسيسي خالد التويجري الذي كان لاعبا رئيسيا في ما وصفه بـالمؤامرات الخارجية سواء في إفساد الثورة المصرية وكذلك تمويل تنظيم “الدولة الإسلامية”في سوريا في مراحله الأولى خلال الحرب الأهلية جنبا إلى جنب مع حليفه السابق الأمير بندر بن سلطان. “
كان يفترض على صانع القرار السياسي في الإمارات العمل بجد لإعادة النظر في توجهاته الاستراتيجية وتقييم مساره بناء على المتغيرات الجوهرية في المنطقة ، (رغم ان تحالفه السابق مع أجنحة في المملكة لمحاربة التيار السني)، فهي فرصة ذهبية الآن ، فالسعودية الشقيقة الأكبر في الخليج ، والدولة المؤثرة في المنطقة.. أعطت إشارات لعدم رضاها بما قامت به أجنحة بالمملكة بزعامة التويجري ، فأقالته قبل دفن من عينه، فهل من مصلحة الامارات الاستمرار في مسارها الذي من الواضح انه لن يعجب الشقيق الأكبر؟!، أم أن التحديات أكبر من ذلك، فإيران تجاوزت تهديدها اللفظي، وبدأت تعبث بالخليج من خاصرته ، وداعش رغم ما ناله من ضربات التحالف ما زال يسرح ويمرح في حدود الخليج الشمالية.
التحديات أكبر من الانتقامات والطموح الشخصي، فلغة المصالح تستدعي أن تتحالف مع من تكره من أجل ردع ومواجهة من تعادي.
إيماسك