قال الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية السابق، إن الإسلاميين ـ الذي كان من أشد المنتقدين لهم إبان وجودهم في السلطة بمصر ـ لن يختفوا من المشهد ومن الخطأ الدفع بهم تحت الأرض.
وفي مقابلة مع صحيفة “دي بريس” النمساوية نشرته اليوم، توجه البرادعي إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي ناصحًا: “من يريد الاعتدال عليه تضمين الإسلام السياسي، ومن يدفع بهؤلاء تحت الأرض، يحصد العنف والتطرف وأحد الدروس المستفادة من الربيع العربي هو أننا بحاجة للوحدة الوطنية وعملية سياسية تشمل الجميع “.
واعتبر أن “مصر لا يمكنها تحمل ترف المنافسة السياسية لاحقا فنحن بحاجة لتعددية سياسية، مثلما حدث في تونس، فالإسلاميون هناك في البرلمان وهذا هو السبيل الوحيد، ولا يمكننا الاستمرار في تشويه صورتهم كما يحدث في مصر حاليًا”.
وأكد أن “الشباب الذي قاد الثورة في ميدان التحرير محبط للغاية، ويريدون الحرية والعدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة بين الجنسين وإنهاء الفساد وأن هناك قوانين قمعية وحظر للتظاهر وحبس لأسباب زائفة”.
وعن الفوضى التي تملأ الشرق الأوسط بعد الربيع العربي، قال البرادعي “ربما كنا متفائلين بشكل زائد.. إن المشكلة في أية ثورة هو الاتفاق على ما يأتي بعدها، فأنت لا تبدأ في فراغ، وفي مصر، كان الإخوان المسلمون وحدهم المنظمون، فمنذ 80عامًا وهم يعملون تحت الأرض، وهناك الجيش وهو منذ 60 عامًا في السلطة ويتمتع بامتيازات لا يريد التخلي عنها”.
وأكد أن “العالم العربي كان ولا يزال يبحث عن الكرامة، ففي القرن الواحد والعشرين لا يمكن التسامح مع الأنظمة القمعية.. العالم تغير والجيل الصغير يريد الحرية، لذا فقد كان الأمر مسألة وقت حتى تسقط الأنظمة في تونس ومصر واليمن”.
وعن إقصاء الإخوان بمصر وتولي الجيش السلطة، قال البرادعي إن “تلك ليست نهاية القصة، لقد استغرقت الحروب الدموية في أوروبا ثلاثة أعوام لتسوية صراعاتها الداخلية والعرقية والدينية وتمهيد الطريق للديمقراطية، وبعض التغييرات الاجتماعية لا تحدث في خط مستقيم بل بحركة دائرية، وبعد الثورات تحدث الثورات المضادة”.
وحول عودة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، قال البرادعي، إن “العديد من الشخصيات والأفكار القديمة قد عادت، لكن العودة الكاملة للنظام مستحيلة لأن ثقافة الخوف قد ولت بلا رجعة، وفي خلال 20 عاما، ستتلاشى النُخّب، وسيتولى السلطة الشباب”.
وتابع “السؤال الأهم هو هل سنكون مستعدين لذلك حال حدوثه، ففي 2011، كان الشباب يفتقدون الخبرة في التعامل مع المؤسسات الديمقراطية والرغبة في التعاون، ولا يمكن أن يحدث ذلك في بيئة ديكتاتورية، ففي تلك الأنظمة، عليك أن تطعن جارك في ظهره لا أن تعمل معه، كي تمضي قدما”.
وعن دعمه الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، قال البرادعي: “دعمت إقامة انتخابات رئاسية مبكرة بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وقطر والإمارات، ومرسي لم يكن يرغب في ذلك”.
وعن إمكانية ترشح مرسي مرة أخرى حينها، قال البرادعي: “كان يجب أن يترشح مرة أخرى، مرسي ارتكب خطأ عندما لم يقبل عقد انتخابات مبكرة، فقد كانت الفكرة حينئذ هي أن يذهب مرسي وأن يظل الإخوان المسلمون مشاركين، وبعد أسبوع من 3 من يوليو 2013، تم دعوة الإخوان المسلمين للقاء لمناقشة المصالحة لكنهم لم يوافقوا لأن مرسي كان قد ألقي القبض عليه فعليا “.
وعن سبب قبوله للانقلاب على مرسي عبر توليه منصب نائب الرئيس قال البرادعي “أردت أن تتجنب البلاد حربا أهلية، فمصر كانت في حالة انقسام كامل وقتها، وكان الملايين في الشوارع وكان ينبغي تهدئة الموقف من خلال انتخابات سياسية، ولكن الجيش تلاعب بالموقف وقام بإطلاق الرصاص على اعتصامات الإخوان المسلمين على الرغم من أنه كانت هناك نوايا طيبة لإنهاء الصراع بشكل سلمي، وحينما تم للجوء للعنف، لم يكن أمامي المزيد لأقدمه وتراجعت”.
وردا على سؤال حول إمكانية أن يكون البعض استخدمه “ستارا ” قال البرادعي “نعم، لكن كان ينبغي أن يدركوا أنني أصبحت نائبا للرئيس فقط لمنع حدوث مواجهات دامية في 3 من يوليو 2013، وأعلنتها واضحة منذ أول يوم لي إنني ضد العنف بكل أشكاله”.
وأشار إلى أنه كان على اتصال دائم مع الرئيس السيسي ومع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ومع ممثلة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون وكان السيسي يرغب في حل سياسي للموقف ولكن ماذا حدث لاحقا؟ لا أعرف.
وأكد البرادعي تلقيه العديد من التهديدات بعد استقالته “في مناخ العنف، لا يكون لشخص مثلي دور، لذا فقد رأيت أنه من الأفضل مغادرة مصر لذا فقد عدت إلى فيينا”.
وعن مدى خطورة الإسلاميين على مصر، قال البرادعي “الإسلاميون لديهم نظرتهم الخاصة، والسؤال الأهم هو حجم النفوذ الديني في الحكم، ففي 2012 كان هناك دستور ديني لحد بعيد رفضه 50% من المصريين على الأقل و كان من أسباب فشل مرسى لأنه ساهم في الاستقطاب”.
وردا على سؤال حول عمل الإخوان على الإسراع بالانتخابات بعد انتهاء الثورة مباشرة على حساب إقرار الدستور؟ أوضح البرادعي أن العملية بجميع أركانها كانت خاطئة، فطالما أنه لا يوجد اتفاق على قيم أساسية، لن يكون هناك استقرار اجتماعي، الانتخابات دون دستور ودون توافق في ا?راء على قيم أساسية أدت لكارثة، لذا فكان ينبغي على مصر قبل إجراء الانتخابات أن تتفق على دور الدين في العملية السياسية، وبالمناسبة، هذا هو الأمر الذي ظل دون حل في الإسلام على مدار 14 قرنا.
وعن إمكانية وجود فرصة أخرى لمصر، أكد البرادعي أنه “في بلاد دون تقاليد ديمقراطية ينبغي أن يعمل الجميع معا على بناء المؤسسات، وتونس أدركت ذلك وحركة النهضة أدركت ذلك أيضا، الاستقطاب يمكن أن يدمر مجتمعا وآمل أن تكون تونس نموذجا تحتذي به الدول الأخرى”.