لم يهتم العرب يومًا بفلسطين، ولم يحاربوا لأجلها بل لأجل مصالحهم الخاصة، الدلائل كثيرة، أحدثها التعاون الأمني لنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع إسرائيل ضد الفلسطينيين أنفسهم، إضافة إلى إحجام دول الخليج الغنية عن تقديم مساعدات سخية للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كان هذا ملخص مقال لـ “يورام إتنجير” الخبير الإسرائيلي في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية والمسؤول البارز بسفارة تلك أبيب في واشنطن سابقًا، سعى فيه إلى محاولة فصل فلسطين معنويًا عن محيطها العربي، عبر الترويج لدعاية إهمال العرب القضية الفلسطينية، بل وتأييدهم في بعض الأحيان للهجمات الإسرائيلية عليهم.
زعم “إتنجير” في مقاله بموقع “نيوز1” أن جميع الحروب التي خاضها العرب ضد إسرائيل لم يكن دافعها الدفاع عن فلسطين، بل الرغبة في التوسع وتقسيمها فيما بينهم.
وإلى نص المقال..
هل تقديرات الرئيس أوباما التي ذهبت إلى أن المسألة الفلسطينية هي جذور الصراع العربي – الإسرائيلي ناجمة من الواقع بالشرق الأوسط؟
في2015 لم يخضع الرئيس المصري السيسي التعاون الأمني مع إسرائيل لعلاقاته مع الفلسطينيين، فهو يرى في إرهاب “الإخوان المسلمين” والإرهاب الفلسطيني تهديدات مشتركة مع إسرائيل، والأردن ودول الخليج العربي التي لا تنظر للمسألة الفلسطينية على أنها قضية ذات أولوية قصوى، ولا تمنح السلطة الفلسطينية مساعدات سخية. تعاون تلك الدول مع إسرائيل في اتساع مستمر رغم الاعتراض الفلسطيني.
في 2014 أيدت تلك الدول العربية الحرب التي شنتها إسرائيل على الإرهاب الفلسطيني في غزة الذي يمثل أيضًا تهديدًا لكل من مصر والأردن.
في 1977 انضم الرئيس السادات لمبادرة السلام التي طرحها رئيس الحكومة بيجين رغم التهديدات الفلسطينية ورغم اعتراض الرئيس كارتر. اعتبر الرئيس الأمريكي أن مفاوضات مباشرة بين إسرائيل ومصر تعصف بمساعيه للدعوة لمؤتمر دولي، يتمحور حول القضية الفلسطينية، التي اعتبرها أساس الصراع العربي- الإسرائيلي.
وبعكس تقديرات أوباما القائمة على القول لا الفعل، فإن العلاقات الإسرائيلية العربية لا تدور حول المحور الفلسطيني.
على سبيل المثال، في 1948 شنت دول عربية حربا ليس بسبب أو من أجل الموضوع الفلسطيني بل لاعتراضه. حيث طمح العراق في السيطرة على أنبوب النفط من كركوك إلى حيفا، وأراد الأردن التمدد حتى البحر المتوسط، وسعت مصر لإيقاف الأردن، فيما اجتهدت سوريا لدفع فكرة سوريا الكبرى.
وفقا للبروفيسور أفرايم كارش، المستشرق بجامعة كينجر كوليج في لندن، فإن ” الاجتياح العربي في 1948 كان نموذجا للصراع على الأرض وليس من أجل الحقوق القومية الفلسطينية. وقد اعترف الأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام أن الهدف الأردني كان السيطرة على المنطقة الجبلية وسط فلسطين..فيما أرادت مصر النقب. وخصص الجليل لسوريا، باستثناء المنطقة الساحلية حتى عكا والتي ُخصصت للبنان”.
وبالفعل سيطر العراق على السامرة( جبال نابلس وهي القسم الشمالي الجبلي من الضفة الغربية) وأعطاها للأردن وليس للفلسطينيين. واحتل الأردن يهودا ( المنطقة الممتدة من ساحل البحر الميت تجاه الغرب وتشمل القدس والخليل وبئر السبع) وضم يهودا والسامرة ( الضفة الغربية) للضفة الشرقية لنهر الأردن. واحتلت مصر غزة، وكالأردن حظرت النشاطات القومية الفلسطينية وطردت ناشطين فلسطينيين. في1959 فككت الجامعة العربية حكومة فلسطين الكبرى التي تشكلت عام 1949.
عام 1956 اندلعت “عملية سيناء” ( العدوان الثلاثي على مصر) في أعقاب تأميم المصريين قناة السويس، والمؤامرات المصرية في المغرب والجزائر وتونس واستخدام مصر إرهابيين فلسطينيين لزعزعة السيادة الإسرائيلية في النقب. في 1967 اندلعت “حرب الأيام الستة” ( النكسة) بسبب الطموحات القومية للرئيس المصري ناصر التي قادت لمعاهدة الدفاع بين مصر وسوريا والأردن، وإغلاق مضيق تيران وخرق اتفاق نزع السلاح بسيناء. في 1973 اندلعت “ حرب يوم الغفران” ( أكتوبر المجيدة) أيضًا ليس بسبب المسألة الفلسطينية.
منذ عام 1982 اندلعت حروب بين إسرائيل والفلسطينيين ولم تصبح حروب عربية- إسرائيلية. الدول العربية يقظة للإرهاب الفلسطيني لذلك تغدق عليهم بالكلام لكنها لا تقاتل إلى جانبهم. على سبيل المثال اندلعت حرب” سلام الجليل”( حرب لبنان الأولى) في 5 يونيو 1982، لكن الجامعة العربية اجتمعت فقط في سبتمبر بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. الانتفاضة الأولى والثانية لم تؤد إلى تدخل عربي، وكذلك أيضًا الحروب ضد حماس في 2008 و2012 و2014.
رؤية أوباما الذي يرى في المسألة الفلسطينية جذور الصراع العربي- الإسرائيلي وأساس الاضطرابات في الشرق الأوسط، تتجاهل الواقع الشرق أوسطي وتضر المصالح الحيوية وتزكي الإرهاب والتعنت الفلسطيني وتبعد السلام.