القرارات الستة التي أصدرها العاهل السعودي الجديد وصفت من قبل الكاتب الإنجليزي الشهير «ديفيد هيرست» بأنها انقلاب داخل القصر الملكي السعودي، حيث نجح الملك الجديد – والجناح الداعم له في الأسرة الحاكمة- في إعادة نفوذ المتنفذين السديريين، بعد محاولات استمرت لسنوات قادها الملك الراحل ونجله ورئيس ديوانه المعفي مؤخرًا من منصبه «خالد التويجري» لأجل ترسيخ نفوذ الملك الراحل وابنه من بعده.
بينما يفكر العالم كله في مراسم تشييع الملك الراحل، كانت الأمور حسمت بقرارات ملكية عاجلة أثارت جدلاً واسعًا، ولعلها تحمل من الأسئلة أكثر مما تحمل من الأجوبة، وتبقى الأسئلة المطروحة في السطور القادمة هي أهم ما يثار من السيناريوهات بشأن القرارات الملكية الجديدة وتوجه المملكة في الفترة القادمة، وتبقى الأيام دومًا حبلى بالمفاجآت.
1- هل سيظل الملك «سلمان» في منصبه؟
الجدل حول الحالة الصحية للملك الجديد لا ينتهي منذ عدة أشهر، خاصة بعد أن تدهورت صحة الملك الراحل، وبدى جليًّا أن السلطة ستؤول لوليه من بعده، يمتاز الملك «سلمان» بحالة بدنية جيدة رغم تقدم عمره (79 عامًا)، إلا أن حالته الذهنية ليست على ذات المستوى. فالرجل مصاب بالزهايمر، وتتداول أنباء عن إصابته بالخرف، وتقول الوفود التي تلتقي به إنه يفقد تركيزه بعد فترة قصيرة، الأمر الذي جعل العديد من المراقبين يزعمون أن الملك الراحل كان يخطط للإطاحة به لسوء حالته الصحية (بعد تقارير طبية)، ثم التنازل عن العرش لأخيه «مقرن» (ولي العهد الحالي)، على أن يقوم «مقرن» بتعيين «متعب بن عبد الله» نجل الملك الراحل كولي للعهد، ولكن يبدو أن القدر لم يمهل الملك الراحل الفرصة لإكمال خطته، مما سهل مهمة السديريين في الانقلاب عليها.
يبقى السؤال: هل ستكون هذه التغييرات هي الأخيرة؟ وهل سيبقى الملك في منصبه أم ستمارس عليه ضغوط من قبل الجناح الحليف له للتنازل عن السلطة لشخص أكثر لياقة قد يكون ولي عهده «مقرن»، أو أي شخص آخر حال تمت الإطاحة بـ«مقرن» لأي سبب؟
2- بقاء «مقرن»، هل سيستمر؟
تحرص العائلة الحاكمة دومًا على إبداء أكبر قدر من التوافق بشأن صورتها الخارجية، لذا يندر أن يأتي ملك ما ليتصدر قرارات تلغي قرارات سبق أن أصدرها سلفه، وهي الخطة التي أقرها الملك «سلمان» في الإبقاء على الأمير «مقرن» المسمى من سلفه كولي للعهد.
تمت تسمية «مقرن»، في منصبه المستحدث (ولي ولي العهد) في مارس الماضي، وقيل وقتها أن القرار كان بموافقة هيئة البيعة التي أسسها الملك «عبد الله» في عام 2012، وأوكلت لها مهمة وحيدة هي بيعة الملك وأولياء عهده، لكن قرار تعيين «مقرن»، يبدو أنه لم يلق قبولاً عند الأمراء المتنفذين وبخاصة السديريين، الأمر الذي جعل العديد من المترقبين يتوقعون أن تتم الإطاحة بـ«مقرن»، عن قريب (ربما بناء على طلبه لحفظ ماء الوجه) إرضاء لبعض الأمراء المتنفذين في المملكة، ولكن تم تأخير هذا القرار لوقت لاحق.
السيناريو الآخر أن يبقى «مقرن» في منصبه، بعدما يتم عزله عن حلفائه (التويجري المبعد، ومتعب قائد الحرس الوطني)، ومحاصرته عبر النائب الثاني لرئيس الوزراء وولي ولي العهد «محمد بن نايف»، وهو شخصية قوية واسعة النفوذ في الداخل والخارج، ويتمتع بالدعم الكامل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
3- ما مصير الأمير «أحمد بن عبد العزيز»؟
هو وزير الداخلية الأسبق ونائب وزير الداخلية لمدة تزيد عن 30عاماً، وهو الأحق بولاية العهد بعد الملك الحالي (سلمان) وفقًا لمعايير السن والنسب والنفوذ، تم إبعاده من قبل الملك الراحل لصالح ابن أخيه «محمد بن نايف»، وقيل وقتها إن اتفاقًا ما جرى بين العاهل السعودي وولي عهده السابق(الأمير نايف) على استبعاده، ويتوارى الأمير السبعيني (72 عامًا) عن دائرة الضوء منذ إقالته، ولكنه يتمتع بتأييد كبير داخل العائلة المالكة وبين القبائل، ويلقبه بعض الأمراء بالأمير المظلوم.
السيناريوهات فيما يخص الأمير «أحمد» تنحصر بين أمرين، فإما أن يجري التحضير للإطاحة بولي العهد الحالي الأمير «مقرن»، بشكل لائق لتؤول ولاية العهد إلى الأمير «أحمد»، وإما أن يكون اتفاق ما قد جرى بين السديريين بترضية الأمير الكبير مقابل تنازله عن حقه لصالح ابن أخيه «محمد بن نايف» الأمير الشاب (55 عامًا) من أجل صناعة حالة من الاستقرار وتمرير النقلة المنتظرة للسلطة إلى الأحفاد.
4-هيئة البيعة .. إلى أين؟
تبدو القرارات الملكية الجديدة قد تجاهلت هيئة البيعة بشكل كبير، فولي العهد وولي العهد الجديد تم تسميتهما بموجب مراسيم ملكية لم تتطرق إلى ذكر هيئة البيعة.
وهيئة البيعة، هي هيئة سعودية تعنى باختيار الملك وولي العهد السعودي. تتكون من أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل سعود. أسست الهيئة في أكتوبر 2006، يرأس الهيئة الأمير» مشعل بن عبد العزيز آل سعود»، وأمينها العام هو رئيس الديوان المقال «خالد التويجري».
لاقت الهيئة انتقادات واسعة من قبل بعض الأمراء، وقيل أن الهيئة تم تهميشها في اختيار ولي العهد الراحل الأمير «نايف»، ومن بعده ولي العهد والملك الحالي (سلمان) وولي ولي العهد الأمير مقرن، رغم تأكيد القرارات الملكية أن التعيينات تمت بعد موافقة هيئة البيعة، مما جعل بعد المراقبين – بل وبعض أمراء العائلة المالكة- يزعمون أن «التويجري» هو من أشار على الملك بتأسيس هيئة البيعة لتمرير قراراته دون معارضة، ولتنفيذ خطة تمكين الأمير «متعب بن عبد الله».
وعلى نهج سلفه سار الملك «سلمان» بإقرار تسمية الأمير «مقرن» كولي للعهد بمرسوم ملكي، ثم قرر تعيين الأمير «محمد بن نايف» كولي ولي للعهد دون الرجوع لهيئة البيعة، وهو ما يعني شهادة وفاة للهيئة التي ربما يجري حلها رسميًّا عما قريب، أو تجاهلها كأن لم تكن، أو إجراء تعديلات جوهرية على وظيفتها.
5- «محمد بن نايف»: أول ملوك جيل الأحفاد .. فمن سيخلفه؟
يفتقر النظام السياسي السعودي إلى أي قواعد مكتوبة وبخاصة في تداول السلطة، حتى إن النظام الأساسي الذي تم تدوينه عام 1992 في عهد الملك «فهد» أقر الأعراف القائمة على تداول السلطة بين أبناء الملك «عبد العزيز »من الأخ إلى أخيه وفقًا لعوامل السن والقدرة والرغبة، ويعد ولي العهد الحالي الأمير «مقرن»، أصغر أبناء الملك عبد العزيز الأحياء ويفترض أن تؤول السلطة من بعده إلى الأحفاد، ولكن وفقًا لأي ترتيب أو نظام؟
يمكن تفسير قرار تسمية الأمير «محمد بن نايف »كولي لولي العهد في إطار التنافس بين الجناح السديري وجناح الملك الراحل، لكن القرار لم يسر وفق قاعدة معينة في تداول السلطة، إذا سارت الأمور بشكل طبيعي وآلت السلطة إلى «بن نايف» فلمن تؤول من بعده، هل لإخوته من أبناء «نايف»؟ أم لأبنائه هو كسائر الملكيات، أم لمن يحدده؟ القرار المثير للجدل يفتح الباب على مصراعيه للتطاحن بين الأحفاد، في وجود المتنفذ «متعب بن عبد الله» الذي يسيطر على وزارة كبيرة كالحرس الوطني تدين بالولاء له ولوالده.
السلطات الموسعة التي تم منحها للأمير الشاب «محمد بن سلمان» (نجل الملك الحالي) هي الأخرى مثار جدل كبير، فالأمير الشاب استحوذ على منصبين من أكثر المناصب الحيوية في الدولة، وهما: وزارة الدفاع، ورئاسة الديوان. وفي ظل تدهور الحالة الذهنية للملك «سلمان» فإنه بالإمكان اعتبار الأمير الثلاثيني بمثابة «نصف ملك».
الشاهد أن صعود «بن نايف» إلى منصب ولي ولي العهد يحمل من الأسئلة أكثر بكثير مما يحمل من الأجوبة، ويمكن قراءته على أنه مقدمة لصراع أكثر بكثير من كونه إنهاءً للصراع، أو محاولة لتثبيت الأمور بشكل ما.
6- هل ستؤثر القرارات الجديدة على السياسة الخارجية للملكة؟
لم تعرف السياسة الخارجية للمملكة عبر تاريخها تحولات جذرية عبر انتقال السلطة من ملك إلى ملك، فالسياسات السعودية يغلب عليها النمطية بشكل ما، إلا أن بعض الأحداث والدلالات البسيطة قد تصلح لقراءة التطورات بشكل ما.
لا يتمتع حكام الإمارات وعلى رأسهم ولي عهد أبو ظبي «محمد بن زايد» بالرضا الكامل من قبل الملك «سلمان» والأمير صاحب النفوذ «محمد بن نايف»، بل يمكن القول إن بن نايف وبن زايد خصمان أكثر من كونهما أي شيء آخر، وسبق لوثائق ويكليكس أن كشفت أن «بن زايد» سبق أن أهان والده الأمير «نايف» ووصفه بـ (القرد)، حيث قال لمدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، «ريتشارد هاس»، في عام 2003 وهما يتحدثان عن الأمير «نايف»: «إن أخلاقياته وتصرفاته أقنعتني بنظرية داروين التي تقول بأن الإنسان يتطور من الأسفل إلى الأعلى».
لذا يرى البعض أن قرارات الملك «سلمان» الأخيرة قد أطاحت بأكبر حلفاء «بن زايد» في المملكة (التوجيري ومتعب)، وجاءت بخصمه «بن نايف» إلى مناطق أكثر نفوذًا، كما جاءت بـ«سلمان» ملكًا، والذي تشير التقارير إلى حساسيته للتدخلات الخارجية خلافًا لسلفه الراحل الملك «عبد الله».
على الجانب المصري تبدو الأمور شبيهة، فانتقاد أحد الإعلاميين المصريين للملك «سلمان» والتصريح برغبته في أن يأتي ولي العهد الأمير «مقرن» إلى السلطة لم يأت من فراغ، فـ«مقرن»، ينتمي إلى الجناح الداعم لـ«الـسيسي» و«بن زايد»، كما يتمتع بعلاقة شخصية معهما وفقًا للمعلومات، إضافة إلى أن بعض التقارير تشير إلى أن الملك الحالي (سلمان) يتمتع بحساسية أقل تجاه التيارات الدينية من سلفه الراحل الملك «عبد الله»، وربما لا يمانع في إقامة علاقات مع بعض التيارات الإسلامية (المعتدلة) وربما الإخوان، خلافًا بالطبع لـ«الـسيسي» و«بن زايد».
الرؤية ذاتها يشاركها «بن نايف»، الذي يتمتع بسجل حقوقي سيء، لكنه في الوقت نفسه لا يشارك نفس الرؤية التي يحملها رئيس الاستخبارات الأسبق «بندر بن سلطان» (حليف محمد بن زايد)، حيث تعتمد سياسة بن نايف على التوازنات أكثر من أسلوب التدخلات المباشرة لـ«بندر » و«بن زايد».
وذكر الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، «سايمون هاندرسون»، أن رؤية «محمد بن نايف» الأمنية تتفق مع الرؤية الأمريكية في ملف الإرهاب، وإن كان يختلف مع رؤية سلفه (بندر بن سلطان) في التعامل مع الإسلاميين عمومًا معترضًا على نهج السعودية في دعم المقاتلين الإسلاميين بهدف إسقاط نظام الأسد، خوفًا من تكرار تجربة أفغانستان بعد أن تولت السعودية وقتها تصدير الجهاديين لمحاربة السوفييت، وهو ما أفرز في النهاية تنظيم القاعدة، ويبدو أن مخاوف «بن نايف» قد صدقت مع صعود نجم داعش حاليًا في العراق وسوريا.
على الجانب الأمريكي، ووفقًا لتقرير «إنتليجانس أون لاين»، فإن إدارة «أوباما» سعت جاهدة لتنصيب «سلمان» ملكًا، وهو ما نجحت فيه بالفعل، ويبدو «محمد بن نايف» هو الحل المفضل لدى الولايات المتحدة لخلافة سلمان، حيث يتمتع بعلاقات قوية مع الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويدير بتوجيهاتها الملفات في سوريا واليمن.
(ساسة بوست)